أينما تُولُّوا فثمَّ الحسينِ
سنة 2011
يا مُرسلاتِ الدَّمعِ طُوفي واحةً = شَرِبَتْ غَديرَ السبطِ يومَ العاشرِ
فَغَدَتْ كموّالٍ يُبرهنُ للملا = أَنَّ امتدادَ النَّحرِ جسرُ العابرِ
إنْ كانَ في أرضِ العراقِ وغيرِها = فهوَ امتدادٌ للحسينِ الثائرِ
يَهَبُ الخلودَ لكلِّ مَنْ رَامَ الهدى = يَهَبُ السُّموَّ بكلِّ مَوجٍ هَادرِ
في الهندِ في لبنانَ في أحداقِنا = بَحْرٌ يفيضُ فلا يُرى للآخرِ
غَصَّت بهِ كُلُّ الجِهاتِ ولمْ يَزَلْ = رُغْمَ اسْوِدَادِ الليلِ كحلَ الناظرِ
فاشددْ لهُ كلَّ المطايا قاصداً = فيحاءَهُ الكبرى كعبدٍ خاسرِ
وأنِخْ بِهِ واشرحْ لهُ متزفّراً = مما لقيتَ مِنَ الزمانِ البائرِ
مولاي تدري أنّني عبدُ الهوى = فإذا أحيدُ فأنتَ قبلةُ ناظري
والنفسُ إنْ ماتَتْ فأنتَ حياتُها = والبعدُ عنكَ مصيبةٌ للصابرِ
هذا الحسينُ وبحرُهُ متلاطمٌ = وعطاؤه ثَرٌّ بسيلٍ زاخرِ
تُنبيكَ عنهُ الشمسُ في رأدِ الضّحى = عبقاً توالى ساطعاً في الحاضرِ
وتراهُ في القمرِ المنيرِ إذا بدا = سحراً يُطِلُّ مهابةً للباصرِ
وتراهُ في النجماتِ أروعَ قصّةٍ = ظلتْ تسامرُنا كأفضلِ سامرِ
وتراهُ في الأجواءِ صرخةَ ثائرٍ = هزَّتْ يبابِ الكونِ هزَّةَ ماطرِ
وتراهُ من فوقِ الأديمِ حكايةً = شاءَ الإلهُ خلودَها في الخاطرِ
وتراهُ في الذبحِ الفظيعِ مواصلاً = أنَّاتِهِ العظمى بِهلْ مِنْ ناصرِ ؟
وتراهُ عنقوداً تدلّى مطعماً = حدَّ السُّيوفِ ورغبةً من ناحرِ
وتراهُ وضَّاءً برغمِ جراحِهِ = حيثُ النجابةُ إرثُهُ عن كابرِ
وتراهُ في الرمحِ الطويلِ دلالةً = هيهاتَ أنْ أُعطي لبغيٍ فاجرِ
وتراهُ إعجازاً إذا ما أقدموا = كي يسحقوهً بخيلِهِمْ والحافرِ
وتراهُ يبقى في العراءِ بلا غِطاً = إلاَّ ويشحذُ هِمَّةً من حائرِ
وتراهُ في الآلامِ جرحاً ناضحاً = يسَعُ الجراحَ الغائراتِ كجابرِ
وتراهُ في قلبِ المحبِّ مآتماً = مهما تضاحكَ فالأسى كالقاهرِ
وتراهُ إكليلاً يُتوِّجُ أُمةً = تُحيي الشهادةَ منهجاً بتفاخرِ
وتراهُ سوّاحاً يطوفُ على المدى = كي يُنعشَ الدنيا بفيضٍ غامرِ
وتراهُ في حزنِ النِّساء شِكايةً = طلَّتْ لتوقفَ عاصفاً من فاغرِ
وتراهُ في دمعِ الصغارِ شرارةً = تحني الطغاةَ المارقينَ بباترِ
وتراهُ في عينِ الفقيرِ قناعةً = غسلتْ حدودَ الفقرِ غسلةَ غافرِ
وتراهُ في كفِّ الغنيِّ سيادةً = ملكتْ زمامَ النفسِ مسكةَ طاهرِ
وتراهُ في مشي السليمِ تواضعاً = يطأُ الرَّغامَ مع َالحصاةِ الظاهرِ
وتراهُ في خطوِ السقيمِ تحنّناً = حمداً بدفءِ القلبِ نحوَ الشاكرِ
وتراهُ في كلِّ الفصولِ ربيعَها = دورانُهُ الدنيا بوجهِ الجائرِ
وتراهُ في الأمطارِ وسمياً إذا = تاقَتْ أراضي الخلقِ قطرةَ باكرِ
وتراهُ في الأبراجِ برجاً عالياً = يصفو لرؤيا العينِ صفوَ الزاهرِ
وتراهُ في الأفلاكِ أكملَ دورةً = فأفاضَ دفّاقاً لنا كالنائرِ
وتراهُ في لغةِ الصمودِ عرمرماً = يُهدي التحايا جملةً للظافرِ
وتراهُ ملحمةً بتاريخِ الورى = جمعت لنا ما قد جرى من غابرِ
وتراهُ في دنيا الهوى أسطورةً = تأبى المماتَ بوسطِ رمسٍ قابرِ
وتراهُ في الأسفارِ سفراً خالداً = قرأتْهُ آلافُ اللغاتِ بعاشرِ
وتراهُ في الأطيارِ طيراً باشقاً = لا يرتضي ذلاً لأدنى طائرِ
وتراهُ في الأرقامِ رقماً مفرداً = يأبى الخضوعَ لكلِّ طاغٍ كافرِ
وتراهُ في الأوعارِ جنّةَ والهٍ = تهفو له الآلافُ خشيةَ كاسرِ
وتراهُ سلطاناً على هامِ الورى = أعطى الوجودَ حرارةً كالواترِ
وتراهُ في لبِّ الحقيقةِ قلبَها = متفجراً بالفخرِ فوقَ الشاهرِ
وتراهُ موسى في اليهودِ بعزمِهِ = لا بلْ وحزمٍ مثلَ عيسى الناصري
وتراهُ في الدينِ الحنيفِ محمداً = خلقاً وخُلقاً عاطراً من عاطرِ
وتراهُ في كلِّ القصائدِ إصبعاً = صنعتْ رحيقَ المجد ِعندَ الشاعرِ