عبود غفله الشمرتي الخاقاني النجفي
ولد الشاعر المرحوم عبود غفله في ربوع النجف الاشرف في بيت عُرف بالولاء والمحبة لأهل البيت عليهم السلام حيث كان رحمه الله يمثل محيط الادب وواحات الشعر فكان روضة الخيال وضمير المنبر الحسيني وهو من عائلة الشمرت التي يرجع نسبها الى الخاقانيين وقد عُرف الشاعر بأميَّته من حيث القراءة والكتابة كما يُقال عنه ولكنه تمتع بالنورانية والفقاهة ومصاحبة اهل العلم والمعرفه وكان من مرتادي مجالس الذكر والوعظ والارشاد ومن رواد مجلس الحسين عليه السلام.
وقد قال عنه الشاعر العربي في مصر المعروف احمد شوقي حينما اسمعوه ابيات من شعره قال اسمعوني بعد غيرها فلما سمع قال في حقه انني لو كنت امير الشعراء فهو ملكهم.
كما عرف إنه كان يمتهن البناء وكان ينظم الشعر ارتجاليا وخصوصا كان ينشد الشعر وهو في حالة مزاولته عمله كان الرواديد والقرآء يأتون لمحل عمله يكتبون ماينشد وماينظم وكان اكثر مايستنهض الامام المهدي عليه السلام في قصائده ومن مطالع قصائده:
يمن عين الدين ليك اربيه ... ليمته چفك يسل ماضيه
وكان ايضا شاعرا موضوعيا متحمسا لمعالجة الوضع الاجتماعي اذا شاهد المجتمع يمر بمحنة الفساد والخطر الذي يداهمه كان يحاكي ويستنهض ضمائر الخطباء والقرأء للإصلاح حيث يقول:
وين اهل ياليتنا كنا معك ... مايشوفون العرض ستره انهتك
فكان جل شعره دروسا ومواعض تهذب وتوعي الأمة فقيل عنه انه ذات يوم استنهض الامام امير المؤمنين بقصيدة له ألّمت قلب الامام حيث كان يقول فيها :
سيف يامن للنبي وعساله ... حسين مايخفاك بالطف حاله
يبن عم المصطفى وياساعده ... يمن بيدك رايته ومهنِّده
ماتشوف حسين مابين العده ... ونال من چبده الدهر ماناله
لاچن ابنك لوعليه يحمى الحرب ... نشف عزمه ونبجح منه الگلب
ولو چهب عالخيل ينشبها الرعب ... وتهج والمحتوم من يدناله
ماوجد مثله وعليه اتجمِّعت ... رحم العراگين ولحربه مشت
مِفرِد ابيناتهم شبلك ثبت ... جبل شامخ مايزول اضلاله
ركب راحلته وشبيهك لو ركب ... لاچن اعلى الگوم ياحيدر خطب
ناده الكم دين سابج لوطلب ... عالنبي المبعوث ارحموا اعياله
هاي كتب اشيوخكم ليَّه لفت ... عجل اينادون ماوالله انفت
گطع منها العذر حتى الكل سكت ... لاچن اهل الغدر تتاخاله
حاربوه اعلوج اميَّتها العبيد ... گصد من عندك يبن حيدر نريد
تقر بالطاعه لبن عمك يزيد ... وتحط يمناك اعلى چف اشماله
من سمع مگصودها هذا النفل ... زعل حيف البطل مِنَّه اينزعل
ناده اي والله الف مره انچتل ... دون عز المايغيب اهلاله
لبن مرجانه ولبن هند الجلف ... اقر بالطاعه واسلم واعترف
لاوولكن ياهله بصاع الحتف ... شَهد مُرَّه وعذب وِرد ادلاله
شاف ماينفع وعض بيها ويفيد ... دون مايرمي الحديد اعله الحديد
برز للسبعين الف لاچن فريد ... عدل ماوياه من ارجاله
گام يتمناك ياحامي الحمه ... تگف ملزوم بثنية امخيمه
ياعلي يكفيك هاي الموزمه ... لاچن يريدك ضمد لعياله
الى اخر الأبيات حيث له قصائد موجعة حقاً لقلب المولى التي يمربها على استعجال الامام الحجة واستنهاضه لهذا المجتمع واصلاحه بسيفه الوضع القائم في الأمه يقولون انه لما اكمل القصيده راى الامام في عالم الرؤيا فقال له ياعبود لم تؤذيني بأبياتك هذه أما تعلم إنني منتظر لأمر الله اتريدني اضربك وأُنسيك الشعر فينهض الشاعر من نومه مرعوبا فِزعا فيذهب الى المرجع انذاك السيد ابو الحسن الاصفهاني (قدس سره) ويقص له الرؤيا فيأمره السيد بان يكف عن استنهاض الامام وذلك لشدة بلاغته الذي ينم عن صدق وولاء الشاعر وحرصه على احياء الشريعة يقول السيد للشاعر عبود غفله ياحاج اذهب الى الامام الحسين ليلة الجمعة واجعل سيد الشهداء الامام الحسين (ع) وسيطا بينك وبين ولده المهدي حتى يرضى عنك حقا لقد اوجعت و ألمت قلب الامام فذهب الشاعر الى الامام الحسين (ع) وتضرع هناك وبكى ورجع ليلا فنام المرحوم عبود غفله واذا به يرى سلطان العصر وطاووس اهل الجنة في عالم الرؤيا فيقول له الان رضيت عنك ياعبود لِمَ تؤذيني بندبتك اياي انني كالسجين منتظر امر ربي .
