من ردت له الشمس
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
إياكَ و العِشقَ لا تَمرُر بِواديهِ=فطالما ضَلَّ قومٌ في بَواديهِ
و اسلَم بنفسكَ لا تَصعَد بشاهِقَةٍ=فطالما زَلَقَت أقدامُ راقيهِ
و صِن فُؤادَكَ و احذر أن تُعَرِّضَهُ=لنَفحَةٍ من شُواظِ العِشقِ تُصْليهِ
هوَ الجَحيمُ فإن يَمسسكَ لاهِبُها=فلا تُصَدِّق بأنَّ البَحرَ يُطفيهِ
و العِشقُ بَحرٌ عَميقٌ فيهِ قد زَلَقَت=قَومٌ كَثيرٌ و تاهَت عَن مَراسيهِ
إن ظَنَّ راكِبُهُ جَهلاً إذا انكَسَرَت=سَفينَةُ الصَّبرِ إنَّ السَّبحَ يُنجيهِ
فَتِلكَ واهِمَةٌ مِن غَير مَعرِفَةٍ=سَلِ الخَبيرَ الَّذي يَدري بِما فيهِ
فإنَّ لِلعِشقِ أقواماً نُفُوسُهُم=تَقوى على حَملِها أثقالَ ما فيهِ
أراحَهَا العِشقُ مِن قَيدِ الوُجودِ فلا=تَكَادُ تَحذَرُ شَيئاً أو تُرَجِّيهِ
أمَرُّ شَيءٍ يَراهُ الكاذِبونَ يَرَاهُ=الصَّادقونَ شَهيَّ الطَّعمِ حاليهِ
للهِ جِدِّي و صِدقي إذ بَلَغتُ إلى=إحرازِ قاضيهِ لَم أقنَع تَدَانيهِ
و يا لَها نَشوَةً في فِيِّ صَيَّرَني=مَذاقُها مَلِكاً مِن بَينِ أهليهِ
شَرِبتُ مِن قَبلِ غَيري صَفوَهُ كَمَلاً=و لَم يَذُق شُرَكائي غَيرَ باقيهِ
و كُلَّما ازدَدتُ مِن لَذَّاتِهِ طَرَباً=تَنفَكُّ تَنسِبُني الزُّهَّادُ لِلتِّيهِ
فلا عَلَيكَ نَديمي قُم و غَنِّ لنا=بِذِكرِ مَحبوبِنا جَلَّت معانيهِ
و كنِّ عَنهُ بِسَلمَى حينَ تَكُرُهُ=و صاحِبُ البَيتِ أدرى بالَّذي فيهِ
و ما عَلينا إذا غابوا و سَكرَتُنا=في الحُبِّ تُشغِلُ عَن ثَلبٍ و تَنزيهِ
و رَجِّعَ الصوتَ في مَدحِ الأُلى شَرَعوا=شرائِعَ الدِّينِ حتَّى بانَ خافيهِ
مُحَمَّدٍ و عليِّ ثُمَّ آلِهِما=الأطهارِ حُفَّاظِ دينِ اللهِ حاميهِ
مُحَمَّدٌ خارقُ الأفلاكِ سَبعَتَها=حتَّى دَنَى فَتَدَلَّى عِندَ باريهِ
كَقابِ قَوسَينِ أو أدنى و خالِقُهُ=بِمِثلِ لَولاكَ مِن حُبٍّ يُناديهِ
فَيا لَهُ مِن مَقامٍ قَد حَباهُ بِهِ=حَظرٌ على الهِمَمِ العُليا تَمَنِّيهِ
فيهِ مِنَ الفَضلِ ما في الأنبياءِ مَعاً=و لَيسَ فيهِم جَميعاً كُلَّما فيهِ
لَهُ معاجِزُ لا تُحصى لِكَثرَتِها=تِجلُّ عَن عَيبِ تَدليسٍ و تَمويهِ
قَد شَقَّ بَدرَ السَّما نِصفَينِ فافتَرَقا=شَرقاً و غَرباً مُطيعاً أمرَ باريهِ
و بَعدُ إن دَخَلا في جَيبِهِ خَرَجَا=مِن بَطنِ كُمَّيهِ فَليَقصُر مُناويهِ
يُبَعَّدُ الأقربُ الأدنى إلَيهِ كما=يُقَرَّبُ الأبعَدَ الأقصى و يُدنِيهِ
في اللهِ أقصى و أدنى ذا و ذاكَ و لَم=يَتبَع هَوىً بل لِما الرَّحمانُ يُوحيهِ
أمَدَّهُ اللهُ بِالأملاكِ تَنصُرُهُ=و الرُّعبُ يَخذِلُ مِن شَهرٍ أعاديهِ
و شَدَّ ساعِدَهُ حَقاً و أيَّدَهُ=بالمُرتضى حافِظِ الإسلامِ حاميهِ
نَفسِ النَّبيِّ أخيهِ بَعلِ بَضعَتِهِ=أبي بَنيهِ و في الأخطارِ واقيهِ
أسمِع بِهِ مِن أخي صِدقٍ مَتى فَغَرَت=عَظيمَةٌ يُلقيهِ فيها فَيَكفيهِ
القائِدِ الخَيلَ تَجري في أعِنَّتِها=و القائمِ اللَّيلَ بالأورادِ يُحيِيهِ
و لَيلَةٍ رامَتِ الكُفارُ مَقتَلَهُ=فَبَاتَ في فُرشِهِ بالنَّفسِ يَفديهِ
و يَومَ بَدرٍ و أحدٍ و السَّلاسِلُ و=الأحزابُ يَشرَحُ بَعضاً مِن مَساعيهِ
مَولايَ وَصفُكَ أعياني و حَيَّرَني=فَلَستُ أنفَكُّ بَينَ الغَيِّ و التِّيهِ
و شَأنُ مَجدِكَ يأبى أن يُقاسَ بِهِ=مِنَ البَرِيَّةِ مَخلوقٌ يُضاهيهِ
فالحَقُّ أنَّكَ عَبدُ اللهِ حُجَّتُهُ=لِسانُهُ يَدُهُ العُليا و داعيهِ
قَد سَخَّرَ اللهُ كُلَّ الكائِناتِ لَهُ=ما شاءَ يَنقُضُهُ أو شاءَ يُمضيهِ
في حُكمِهِ أمرُ جاريها و ثابِتِها=ما شاءَ يُثبِتُهُ أو شاءَ يُجريهِ
رُدَّت لَهُ الشَّمسُ طَوعاً بَعدَ ما غَرُبَت=جَهراً فَصَلَّى أداءً فَرضَ باريهِ
و كَلَّمَتهُ بِأمرِ اللهِ قائِلَةً=أنتَ الأميرُ وَليُّ الله داعيهِ
أرجُوهُ لي جُنَّةً في الحَشرِ واقيَةً=و هو الكَريمُ الَّذي ما خابَ راجيهِ
فَلَيسَ أحمَدُ بِالمُخفي فضائِلَهُ=و لَو تَمَزَّقَ مِن غَيظٍ مُعاديهِ
صَلَّى الإلهُ على الهادي و عِترَتِهِ=ما قامَ للهِ عُبَّادٌ تُناجيهِ