أترقد من بعد الحسين عيون
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أتَرقِدُ مِن بَعدِ الحُسَينِ عُيُونُ=و تَخفى لِأَربابِ الوَلاءِ شُجُونُ
أيَفرَحُ قَلبٌ و النَّبيُّ و حَيدَرٌ=و فاطِمُ و السِّبطُ الزَّكيُّ حَزينُ
و أيُّ سُرورٍ لِلمُوَالي و قَد غَدَت=مَوَاليهِ مِنهُم مُؤسَرٌ و طَعينُ
قَضيَّةُ مَحضِ الوُدُّ أن يُسلَبُ العَزَا=و يُوجَبُ نَوحٌ دائمٌ و حَنينُ
أتَخفَى شُجُوني بَعدما رأسُ سَيِّدي=يُبانُ و في رأسِ السِّنانِ يَبينُ
أيُطفى لَهيبي و هُوَ مُحتَرِقُ الحَشَا=بِنارِ الظَّما و الوَجهُ فيهِ كَمينُ
أُمَثِّلُهُ فَرداً يُنادي بِعُصبَةٍ=عَمينَ أما لي ناصِرٌ و مُعينُ
أَأُقتَلُ مَظلوماً بِغَيرِ جِنايَةٍ=و أظمَأُ و الماءُ المُباحُ مَعينُ
ألَستُ مِنَ القَومِ الَّذينَ وِدادُهُم=أمانٌ لِلأنامِ حَصينُ
حَلَفتُ بِرَبِّ البَيتِ حِلفَةَ صادِقٍ=و ما أنَا مِمَّن في اليَمينِ يَخونُ
لَجَدِّي رَسولُ اللهِ حَقَّاً و والِدِي=خَليفَتُهُ و النَّصُّ فيهِ مُبينُ
إمامٌ مِنَ الإشراكِ باللهِ أنزَعٌ=كَمَا هُوَ مِن حَملِ العُلُومِ بَطينُ
و فاطِمَةُ الزَّهراءُ أمِّي و إنَّها=لها جَبرَئيلٌ باليَمينِ يَصونُ
و ما قَتلُ مِثلي جائِزاً عِندَ أُمَّةٍ=لَهُم مَنهَجٌ في الصَّالِحاتِ وَدينُ
فهَل أنتُمُ ساقيَّ ماءً عسى بِهِ=يكونُ بِقَلبي لِلغَليلِ سُكُونُ
فقالوا لَهُ هَيهاتَ هَيهاتَ إنَّما=نُسقِّيكَ مِن حَتفٍ و أنتَ مَهينُ
فَحَولَقَ يَدعو يا رَقيباً على الوَرَى=و يا عالِماً لا يَعتَريهِ ظُنُونُ (1)
رَضيتُ بِما تَقضي و تَحكِمُ سَيِّدي=و كُلُّ جَليلٍ في رِضاكَ يَهونُ
فُدِيتُ لَهُ إذ خَرَّ عَن سَرجِهِ و قَد=تَخَضَّبَ مِنهُ مَفرِقٌ و جَبينُ
فُدِيتُ لَهُ إذ أدرَكَتهُ نِساؤُهُ=لَهُنَّ صُراخٌ حَولَهُ و رَنينُ
فَأبصَرنَهُ و الشِّمرُ مِن فَوقِ صَدرِهِ=و في يَدِهِ ماضي الغَرَارِ سَنينُ
و خاطَبنَهُ يا شِمرُ وَيحَكَ خَلِّهِ=تَقَرُّ بِهِ لِلأرمَلاتِ عُيُونُ
أيا شِمرُ دَعهُ لِليَتَامى يَحُوطُهُم=إذا بِهِم صَرفُ الزَّمانِ يَخونُ
إذا أنتَ يا شِمرٌ قَتَلتَ كَفيلَهُم=فَمَن ذا لَهُم بَعدَ الكَفيلِ يَصونُ
أيا شِمرُ لا تَقتُل حُسَيناً فإنَّما=يَسَارُ ذَوي الأعسارِ مِنهُ يَمينُ
أتأمَنُ مَكرَ اللهِ فيهِ و إنَّهُ=على الوَحي و السِّرِّ المَصونِ أمينُ
أتَقتُلُهُ يا شِمرُ مِن غَيرِ جُرمَةٍ=ألَستَ بِدِينِ المُسلِمِينَ تَدينُ
فَمَا لانَ قَلبُ الرِّجسِ شِمرٌ و إنَّهُ=لَمِن قَولِها صُمُّ الصُّخُورِ تَلينُ
