الحُسَينُ في رِثَاءٍ مُؤَجَّلٍ
سنة 2017
شفقًا ومُهرًا عادَ مِنْ جرحٍ معا=لم ينوِ إيقاظَ الطُّفُوفِ ليَهجَعا
لم يَغتنِمْ وَطَرَ السيوفِ لكي يُبالِغَ=في الفجيعةِ بل ليوقِدَ مصرَعا
ملأَ الحوافرَ قبّةً ومآذنًا=وأشارَ للمضمارِ أنْ لا يَركعا
صانَ الحسينَ على المباضِعِ هكذا=صَنَعَ الحسينَ ولم يشَأْ أنْ يُصنَعا
نَهَرَ الحكايةَ أنْ تخونَ عنادَهُ=وتُجَرِّدَ الجرحَ الجناحَ المُقلِعا
وظليمتانِ على الحسينِ بأنْ يُضَرَّجَ=بالسُّكُونِ وأنْ يُضَمَّدَ مَنبَعَا
لا تنسبوهُ إلى المناديلِ البليدةِ=أو لنحرٍ في البكاءِ تَرَبَّعا
منذُ الفجيعةِ غادَرَ المُهرُ الجفونَ=إليهِ يعدو رافضًا أنْ يَرجِعا
وبنى بفيضِ النّحرِ منبرَ جَدِّهِ=اتَّخَذَ الجراحَ منابرًا وتَمَنَّعا
صوتانِ وشمُ السيفِ يكبُرُ حَدَّهُ=بدمٍ ويبلُغُ مولِدَيْنِ وأفرُعا
ما بعدَ نصِّ الموتِ يسبِقُ قبلَهُ=بفمٍ يُباغِتُ بالنفيرِ المَضْجَعا
ورسالةٌ تُملِي المباضِعَ يومَئِذ=بُعِثَت بمعجزةِ الحُسَينِ مُبَضَّعا
لنبيِّ مصرعِهِ انجلَى إعجازُهُ=جرحًا تَنَبَّأً كبرياءً مُفجِعا
تحتَ السنابِكِ لم يَهِنْ جبريلُهُ=المكسورُ باهَلَ بالعنادِ الأضلُعا
المصرعُ العملاقُ خُيِّرَ للحُسينِ=فلم يكُنْ هذا الحسينُ ليَقنَعا
باسمِ القيامةِ يستعيذُ بجرحِهِ=مِنْ مطمحٍ يُرخي الجهاتِ الأربعا
خَرَّ الحسينُ فأَبدَعَ الموتَ الرفيعَ=فلم يَجِدْ شفَقُ القيامةِ أرفعا
تلكَ الفجيعةُ باغَتَتْ موَّالَها=بالمُهرِ فالتقفَ الصهيلُ الأدمُعا
إنَّ البكاءَ عليهِ نصفُ قصيدةٍ=فاجهَدْ بحزنِكَ أن يثورَ فيُبْدِعا
أحرى بجمرِ الوقتِ بعدَ نفيرِهِ=أنْ لا يؤجِّلَ فحمَهُ المُتمنِّعا
أَجِّل رثاءَكَ واستمِع لجراحِهِ=تُدلِي بأفصحِ ما نواهُ مقطَّعا
أَجِّل رثاءَكَ كربلاءُ قصيدةُ=الشهداءِ تحرسُ بالدماءِ المَطْلَعا
سبعونَ رمحًا ما يزالُ يُحِسُّها=الإشراقُ تفتضِحُ الغيابَ المُزمَعا
الوشمُ زادَ عَنِ العيونِ فلا الدموعُ=مَشَتْ بما يكفي وغابَ وأَسرَعا
هم قطَّعوهُ فعادَ مِنْ طَعناتِهم=مدنًا وعادَ مُوَزَّعًا ومُجَمَّعا
ذرفُوهُ لكنْ عادَ مِنْ دمعاتِهم=شفقًا وعادَ مِنَ القيامةِ أذرُعا
