طود الهوى شامخ
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
طَودُ الهوَى شامِخٌ صعبٌ مراقيهِ=فاربِع بِظِلعِكَ ما كُلُّ براقيهِ
فرُبَّ شهمٍ قويِّ العَزمِ حَاوَلَهُ=هوى بهِ العجزُ من أدنى مراقِيهِ
و صاعِدٍ صُدَّ عنهُ بعدَ ما انصَدَعتْ=أحشاؤُهُ و تَرَاقَتْ في مراقِيهِ
و كم سليمٍ صلالٍ في مفاوِزِهِ=مُبَلبل البالِ لا يَرقيهِ راقِيهِ
إن ذُقتَهُ ذُقتَ ما لا أنتَ طايقُهُ=و إن جَهِدتَ و لا ما أنتَ سَالِيهِ
فانفَس بنَفسِكَ لا تَرغَب إليهِ و لا=تنفَس عليهِ و أعطِ القَوسَ بَارِيهِ
من والِهٍ مُستَميتٍ لا يُفَكِّرُ في=ما قد أتَاهُ ولا ما سَوفَ يأتيهِ
يَبيتُ و الشُّوقُ يَطويهِ و ينشُرُهُ=و خالصُ الحُبِّ يُفنيهِ و يُحيِيهِ
جَازَ المَفَاوِزَ حَتَّى حازَ مَطلَبَهُ=و فازَ بالكونِ في أعلى مَرَاسِيهِ
راضَ الطَّبيعَةَ حتَّى ذلَّ جامِحُهَا=و سَخَّرَ الوَهمَ حتَّى طاعَ عَاصيهِ
إذا سَرَى الحُبُّ في قلبِ المُحِبِّ سَرَتْ=هُمُومُهُ و انجَلَت عنهُ غواشِيهِ
فكَانَ ظاهِرُهُ عِنوانُ بَاطِنِهِ=و صَارَ بادِيهِ مُجلي سِرَّ خافيهِ
و استغرَقَت في جَمَالِ الحُبِّ فِكرَتُهُ=فلا يُلاحِظُ شيئاً غيرُهُ فيهِ
بل غيرُهُ مُتلاشٍ في أشِعَّتِهِ=قد غابَ عن ذِهنِهِ حتَّى تلاشِيهِ
أما وَ رَشفُ سُلافٍ مِن مَحَبَّتِهِ=و لَذَّةٍ أحتَسِيها في تَجَلِّيهِ
ما ذِقتُ أعذّبَ مِن ذاكَ السُّلافِ سِوى=نَجواهُ في سِرِّ قلبي أنا أُناجِيهِ
أو مَدحَ أشرَفِ خلقِ اللهِ قاطِبَةً=قُطبُ الوُجُودِ الَّذي جَلَّت مَعَانيهِ
خَتمُ النبِيِّينَ فخرُ العالَمينَ شفيعُ=المُذنبينَ إلى الرَّحمانِ بارِيهِ
اللهُ خاطَبهُ لولاكَ فارتفعت=عليهِ قُبةُ تبجيلٍ و تنويهِ
و مَن يكُن عِلةُ الإيجادِ فهوَ بِهِ=مقدمٌ و جميعُ الخلقِ تاليهِ
و زادهُ ليلةَ المِعراجِ حيثُ دنا=فيها إليهِ عُلُواً من تدانيهِ
و ليلةَ انشقَّ فيها البدرُ معجزةً=كالبدرِ إذ تمَّ في أعلى محاريهِ
و أنبعَ الماءَ من كفٍّ لهُ فكفى=جيشاً و ما كان ماءُ النهرُ يكفيهِ
و أشبعَ الخلقَ مِن شاةٍ و واحِدُهُم=ما كان مأكلُها في الوقتِ يُعيِيهِ
و رَدَّ عوسجةً في شكلِ شاهقةٍ=في الدوحِ إذ مَجَّ فيها الماءَ مِن فيهِ
و أثمرت ثمراً حلواً فيأكُلُهُ=ذو السُّقمِ يشفيهِ و العطشانِ يرويهِ
و رَدَّ عينَ امرئٍ من بعدِ ما فُقِئَت=صحيحةً ثم لم ترمَدْ فتؤذيهِ
لهُ معاجزُ لا تُحصى و منزِلَةٌ=من ربِّهِ ليس فيها مَن يُضاهيهِ
إلا الوصيُّ أمير المؤمنينَ فقد=ضاهاهُ في كلِّ شيءٍ من معاليهِ
