رسالة وجواب
ديوان أنوار الولاء - السيد هاشم الهاشمي
الرسالة:
***
عندما تخبو أحاديثُ الهوى= عندما يسكن في القلب الضرامْ
فاندفع للكأس واشربْ أبداً= واحرق العمر به فهو حطام
أنتم أضرمتم النار بقلبي= جنّ هذا الوالهُ الغِرِّ بحبِّ
عندما واجهني الصدُّ إذا= كلُّكم يطعن أعصابي بعتب
بيدي وحدي سحقتُ الذكرياتْ= بيدي وحدي ذبحتُ الاُمنياتْ
أيّها الباحثُ عن معجزة= هل ترى يجدي بكاءُ الثاكلات
أنظر العمر جحيماً قاتلاً= كيف تطوي رحلتي الدربَ الطويل
أنظر الأعوام قفراً شاسعاً= أنا فيه ضائعٌ دون دليل
بعد تاريخٍ غبيٍّ عاصفٍ= كنتُ فيه راكضاً خلف السراب
لاح لغز العمر لكن أسفاً= إنّه لاح وقد ولّى الشباب
يا طبيبي لا تجسّ النبض لن= تعرف الداء بنبض وجبين
وإذا ما رُمتَ أن تفحصني= هاكَ روحي تعرف الداء الدفين
إنّني أبحثُ عن قلبٍ لكي= أعرضَ الشكوى له والقلقا
أنا لا يفهمني إلا الذي= مزّق الدهرُ صباه مِزَقا
أنا وحدي هاهنا أحيا على= خنجر الوهم الذي غاص بقلبي
عبثاً أشكو فمن يسمعني= كلّهم حجّرهم مليون ذنب
أنت يا مولاي قد قلت لنا= من دعاني إنّني منه قريب
كم طرقتُ الباب أرجو نظرةً= تكشف الستر ، فهل أنت مجيب
يمضغ البؤس بعنفٍ خاطري= فيسدُّ الدرب وحشٌ وضياع
يبرز الأمسُ حراباً مُرّة= تطعنُ العمر فتنهار القلاع
كم أنا قاومتُ دهراً خاطئاً= كم تحمّلتُ افتراساً وجراح
وإذا في لمحةٍ تهوي الرؤى= ليسير العمر في هوج الرياح
لمحةٌ وانفجرتْ ثانية= لخطى الفارس نيرانُ الخصوم
لمحةٌ ..لم أدرِ كيف انبثقتْ= إنّها إرثُ غباء وسموم
سقط الفارسُ في الوحل ولم= تثنه الرحلةُ ، فالدربُ طويل
إنّ شرطَ النصر صبرٌ دائمٌ= وكفاحٌ وسلاحٌ ودليل
قد مضى شهرٌ تحمّلتُ به= كلَّ أوجاع المدى للتائبين
كيف لم أصبرْ عشراً إنّها= تنقل العمر لفجر الأربعين
حيث يسمو المرءُ فيها لمدى= كلُّ ما فيه جلالٌ وجمالٌ
تسبح الروح باُفقٍ نيّرٍ= أبداً تسكن في طُهر الوصال
كم أنا سرتُ بسيناء ، وقد= خضتُ في الرحلة أمواج الضياع
آه تعساً لنصيبي كيف لم= أكمل الشوط بعزمٍ واندفاع
« سوف أسعى » كم أنا كرّرتها= من زمانٍ وأنا طفلٌ صغيرْ
ثم أسعى إذ بأغلال المدى= تُمسك الخطو فيرتدُّ حسير
هل ترى أغرق في اليأس فلا= كوّة تفتح لي باب النجاةْ
يا إلهي هل ترى أبقى بلا= أملٍ في عالمٍ من ظلمات
أنتَ كم أنقذتني من محنٍ= هي للخطو دروسٌ وعبرْ
بيد أنَّ القلب أُفقٌ قاتمٌ= لا يرى نورك إلا في الخطر
الجواب:
***
« حَطِّم القيد تحرّرْ يا فتى= كم ستبقي مرهقاً حتى متى »
لن ينال الدين والدنيا معاً= غير من « بالكدح » يجتاز المدى
إنهض الآن من القبر انتفضْ= واخلع الأكفانَ عن كنز الإله
كلُّ أوجاع المدى تمسحها= بحنان دافئٍ كفُّ الصلاه
من تحدّى الموج لا يشكو العناء= فرياحُ النفس يأسٌ وشقاء
