محاسن ممدوح
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
هَيئوا لي من رَحبِ صُدوركمُ القَبولْ=جَاوزَ اللهُ بِكَ الدَهرُ أسىٍ
لا يَعجلْ يَهتزُ سَعدُ الشُرفاء=ثُمَ أرسى في حشا اللوعِ هوىْ
جَعلَ الحُزنِ مع الحُبِ سواء=عَظمَ اللهَ مَصابِ كي أرىْ
عِظمَ الصَدق ِ لخيرِ الأنبياء=عِظمَ الحُبِ لصِدقِ الأنبياء
أيُها العابِرُ أوقفتَ زَمانٍ أنتَ فيهِ=و رفعتَ الانقضاء
أم هو الدَهرُ جرى من خَلفهِ=غَيرُ أن السِبطَ أرجعهُ وراء
و إذا بالصونِ رَكبٌ ضائعٌ=أُمنياتٍ ضائعاتٍ ناطِقاتٍ بالدِماء
فإذا الحقُ حُرفٌ مِلكهُ=أَلفُ الجَد و حُبُ السِبطِ ياء
أنا أهواك و لو أني أُضاد=سَربلَ الجَسمِ مَجيءٍ من ولاء
إنَما الكَعبةُ عندي قِبلةٌ=في صلاةِ و جِهادي كربلاء
هيَ أَرضٌ لا أراها بُقعةٍ=من زُجاجِ الأرضِ بل نَجمُ السماء
جَنةُ الخُلدِ أَخلْ أقطافها=بِحقولٍ لها بالطفِ الرِواء
تستقي من نَحرِ طه إذ روت=من دَمِ المَظلومِ في أَرضِ البلاء
لن تَنل منهم إن كُنتَ لهم=ناكِرَ الفَضلِ بهِ الخَلقَ غُثاء
إنما الفَخرُ لآلِ المُصطفى=فأفتخر إن كُنت مِنهم أو فناء
أيُها العَابدُ مَجدتَ الجَبين=دونَ حُبِ الآلِ قد جئتَ خَباء
كُن على الإسلام أو دينُ اليَهود=أو مَجوسيٍ بالبُغضِ سِواء
إنما الأَجرُ لِمن حَبَ الآُلى=حَصرَ اللهَ على الحُبِ الجَزاء
إن تراني يُركع القَلبَ لهم=و زد في الانحناء
أو تراني أرتوي حِزنٍ بهم=قُم و عاجلني بِحزنٍ و التواع
أو تراني ضاحِكٍ من غَفلةٍ=فأرفعَ الصوتَ مَدحٍ أو رِثاء
ففي كِلى الحالينِ عِندي كَمدٌ=و كِلى الحالين يُسجي للبُكاء
مَدحُهم يُجري دموعي خَجلاً=من نَسيمِ الخُلق ِ أو صَلبِ الفِداء
و رِثاهم لا تسألني وَقَعهُ=و سَلِ الشَمسَ و ذَراةُ الفَضاء
كُشِفت و الخَلقُ هَبت يَومهم=و دماءٌ هاطِلٌ غَيثُ السماء
و بكى الوحيُ و صَخرٌ ناصِعٌ=وَجدهُ أحمرَ فيهِ النِعاء
أيُها المَجد عَظيمٍ في الذُرى=سددَ الظِلِ بهيُ الخُيلاء
أنا أدعُوكَ لوادي نينوى=تَرسمُ النَعلَ لجونِ الفُقراء
إن هذا الحقُ و الحقُ أقول=ليسَ هذا من خيالِ الشُعراء
إنَ كَونٍ قد رقى فضلٍ على=شُهداء بَدرٍ إلى ذا و الصِفاء
هل تراني قُلتها من خولتي=أم ترى الخَولَ لخيرِ الأوصياء
يَومَ أن مَرَ عليها كربلاء=قالَ في هذه ستُرثى النُجباء
عِصبةٌ لا فَضلَ يأتي بَعدها=فيضاهيها و لا كانَ وراء
رَحلهم قد جَدَ بالسيرِ لها=ليسَ بينَ الرَحمِ و الخُلدِ غِطاء
