النواويس
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
بالْنَواويس حلقي يا حمامُ=و أبذُلي النَوحَ فَسرورُ حَرامُ
فكثيرٌ مِنَ البُكاءِ قَليلٌ=و قَليلٌ مِنَ السلوِ سئامُ
عَجباً تَستبي القُلوبَ حِصانٌ=و مِنَ الطَفِ يستبيحُ غرامُ
ما لذلِكَ الثراء تَملكَ قلبي=فأنا فيهِ عاشقٌ مُستهامُ
ما لهذا الضريح أوجدَ نفسي=و رماني من جنبتِيهِ هيامُ
أبداً أبعثُ العذولَ و أُدني=كُلوا من في الحُسينِ بالحُزنِ قامُ
و لذا تَيمَ الهواء قَلبَ صَبٍ=أطبقَ السمعَ لا يردهُ ملامُ
على هواكَ يبنَ طه كأني=ما لقلبي لسواكَ مقامُ
و لمعانكَ وسِطَ فكري زِحامٌ=و إلى الحُبِ في الفؤادِ ازدحامُ
أنت ظَرفُ الوجودي=أم هو ظَرفٌ قد تخبطتُ فالمعاني عِظامُ
و إذا كانَ بالمغارِ حُسينٍ=فلديها عَنِ البلوغِ اعتصامُ
و البَرى يَسجُرُ اللسان فؤادي=أوقِف الشعرَ قُل عليهِ السلامُ
أنتَ لا تستطيع صِدقٍ بِحرفٍ=فَدعِ القولا ما عليكَ إلتزامُ
و أترُكَ النظمَ إن قُدسَ حُسينٍ=قد تعالى فلم يُصبهُ نِظامُ
و كَلامٌ مِنَ العِبادِ مُريبٌ=بالذي فيهِ للهِ سَلامُ
بَعدَ أن طَهرَ الإلهَ حُسينٍ=فلهُ القولَ و أخرسي يا أًنامُ
ما عسى أن تقول يا صاحبي المَدح ِ=و مَدحُ السَماءِ فيهِ خِتامُ
قُلتُ إني أُقرُ عَجزِ و لكن=حَركَ الشِعرَ بالفؤادِ ضُرامُ
لفتىٍ مالهُ على الدهرِ إلا عِروةُ الخُلدِ=لم يُصبها انفصامُ
إن تكُن غايتي مديحَ عَظيمٍ=فَعظيمٌ مِنَ المَديحِ يُرامُ
و مَديحُ الجميلِ إما جميلٌ=أو فخليهِ فتجلي حَرامُ
قُلتُ لا أستطيعُ تَركَ حُسينٍ=و بقلبي لوجنتيهِ غرامُ
إن أكُن مُذنباً فعندي يقينٌ=إن ذنبي لدى الشَفيق ِ حُطامُ
يستبي سيدي الجليلَ و يعفو=إن يكن في قصيدتي ما يُثابُ
آخرِ الصدق ِ أن تَكونَ وفيٍ=للذي فيهِ للوفاءِ قِيامُ
آخرُ العزِ أن تكونَ أبياً=و حُسينٍ إلى إباكَ إمامُ
ذِروةُ المَجدِ حِفنةٍ من ثراهُ=فهي للمجدِ لو عَلِمتَ سَلامُ
أثبتُ الجُندِ من يموتُ شَهيداً=قاتلاهُ بواترٌ و أؤمُ
أَشجعُ الخَلِق ِ بالوطيدِ صَريعاً=هَابَ مِنهُ المُعلمُ المِقدامُ
أهيبُ الخلق ِ من لهُ نَظراتٌ=هي لهُ في الحربِ رُمحهُ و الحُسامُ
أشرفُ الخلق ِ من إليهِ نَجارٌ=إن شكا الحربَ ظللتهُ الغَمامُ