إلا النبوةِ إذ كانَ الخِتامَ لها=أمَّا سِواها ففي كُلٍّ يُساويهِ
و جعلُهُ في حكيم الذِّكرِ مُنزَلِهِ=نفسُ النبي دليلٌ قاطعٌ فيهِ
ما زالَ في عالَمِ الأنوارِ و النُّخَبِ=الأطهارِ في آي تقديسٍ و تنزيهِ
حتَّى تخيَّرَ بيتَ اللهِ مولِدَهُ=فألبَسَ البيتَ فخراً كادَ يُطغيهِ
لم تدرِ مَن وضَعَتهُ فيهِ مَن وَضَعَتْ=و صاحِبُ البيتِ أدرى بالَّذي فِيهِ
هُوَ الذي كَسَّرَ الأصنامَ يرفَعَهَ=كتِفَا النبي فمن يرقى مَرَقِيهِ
هُوَ الذي باتَ يُفدِيهِ بِمُهجَتِهِ=في ليلَةِ الغارِ إذ صالَت أعاديهِ
سَلِ المواقِفَ طُرّاً عن مُسَاجِلِهِ=و عَن مُضارِعِهِ في فَتكِ مَاضيهِ
مَن دَوَّخَ الكُفرَ لمَّا ثارَ ثائِرُهُ=و أيَّدَ الدِّينَ لمَّا قامَ داعِيهِ
لولا الحُسامُ الَّذي أمضى مضارِبَهُ=لِنَصرِهِ لَنَعَى الإسلامَ ناعيهِ
لولا العُلُومُ التي فاضَت جواهِرُهَا=مِن فيهِ لم تبلُغِ التَّوحيدَ باغيهِ
ألا ترى أنَّ غَيرَ المُقتَدينَ بِهِ=تاهُوا بظُلمَةِ تعطيلٍ و تشبيهِ
هوَ المنارُ على نهجِ الرَّشادِ وَ مَنْ=ضلَّ المنارَ فقد أفضى إلى الّتيْهِ
هُوَ الذي ساحَةُ الإمكانِ في يَدِهِ=ما شاءَ يَنشُرُهُ أو شاءَ يَطويهِ
في بابلٍ ردّ عينَ الشَّمسِ مُشرقَةً=و اللَّيلُ قد مَرَّ جُنحٌ مِن دياجيهِ
و في المدينةِ أُخرى ثُمَّ كَلَّمَها=و كّلَّمَتهُ بتسليمٍ تُحَيِّيهِ
و أنقَضَ الماءَ مِن نَهر الفُراتِ وَ قَد=طَغَى و أسكَنَهُ و انقاد طاغيهِ
و أنطَقَ العُجمَ مِن وَحشٍ وَ مِن سَمَكٍ=و عَظمِ ميتٍ بإذن اللهَ يُحييهِ
و صَيَّرَ القوسَ ثُعباناً يُخيفُ بِهِ=بعضَ الأعادي فَكَادَ الخوفُ يُرديهِ
لولا رأى ذَلِكَ الثُّعبانَ في يَدِهِ=قوساً لأصبَحَ مَيتاً مِن تَرَائِيهِ
و صَيَّرَ الخارِجِيَّ المُستَخِفَّ بِهِ=كَلبَاً فلاذَ بِهِ تَهْمِيْ أماقِيهِ
فَرَدَّهُ بعدُ إنسَاناً كَحَالَتِهِ=الأُولى و مَهمَا يَشأ فاللهُ يُنشِيهِ
هذا و أمثالُهُ عذْرُ الغُلاةِ و إن=ضَلُّوا السَّبيلَ فَمَاذَا عُذرُ قالِيهِ
يا شافِعِيْ الخَلقَ عِندَ اللهِ جئتُكم=مُستشفِعاً فاشفعوا في ذَنبِ عاصيهِ
عبدٌ مُوَالٍ مُعَادٍ فيكُمُ وَ لَكُم=و العبدُ ليسَ لهُ إلا مَوَالِيهِ
يا قاسِمَ النارِ يومَ الحَشرِ خُذ بيَدي=فيمَن تُخَلِّصُهُ مِنهَا و تُنجِيهِ
وَجَدتُ حُبَّكَ في قلبي يُبَرِّدُهُ=فَلَستُ أَحذَرُ أنَّ النَّارَ تُصْلِيهِ
يَرجُو بِحُسنِ اعتِقادٍ فيكُمُ حَسَنٌ=فوزاً بِمَقعَدِ صِدقٍ عِندَ باريهِ
أسنَى الصَّلاةِ و أزكاها و أطهَرَهَا=عليكُمُ ما رَجَا الرَّحمَانَ راجِيهِ