فإذا أعنقَ بُشرى حُورِها=و بُكائُها يومَ تَعجيلِ اللقاء
و صِفاتُ الحور لا دَمعَ لها=فنذرفت عِندَ عِناق الشُهداء
تَذرِفُ الدَمعَ و ما الدَمعُ أسىٍ=إنما تِلكَ دموعُ السُعداء
قالت الأولى لجيرانٍ لها=من كمثلِ و دِماء بدرِ الشِراع
فأجابُها إلى الأعلى أُنظري=إنَ أعلاكِ ضحايا كربلاء
أتحدى الدَهرَ و الظَرفُ عفيف=حاكِمٌ فيهِ بغيُ العُملاء
إن يُزيلَ الذِكرَ من دمي الرضيع=أو يُباري طِفلكم في الكِبرياء
أتُرها فَضلكم بَحرٌ و لا=يُنزفُ البَحرُ و في لفظُكِ لا
سامحيني يا ثراء الأرضِ فأنني=لم أجد فيكِ مديحاً للوفاء
مَرةً أجعلُ فيكِ شَمسَ الضُحى=حَيثُ مِنكِ للهُدى شعَ الضياء
و بأخرى البصرَ في شَرْخِ الضياء=لقديمِ الحَق ِ فيهِ الاهتداء
و إذا بالشَمسِ و البَدرِ معاً=قد أجابوني بقولِ الفُصحاء
إن نُوراً شَعَ في أرجائنا=و مماتٌ لطَريحٍ في العراء
يا رَكبُ الضاد ذا نفستنا=أيننا من نورِ وادي كربلاء
يا بَعيدِ الطرفِ رامٍ في الخيال=عَبقرياً جَازَ حتى الإفتراء
أَخرسٌ شاعِركم عِندَ الطفوف=أَسعِفوهُ بلسانِ التُرباء
و أجابَ النُطقُ لي في غَيرها=و بِها نحنُ على الخُرسِ سواء
إن من أسمائُكِ العَقُ و في=مُحتواهُ طَلسَمٌ للعُقلاء
أَنجبَ المَسيرُ دُراً واقِفاً=لِذُرا القُدسِ و ذُرا البهاء
و أتاها مُخبِراً حاجَتهُ=فبداء فيها عَفيرَ البُلغاء
إن قَبرٍ حوى جِسمَ الهُدى=في ثَراكِ فهو للحَق ِ وِعاء
أيُ أرضٍ فَضُلت ساحاتُها=مَكةَ العَسماء أم أرضُ الأنبياء
أيُ بَيتٍ من بيوتِ اللهِ لَمْ=يدنوا مِنها رُتبةً حتى قِباء
كُلُ هذا و مَزيدٌ عِندها=لصفيِّ الفِكرِ رَبِ الفُقهاء
فالنواويسُ لها حاجَةٌ=تتفرها عقولُ العُلماء
بَطلُ العِصبةِ أبنُ المُصطفى=خَامِسُ الأشباحِ خَيرُ الشُهداء
فلنا جَارٌ لا مَزيدٌ فَوقهُ=مُنتهى الرحمةِ لهُ الرحمنُ شاء
جَدهُ لولاهُ لم تُبنى الورى=فبلينا عِلةٌ في الإقتداء
و أبو الفَضلُ عُبريٌ و قد=جاءَ فَضلُ الناسِ مَفتوحَ الغِشاء
ثُمَ أُمٌ إن أنا قُلتُ بِها=قُلتُ مَعلُماً بِعُرفِ السُخفاء
من مِنَ الإسلامِ لا يدري بِها=أنها خَيرُ حَصادٍ بالنساء
فَأُعرفهُ بشِعري فَضلها=و أُسمى شاعِراً للبُلهاء
هَكذا أحتَرفُ اللفظَ و إن=لاحني قائل بحقدٍ و غباء
حَسنٌ ما قُلت حتى صابهُ=حُسنَ مَمدوح ِ و أبطاهُ افتراء
لِمَقامِ السِبطِ تبقى الكَلِمات=ألفُ كلا ما خلى عنِ السماء