قائماً قاعداً قَويماً مُسجى=أينَ ما حَلَ فالملائكُ زِحامُ
أي حُسينٌ و ذاك تصغيرُ فرقٍ=بينَ حُسنيهِ و الفِصالُ سِائمُ
ما مّدحتُ الحُسينَ إلا كأني=قد مَدحتُ السِفيَ عبدٌ لِزامُ
قد تَمنطقتُ و الرَويُ شعورٌ=و تفلسفةُ فالصِفاتُ جِثامُ
لستُ أدري أأحتويكَ بعقلي=أم بقلبي فبينهنَ قِطامُ
قد تَقولُ العُقولُ أنكَ دِينٌ=للهُدى و الظلال فيهِ احتكامُ
و تُضيفُ العُقولُ أنكَ عَبدٌ=نِهمُ الضربِ إن ترجلَ هامُ
و هي زَبرٌ على زَبرهِ زَبرٌ=و هُمامٌ على الهُمامِ هُمامُ
هكذا هكذا فإلا لا=بينَ من عُظمُ تروقُ العُظامُ
لا كمن أظهرَ الطِعانَ لجبتٍ=فَمنَ القردِ قد تَفرُ النَعامُ
قد أصابتهُ بالجروحِ جُروحٌ=و رَمتهُ على السِهام سِهامُ
و هو من فَكَ للمماتِ رسولٌ=عَدِلُ الخَطْرِ و المُجيبُ البهامُ
أظلمَ الأُفقَ بالعجاجِ و لكن=زالَ من غُرةِ الحُسينِ الظلامُ
ما تعدى بباذلٍ عن فؤادٍ=ما نبا السَيفُ فاستهلَ الضُرامُ
أ إلى السيفِ بالرؤوسِ عُهودٌ=أ إلى الرُمحِ بالقلوبِ زِمامُ
قَدرُ الدهرِ بالطفوفِ ثَقيلٌ=كيفَ ما شاءَ تضحكُ الأيامُ
ما تهاوى عَنِ الجوادِ فريداً=بل عليهِ تهاوت الأجرامُ
و لِجامُ السَماءِ لا تَقطرُ الدمَ=و قد فارقَ السماءُ الَّلجامُ
و رمتَ حُكها عليهِ اكتئاباً=فلقد كانَ للسماءِ ابتسامُ
هكذا مَنطقُ العقولُ ثَوابٌ=و لِنطق ِ القلوبِ فيهِ اتهامُ
نَفَضَ الفِكرَ بالحُسينِ رؤاهُ=و رؤوا القلبِ فتنةٌ و سِقامُ
أم تخيلتُ صورةٍ بِرِضاهُ=فيُنبني مِنَ الحقيقةِ جامُ
و في الأُفق ِ للهدايةِ شمسٌ=و بالأرضِ للندى قِنقارُ
هَزَمَ الظالمينَ و هو قَتيلٌ=ثَكلَ الثائرينَ و هو رِمامُ
كُلما صَبَ قطرةً من دِماهُ=في روبى الأرضِ قامَ فيها مقامُ
يتحدى إلى الزمانِ عَصاهُ=ما لمعناهُ بالزمانِ انصرامُ
غَلبَ الدهرَ بالحُسامِ خُلوداً=فأتهُ الخلودُ عبداً يُسامُ
و اصطرعن البِقاعَ لكي تحتويهِ=صارعَ الثِقلَ فاحتواهُ شِامُ
و على نينوى القِتالُ ارتجالٌ=و رِهانٌ إلى الضريحِ استلامُ
فئةٌ تَنظرُ الحُسينَ تُراثاً=قاتلت من كانَ الحُسينُ لها إمامُ
و الأمانيُ بالنُفوسِ كثيرٌ=يترقبنَ ما يقولُ الصِدامُ
فلكِ الذُلَ يا جُنودَ أُميّ=و لكَ النصرُ أيُها المِقدامُ