و حَزَّ كَريمَ السِّبطِ بالسَّيفِ بَعدَمَا=تَقَطَّع منهُ أخدَعٌ و وَتينُ (2)
تَضَعضَعَ رُكنُ الدِّينِ و انطَمَسَ الهُدى=و كُسِّرَ مِن دَوحِ الجَلالِ غُصُونُ
أرَأسُ حَبيبِ اللهِ يُقطَعُ جَهرَةً=لَعينٌ نَمَاهُ بِالفُجورِ لَعينُ
و لا تُضرَمُ الأحشاءُ ناراً مِنَ الأسى=تُصَعَّدُ مِنها زَفرَةٌ و حَنينُ
ألَيسَ رسولُ اللهِ قَد ألَفَ البُكَا=على رِزئِهِ بالسِّبطِ و هوَ جَنينُ
و كانَ كَثيراً ما يُقَبِّلُ نَحرَهُ=كَئيباً لِما مِن أمرِهِ سَيَكونُ
فَدَاهُ بإبراهيمَ ذي الفَضلِ قائِلاً=و مَدمَعُهُ فَوقَ الخُدودِ هَتونُ
إذا ماتَ إبراهيمُ لَم يُشجِ مَوتَهُ=سِوايَ و يَشجى إن يَموتُ حُسَينُ
أبُوهُ عليٌّ و البَتولُ و شُبَّرٌ=و إنِّي بِفِقدانِ الحُسينِ ضَنينُ
يَضِنُّ بِهِ عَن مَوتِهِ حَتفَ أنفِهِ=و مِثلُ حُسَينٍ بالبَقاءِ قَمينُ
فكيفَ و لَو ألفاهُ يَفحَصُ في الثَّرى=و صارِمُ شِمرٍ لِلكَريمِ يُبينُ
خَضيباً بِما فاضَ الوَريدانِ مِن دَمٍ=لَهُ جَسَدٌ بالذَّابِلاتِ طَعينُ
و نِسوَتُهُ يُحمَلنَ مِن فَوقِ ضُلَّعٍ=هدايا لَها مِن حُزنِهِنَّ أنينُ
هَوَاجِرُ غُمضٍ بالهَوَاجِرِ و الدُّجى=تَجَافَى عَنِ الإغفا لَهُنَّ جُفُونُ
مقاريحُ أجفانٍ مِنَ الدَّمعِ ما لَهَا=سِوى سَكبها ماء الشُّؤُونُ شُؤُونُ
إذا نَظَرَت رأسَ الحُسَينِ أمامَهَا=تَفَجَّرُ مِن أعيانِهِنَّ عُيُونُ
فَدَيتُ عَليَّ بنَ الحُسَينِ يُساقُ في=سَبَايَا لَها نَحوَ الشِّآمِ ظُعُونُ
فَدَيتُ عَليلاً لا دَوَاءَ لِدَائِهِ=و كَيفَ يُداوَى الدَّاءُ و هوَ دَفينُ
عَليلاً لِفِقدانِ الأحِبَّاءِ فَهوَ لا=دَوَاءَ لَهُ إلَّا اللِّقاءُ يَكونُ
و أينَ التَّلاقي بَينَهُم بَعدَمَا غَدَت=تَحولُ سُهُولٌ بَينَهُم و حُزُونُ
عَلِيٌّ بِأَسرِ الظَّالِمينَ مُصَفَّدٌ=و والِدُهُ في كَربلاء رَهينُ
و أخوَتُهُ و الرَّهطُ مِن خَيرِ قَومِهِ=أُبيدُوا و وافاهُم هُناكَ مَنونُ
قَضَوا بِمَباتِيرِ الحِدادِ يَقونَهُ=مَنوناً و ما فيهِم بِذاكَ مَنونُ
على ظالِمِيهِم لَعنَةٌ مُستَمِرَّةٌ=و خِزيٌ كَمَيدانِ العَذابِ مَهينُ
أيا عِلَلَ الإيجادِ يا مَن وِدادُهُم=إذا طافَ طُوفانُ المَعَادِ سَفينُ
لَزَمَتُكُمُ يا سادَتي لِيَكُونَ لي=مقامٌ إذا قامَ الحِسابُ أمينُ
فَمَا حَسَنٌ يَومَ المَعَادِ بِخائِفٍ=و حَبلُ اعتِصامي بالهُداةِ مَتينُ
عَلَيكُم سَلامُ اللهِ يا خَيرَ خَلقِهِ=مَتَى جادَ بِالدَّمعِ الهتُونِ حَزينُ