أطحنوا قلبي و اطحنواُ هامتي=و ارضخوا عَظمي ففي الأعضاءِ داء
أسمهُ هَديُ حُسينٍ من هجم=و لهُ قَتلِ على الدربِ شِفاء
أحقنوا مَرضاكم مَصلَ الإباء=من حُسينٍ قَبل أن يُفشى الوباء
و المُعافى سَبِلُهُ بالدِماء=و أرفعوهُ عَلمٍ للإقتداء
ثُمَ قولُ إن نَسيتم أُمهُ=بَاركَ اللهُ بأمِ الشُهداء
و أخلعوا فَوقَ أَبيهِ بُردةً=من رَسولِ اللهِ للفَخرِ رِداء
ثُمَ زُفوهُ للقَبرِ كما=زَفَ زينُ الخَلق ِ قَتلى كَربلاء
و إذا الظَالمُ بالجهَلِ آتى=يائساً يسألكم من هؤلاء
فأجيبوهُ ضحايا غَدرِكم=بلسانٍ فَارسيِ الاجتراء
يُطلِقُ الحَق ِ مع الروحِ إذا=مَسَ دينُ اللهِ جَورٌ و اعتداء
كُلُ شَيءٍ في حياتي حُبهم=و لهم في الخَلق ِ فَضلُ الاهتداء
عَلمُ العِصبةِ في كَفِ الذين=حَملَ التأريخ في جُودِ السِقاء
ملئُ ذلكَ الجودِ تَقوى و إباء=مع إخلاصٍ و صِدق ٍ و وفاء
و أراجيزٍ لِعُشاق ِ الفِداء=مع رَكبٍ فيهِ بالنفسِ سَخاء
في كِتابٍ حَملَ العَباسُ داه=تَحتَ أسمٍ بَطلٍ يَحمِلُ ماء
قارعَ الناسُ باليمنى و قد=ضَمتِ اليُسرى مَقاماً باللواء
قُطعةٌ قَومها المَجدُ و في=عُضوٍ مِنبرُ للأنبياء
إنَ ذا أصلُ الفتى إذ لم يَكنْ=قد أتى الطَبعَ على غَيرِ احتذاء
حَيدرٌ زَرعُ العِزَ و من=زَرعَ العِزَ أتى بالأجتناء
و وفيُ الخُلق ِ لَيثٌ بالوغى=مُفردُ التَقديرِ عِندَ الإرتِقاء
و على هذا أقتداءً أبنهُ=فأبو الفَضلِ على الأفضالِ جاء
انتهى وَصفي لِحمالِ اللواء=فإلى الآخرِ مِشكاةُ الضياء
خَلقَ اللهُ جَمالاً و بِهِ=خَلقَ اللهُ إلى الحُسنِ أنتهاء
إنَ من يُشبهُ حُسنَ المُصطفى=عُدةِ الشمس مع الفَحمِ سِواء
إن من مَثلَ صوتَ المُصطفى=ضِدهُ التَغريدُ نَهقٌ و عِواء
يُشبهُ الكَرار في كَرهِ و قد=عَلمَ الأبطالَ أطباعَ النِساء
دَقهَا النَزفُ إذا قارعها=و كِلها للسُريَّ سِباء
و كذا طابعهُ عَند اللقاء=فإذا الأوداجُ ثارة بالبُكاء
كُلما بالغَ في سُخيانهِ=غُزِرَ الدَمعُ و غيضَ الأنتخاء
و لقد شابهَ جودَ المُجتبى=فبِكَفيهِ إلى الخَلق ِ رِخاء
يُشبعُ الجائعَ و العافي إذا=جاءهُ عادَ أميراً بالعطاء
قَدرٌ في كَفِ أبني المُرتضى=يُلبسُ المُعدمَ تاجَ الأُمراء
حَركا نحو هذا أم مِثلهِ=يا خليليَ و جَفني في جلاء
كُلما أنسُ آلَ المُصطفى=مِدحَةٍ صارت بمعناهم هِجاء
فَضلٍ لَبسوا لفضلِ المُرتبِ=فإذا ألبستهُ صارَ هِجاء