و قَديمٌ إلى الظلالِ هُجومٌ=و قَديمٍ إلى الصباحِ أقتحامُ
و إذا عاورَ الظلامُ مَيشناً=يستترهُ و تفضحُ الأيامُ
كم و كم بالخفاءِ بُلِّهَ قومٌ=كَشفَ النورُ أنهم أصنامُ
و استهنا بعصبةٍ في الليالي=كَشفَ الصُبحُ أنها أعلامُ
فستدرينَ أُمتي عن قريبٍ=من لهُ الخِزيَُ من لهُ الاحتشامُ
و ستدرينَ أن ذُلَكي يدنوا ما نئا=عن قراركِ الإسلامُ
كُلُ يومٍ يموتُ فيكِ حُسينٌ=و لأطفالهِ النِصالُ فِطامُ
كُلُ يومٍ تَضجُ لهُ نِساءٌ=كُلما حُرِقت عليها الخِيامُ
هل تَرُمينَ أن يَرُدَ حُسينٍ عن قتالاً=بهِ يُقامُ السلامُ
و تُهيبينهُ بكلبٍ كشمرٍ=أبقعٍ أبرصٍ راماهُ الجُذامُ
لتقوديهِ بالحياةِ ذليلاً=أنزلي الشمسَ كي يُنالُ المُرامُ
عَلمُ الفضلِ في يديكَ أبا الفضلِ=و ذاكَ السِقاءُ و الصِمصامُ
من لهُ بُلَّقةٍ بملقى عنيداً=فَوقَ طَودٍ قِوامهُ الإقدامُ
أن من جيشهُ تأسى بهذا=عَبسٌ بينهم يُقامُ اللِطامُ
سلِموهُ القرارَ أو يغتصبهُ=إنما النصرَ للتقي وِسامُ
عّبرَ عينكَ نَظرةُ انتصاري=فلقد شقَ ناظريَ السِئامُ
و لقد شُمتَ بيدك رجائي=بَعدَ أن أتلف الرجاءَ اللئامُ
أنت قَلبُ الهُدى و بابُ التفاني=لمواليكم عليهِ ازدحامُ
يتبارونَ في ورودِ المنايا=رغمَ أن الشرافَ موتٌ ذُئامُ
أنتَ علمتهم فنونَ التحدي=فلكَ البُشرُ ما تَنسكَ هامُ
أُمةٌ تُلقِمُ الحصى لِعادها=أبدُ الدهرِ بالحياةِ كِرامُ
كُلما أعدموا لها علوياً=بعثَة جيلاً ذلكَ الإعدامُ
لم تزل تَسلُكُ الصِراطَ بقبراً=ثَبتَ مِنهُ باللظى الأقدامُ
بينها سَيدٌ بحفنةِ شيبٍ=رَجفت من بريقها الظُلًّامُ
و أَميرٌ أميرهُ مَنهجُ اللهِ=و حُكمهُ الآلَ و الأحكامُ
قد نمى الشوقَ في قلوبٍ أياما=للقاهُ و حَنةَ الأيتامُ
كُل من ضاق بالظلالِ ذَرعاً=في هواهُ مُتيمٌ مُستهامُ
أملَ المُجهدينَ من أثرِ الظُلمِ=فِداكَ الأرواحُ و الأجسامُ
كُلُ عصرٍ يطوي الفضائلَ فرضٌ=و بذا العصري قد طووها الإمامُ
لإبى السبطِ و التَقاربُ في الطبعِ قديماً=تدسهُ الأرحامُ
هو أبنُ النبي و الفرعُ مهما بَعُدَ الأصل=لا يَزولُ الوئامُ
وارثٍ من جِدودهِ طبعَ عِزاً=فمنَ الشركِ عِندهُ أستكلامُ
حَفِظَ اللهُ في بقائهُ بقانا=و لأنفِ العِداء نَفتُ الضرغامُ