أيُّها الباحث عن معجزةٍ= في سبيل الله إعجازُ الشفاء
لا تقلْ بالعجز قد صاغوا البشر= خُطَّ حَظُّ المرء في لوح القدر
دع حديث الجبر كم من خاسرٍ= واصل الحربَ مراراً فانتصر
لحظةً وانظر لأهوالِ الحساب= من نعيمٍ وخلودٍ وعذاب
سوف تَنسى كلَّ أهوال الدنا= هل ترى فكّرتَ يوماً بجواب ؟
هل ترى فكّرتَ يوماً بفقير= طاوياً يبحث عن قرص الشعير
وصغارٍ فتكَ البردُ بهم= أو ترى يشوون من حرِّ الهجير ؟
غائبٌ في الذات لا تصغي إلى= عالمٍ ينهشه وحشُ الفساد
هل ترى فكّرتَ في تغييره= أنتَ مسؤولٌ غداً يوم المعاد
هل ترى جيلاً يضحّي بالصبا= ويرى في موته أحلى سعاده
وشباباً فجّر الدينُ بهم= لهباً فاقتحموا سوح الشهاده
كيف يمضون بشوقٍ للجهاد= طلّقوا الدنيا ليحيوا في المعادْ
فتيةٌ مذ آمنوا بالله حقّاً= زادهم عزماً وهدياً وسدادْ
إنّها الدنيا امتحانٌ وبلاءْ= فازَ من واجه ذنباً بمضاءْ
لذّةُ النفس إذا ما رفضتْ= لذّةً حرّمها ربُّ السماء
من ترى يولد خطواً مؤمنا= ثابتاً يمشي على درب الفلاح
إنّه أنتَ الذي تصنع من= غدكَ الآتي شقاءً أو صلاح
فتعلّم أيُّها القلبُ .. فكم= ضاع عمرٌ وتهاوتْ اُمنيات
فتمسّك بالتقى في عزمة= فهو في الدنيا وفي الاُخرى النجاة
كيف تُغري النفسَ أوحالُ الهوى= كيف تسعى بجنون للفساد
كيف لا تمضي على درب الهدی= وترى عينُكَ أهوالَ المعاد
كيف لا تسمع صوتاً هادراً= يملأ الحشرَ .. « قفوهم » للحساب
يوم لا يُجديك عذرٌ طائشٌ= ورؤى يلهبها عهد الشباب
تفتح النيرانُ فاهاً شرهاً= ناقماً من نزق القلب العنيد
يمضغ الحشدَ جحيمٌ هائلٌ= صارخاً في غضبٍ « هل من مزيد »
إنّه يومٌ عسيرٌ مرعبٌ= ليس فيه مهربٌ للمذنبين
من مشى في العمر أعمى طائشاً= سوف يلقى نقمة العدل المبين
إنّ من لم يضبط النفسَ وقد= عاش محموماً على وحل الحرام
سوف لا يبصر في الاُخرى سوى= هوّةٍ يغمرها هولُ الضرام
إنّه اليومُ الذي تشهد في= ساحه عينٌ وسمعٌ وجلودْ
حيث يغدو كلُّ عضوٍ ناطقاً= ويجيء الناسُ والكون شهود
إنّه الذنبُ الذي يشوى به= حيث يغدو بصرُ المرء حديد
هو في دنياه قد ألقى على= عينه ستر الهوى فهو بليد
إنّ درب الفوز ، خطوٌ مؤمنٌ= ثابتٌ عبر الصراط المستقيم
ليس تُثنيه رؤىً محمومةٌ= وحرابٌ وسرابٌ لا يقيم
ربما تثقل في البدء الخطى= ربما تُهزمُ يوماً في النضال
فانفض اليأس لتبقى مبحراً= رغم عنف الموج تمضي للكمال
إنّ من لا يبصر الكبوةَ في= رحلةٍ تُنهشها نار البلاء
سوف يبقى حجراً في حفرةٍ= ملؤها الوحش ولا يرقى العلاء
لا تغب في خدر الوعي فلن= تلمحَ الأحلامَ في قبر الخدر
إنّما بالكدح والصبر على= كلِّ أوجاع المدى يأتي الظفر
فانهض الآن من اليأس ودعْ= في الطريق الصعبِ أوحال الغياب
إنَّ من يرجو خلاصاً طاهراً= أبداً يمشي على جمر الصعاب