جرحٌ بريعانِ النزيفِ يعاندُ=المرسى ويسأمُ أنْ يجفَّ ويَنبُعا
نزفٌ بريعانِ الجراحِ يجادِلُ=الأنصالَ يُفحِمُ بالقِبابِ البَلْقَعَا
في لحظةِ النحرِ الجَريءِ ونصلِهِ=الجرحُ بَسمَلَ والحُسَامُ استَرجَعا
حَدَّ انقلابِ الموتِ في ميلادِهِ=الجرحُ حَمحَمَ والحُسَامُ تَضَرَّعا
ما دارَ في ذهنِ الخلودِ وذهنِ=مبضعِهِ احتدامُ الجأشِ حيثُ تَصَدَّعا
لم يَستجِبْ للرّملِ وهو يَخِيطُهُ=قبرًا وحرَّضَهُ عليهِ ليَصدَعا
رَجُلٌ على شكلِ العراقِ يصفُّهُ=جيشًا يفرِّقُهُ شبابًا مُهرَعا
يتقاسَمُونَ خُطَاهُ مِنْ جفنٍ إلى =رمحٍ وينقسمونَ منهُ لئنْ دَعا
هوَ جرحُهُ المجدُ الذي لم ينوِ=مأساةً وأوجزَهُ الثباتُ وأوسَعا
هيا انسبوهُ إليهِ لا الموّالُ يوجِزُهُ=ولا صوتٌ نعَاهُ ولو نعى
خاضَتْ مُوسيقاهُ السنابكُ والرّماحُ=تَشَرَّبَتْ ناياتِهِ إذْ أَسْمَعَا
الليلُ يبحثُ عَنْ جراحِ الشمسِ=حتّى يطفئَ الأمسَ الذي ما أَقلعا
شمسٌ تُحَاصِرُها المَغَاربُ لم تَجِد=أجدى مِنَ الفجرِ الصّريعِ وأَفضَعا
عمراً فعمرًا يثبتُ الجرحُ ابتكارَ=حسينِهِ ويخطُّ نصرًا مُوجِعا
وإذا أقامَ الجرحُ منبرَهُ سيقرأُ=مولدًا ويصرُّ أنْ لا يخضَعا
الجأشُ أولى بالدموعِ فأرجِعوا=جسدَ الحسينِ إليهِ جأشًا مُشبَعا
الطقسُ عِبءُ العاصفاتِ وللسّكونِ=مغامرٌ يأبَى الهبوبَ الطَّيِّعا
سيعودُ جبريلٌ إليهِ ليبدأَ=القرآنَ جرحًا هاديًا مُتشَعشِعا
جسدٌ على الرّمْضاءِ بالغَ في =الحقيقةِ لم يدَعْ جرحٌ لزيفٍ مَوضِعا
هذا الحسينُ الرّحبُ لم يُعفِ المدى=مِنْ جفنِهِ ما زالَ يَذرِفُ مَطلعا
حزنٌ وعصفٌ يا لَجرحٍ عارمٍ=مِنْ داخلِ الكثبانِ جَرَّ الأشرُعا
الجرحُ كانَ النصَّ لم يكُ شاعِرًا=ذاكَ الذي ختمَ القصيدةَ إصبعا
مُدُّوهُ فوقَ إبائِهِ سيعودُ مِنْ=جسدٍ ويتّخذُ التحدّيَ مَوقِعا
الوحيُ أقسمَ إنَّهُ هُوَ إنَّهُ=القرآنُ خرَّ عليهِ منهُ وضُيِّعا
وَتَرٌ يراهُ مِنْ السكوتِ يحرِّضُ=الأنغامَ والأشعارَ أنْ تَتَشَجَّعا
رُدُّوهُ للخطواتِ عَنْ أسمائِكُم=فمِنَ المُحالِ عليهِ أنْ يتطبَّعا
الحزنُ لا يدري لأيِّ مسافةٍ=قَطَعُ الحسينُ مِنَ الجراحِ المِبضَعا