حقا لقد كان يقرح القلب بصوره الشعريه وخياله النابع من المحبة وعظمة الولاء الصافي للعترة المحمدية الطاهره وقد ذكر عنه من ذكر حيث قال: قد برع شعراء كان بعضهم لا يقرأ ولا يكتب أو ان البعض ثقافته محدودة ولكنه ببركات الامام الحسين عليه السلام تجد كلماته كالدرر أو كالبحر من اين تأتيه ترد .
وفي طليعة هؤلاء الشعراء من سمي بأمير الشعراء بلا منازع المغفور له الشيخ عبود غفلة الشمرتي النجفي وقد ذكر ابن الحاج قاسم الاسدي عن والده قال: أن أحد خدمة المنبر الحسيني من اهل الكاظمية قصد الى النجف الاشرف يسأل عن المغفور له عبود غفلة ودخل الصحن العلوي الشريف وكان العمل داخل الصحن وجمعٌ من العمّال يدلون بدلائهم في البئر ليخرجوا الماء للعمال. إتفق أن وقف ذلك الرجل من الكاظمية على عامل بناء وهو يخرج الماء بدلوه وسأله : قيل لي أن الشاعر عبود غفلة في الصحن فهل تدلني عليه وكان الرجل لايعرف عبود غفلة فقط كان يسمع به. فسأله عامل البناء وما الذي تريده من عبود غفلة ؟
فرد عليه اريد منه قصائد لمناسبة كذا.
فقال له العامل هل لديك قلم وورق ؟
قال نعم !
قال اذن اكتب وبدأ يردد العامل كلماته والرجل يكتب من غير ان يلتفت و أكمل له ما أراد من قصائد وهو لازال يدلو بدلوه من البئر داخل الصحن .
وأخيرا ً إلتفت الرجل الكاظمي الى أن العامل هو عبود غفلة.
وفي رواية اخرى وفد اليه ثلاث من قراء الكاظميه المقدسة لما سألوه عن عبود غفله قال لهم غير موجود الان فماذا تريدون منه فقالوا انه شاعر ونحن نريد مجاراته قال لهم اذا تحبون انا اعطيكم شعرا فرؤا شيبته وملابسه والقربة التي يحمل بها الماء والبساطة التي تجلله استهانوا به فقالوا له لا بأس فقال لهم فليطلب كل واحد منكم قصيدة شكل فطلب الاول قصيدة رثائية والثاني طلب قصيدة غزل والثالث طلب قصيدة اجتماعية فأخذ يعطي الاول بيت ويروح للثاني ثم للثالث فتعجبو منه فقالوا له اذن انت عبود غفله.
ومن قصائده المشهوره قصيدة عجت العصرين :
عجَّت العصرين و اسّود الفضه ... من طحت يحسين يبن المرتضه
من طحت وياك طود الدين طاح ... و هب حمر يحسين بالكون الرياح
و عجت العصرين لاجن بالصياح ... سيدي و العالم اسود ابيَضه
لون ما شبلك و هو زين العباد ... يظل من بعدك و بيه تحيه البلاد
هوت فوگ الواسعة السبع الشداد ... و الدهر يفنه و منيته اتقوضه
ريت سيف القاضية يفني الدهر ... و للبرية التلف و الموت الحمر
و لا يبو اليمة يبن سيد البشر ... دمك سيوف الأنذال اتفيضه
آه يا ريحانة الهادي السليل ... بالهجير اعلى الرمل تمسي چتيل
و فوق صدرك و الظهر تلعب الخيل ... آه و اعظامك اتبات امرضضه
يمن جسمك روح و العالم جسم ... چيف عگب الروح ما جسمه يعدم
آه مهرك من طحت فر للخيم ... يظن غيرك يا شهم يستنهضه
بالمباني ما وجد غير الحرم ... لوى اعنانه و سدر لاچنه انهضم
وگف عد راسك يصاهل يا شهم ... ايحسب حي و بيك يحسين ايحضه
وله قصائد جمة وقد لقِّب بأمير الشعر والشعراء وقد كان حقا اميرا للشعراء وذو روحية عالية وايمان كبير وورع وتقوى لايدانيه احد من الشعراء وخدام المنبر الحسيني له دواوين منها على ما أتذكَّر ديوان اسماه جمر المصاب ومعظم قصائده خزين في قلوب الخطباء وصدور الادباء والشعراء والقرآء فرحم الله الاستاذ الكبير وقمقام الخدمة الحسينية ويعسوب العشق الحسيني المرحوم المغفور له الشاعر عبود غفله الشمرتي الخاقاني النجفي واليك هذا البيت الابوذية مع ابيات من الشعر أذكِّرك ماضي الايام التي خلت واوجعُ قلبك بها واستنهضك التي طالما احتجنا الى وجودك المبارك.