يا غَزالٍ سابحٍ في نينوى=خَلفهُ يُطمسُ فَنُ الأُدباء
خَففِ الجَريَ على ذروا العُلا=عَلهُ يُدرِكَ سَهمُ الشُعراء
أو تُحاكيكَ معاناً قالها=لُقمان رَبُ الحُكماء
أنتَ من أنتَ أتدري=صارَ لي بينَ كَعبيكَ رجاء
عُد علينا فاضِلُ العِزَ الذي=قد أحلةَ العُرسَ مِنهُ للعزاء
قاسِمٌ سُميت إذ أقسى بها=خُلق ِ الرُسلِ لها فيكَ إلتقاء
لم يكن بالغَ الحُلمِ و لقد=فَرقَ السيفَ رؤوسَ الأقوياء
إن يَكن في الناس من كَذبني=فبأرضِ الطَفِ صِدقُ الإدعاء
فَبرهُ يحوي ما أذكرهُ=شَرطَ أن تُبصِرُ عَينٍ و ذَكاء
قَبلَ أن تَخطفُ أنوارَ الثرى=طَرفُكَ الأنفس يجتازُ الكِباء
لضريحٍ ضَمَ أنصارُ الهُدى=عَرفَ الجائرُ حَقاً أبرياء
شَيبةُ العِزِ بهَ بارِقةٌ=تَجعلُ القاسمَ بالظُلمِ ضياء
أشرقت في ليلِ يومٍ قَدرهُ=ألفُ عَامٍ و يَزيدونكَ وقار
وصلتنا جُفنةٌ مَخضوبةٌ=بدمها تتهاوى بالإباء
فقصدنها و باركنا لها=جَنةَ الخُلدِ و صَحبَ الأولياء
و تَعاقدنا هِتافاً واحِداً=صَرخةً واحِدةً كلا و لا للعُملاء
أي حُسينَ الحُبِ ما حُسنِ الهوى=بسواء حُبِكَ إلا كلا للعِداء
أي أبا الأحرار خُذ ناصيتي=كَيفَ ما يُرضيكَ عَيشٌ أو فَناء
و أقصد بالربح حيثُ ما تشاء=شَدد الكُفرُ بأصنافِ البلاء
فإذا حَلَ رِضاكم بالأذى=فرِضنا سيدي ذاكَ الأباء
كُلُ دَعوايَ بكم صادِقةٌ=ضَمنَ الصِدقَ بِها قَولُ الكِساء
حُجةُ الخَصمِ بهِ خاويةٌ=و هو قد أُتي عِلمٍ م دهاء
فاعترافٌ من عدوٍ رَغِماً=يَشبهُ التَسليم من أهلِ الصَفاء
كُلُ من خالفكم غَرَ لكم=خَيرُ أهلِ الأرضِ أنتم و السَماء
غَيرُ أن الودِ في القلبِ و لا=يُفلحُ القلبِ و في العَقلِ جَفاء
حَسداً لما صَدمتم قومهم=و بهِ ينقلِبُ الحقُ هُراء
و يَقينٌ بينَ آياتٍ بِكم=صارَ فيهِ ألفُ شَكٍ و مِراء
فإذا عَضو عَنِ العاشق مَرء=زَادَ ذلِكَ العشقُ روحٌ و بُراء
و إذا قالوا كَفرتم بالهوى=قد عَرفنا إن في الكُفرِ إقتداء
قد كَفرنا بِعداكم سيدي=و على هذا قَضينا أشقياء
نَشبهُ الغتمان مَنقوصاً بهِ=دونَ أن يخشاهُ ذَمُ الحُمقاء
فأتاهُ مُكملٍ أوصافهُ=ذَلكَ الدَمُ فَتمَ الإرتقاء
فتحياتُ و التحايا لكم=من صَانع الكونِ المداء
و سَلامٌ من عظامِ و دَمِ=ما اكتفى النَجمُ بإشراق ِ بُكاء
يا حُسينُ الذَنبُ مِنا قد نمى=و آتينا لكمُ بالانتماء
قد جعلنا بارداً من حُبكم=لجحيمِ اللهِ بالحشرِ انطفاء
حَسُنَ السيئُ مُذ حَبكمُ=و الذي أحسنَ بالبُغضِ أساء