خادمك الصغير وخادم اهل البيت زهير المخزومي
جفني ماخذه من النوم غفله ... وعذابي والدهر ماخذني غفله
الف رحمة تجي لعبود غفله ... حبيب وخادم الزهره الزچيه
لورجع عبود غفله هالزمان ... مايظلَّه من الأنانيه مچان
مايظل امچان اله ابين العباد ... حيث كلها اخشوم مرفوعه بعناد
اگلوبها قاسيه واقسى من الجماد ... منها الله يجيرنه الذل والهوان
الله منها يجيرنه ماعدها عيب ... كل مساعيها ضلال وكلها ريب
وحده من اهدافها اتودي وتجيب ... وعالنفاق اتربت وغدر الزمان
خل يجي عبود ويشوف الصديج ... المايگف بالموزمات اوكت ضيج
تخلص وتتمنه من عدها الهجيج ... لاصدج لانخوه بس صفگة لسان
خل يجي عبود ويشوف الزمن ... اتراب سوى ديارنه وذاك الوطن
وحال اهلنه شافت الذل والمحن ... نار هالتفجير دان بأثر دان
وين عبود ويجي يشوف النجف ... راحت ايام المجد كله انتلف
متوّجه چانت امس بهل الشرف ... اليوم بيد امريكا وايهود العنان
من الوهابيه وعرب ذاك الجلف ... ويه ابن اسعود سووا هالحلف
حِرنه ويَّامن يغفله نأتلف ... نسكت انموت انحچي نشبع طعان
بدِّلوا هالدين ذوله اهل اللحى ... ورسم نهج العدل والدين انمحى
صرنه ياعبود حنطه والرحى ... اتدور بينه والعرب كل منها خان
لحية مثل ابليس واحدهم لعين ... رسم عدها الدين مومنهج رصين
الله يلعنهم لعن عاد وثمود ... انجس من البوذه ذوله و اليهود
الله ينهي احدودهم يفني الجدود ... ماهو واحدهم انس لاهوه جان
وينه عزنه اوين كل ذاك المجد ... ننذبح وكت الفريضه والاذان
صرنه ياعبود خوانة عهد ... ولو تواعدنه ترى انخون الوعد
عالمنابر والاذاعات الرعد ... وماله واقع صار مخطوط البيان
صرنه خوانة وعد مامش وفه ... ولااساس من العلم والمعرفه
چذب واحقاد وأنانيه اوجفه ... والكلام الصح بعد ماله ضمان
وينه حچيك يالعدل وين الصحيح ... وين صوتك ذاكه تستنهض تصيح
گوم شوف اعراگنه طايح ذبيح ... بس ذبيح الغاضريه ايشوفه چان
گوم شوف اجنود ابن صبحه الزنيم ... شسوه ببلاد الشهامه هاللئيم
طاح صدام ولفوا اهل القصيم ... والاعراب البدِّلت ذاك الامان
هالامان الراح ماضنتي ايعود ... الا بوجود الذي سِر الوجود
لو اجانه ورجع ديرتنه يجود ... يمته يظهر وين يارعي الزمان
واخير ارتحل الضمير الحي والصوت الصادح بنصرة مذهب اهل البيت ومؤسس جامعة الهداية ومربي البشرية على الاستقامة توفي في النجف الاشرف عام 1356ه وشيع تشييعا رهيبا بكته كل عين ونعاه كل شاعر وكاتب وتغنى بأبياته كل خطيب مات ثم وارى جثمانه تراب النجف الاشرف في مقبرة وادي السلام بجوار سيدنا ومولانا امير المؤمنين عليه السلام قرب مقبرة البغدادي ناحية مغتسل بير عليوي.