السيد نور الدين علي (الثاني) بن السيد نور الدين علي (الكبير) بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي
السيد نور الدين علي (الثاني) بن السيد نور الدين علي (الكبير) بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث هذه الخطبة يوجد في صحاح القوم ومسانيدهم .
من أعيان الطائفة ووجوه أعلامها، وفي الطليعة من عباقرتها، جمع بين العلم والأدب، وتحلى بأبراد الزهد والورع، كما كان أبوه أوحديا من أعلام بيت الوحي وفذا من أفذاذ العلم والفضيلة، وعلما من تلامذة شيخنا الشهيد الثاني .
قرأ سيدنا المترجم له على أبيه السيد الشريف الطاهر، وعلى العلمين الحجتين صاحب (المدارك) أخيه لأبيه، والشيخ حسن بن الشيخ الشهيد الثاني أخيه لأمه ويروي عنهما .
ويروي بالاجازة عن الشيخين : العرضي الحلبي (1) والبوريني الشامي (2) قال في إجازته للمولى محمد محسن : إني أروي جانبا من مؤلفات العامة في المعقول والفقه والحديث عن الشيخين الجليلين المحدثين، أعلمي زمانهما، ورئيسي أوانهما : عمر العرضي الحلبي، وحسن البوريني الشامي، بالإجازه منهما بالطرق المفصلة عنهما في إجازتيهما إلي .
ويروى عن السيد بالاجازة المولى محمد طاهر القمي المتوفى 1098 الآتي ذكره في هذا الجزء إنشاء الله تعالى.
والشيخ هاشم بن الحسين بن عبد الرؤف الاحسائي (3) .
والشيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي العيناثي الجبعي (4) والمولى محمد حسن بن محمد مؤمن، بإجازة مؤرخة بسنة 1051 (5) .
والسيد محمد مؤمن بن دوست محمد الحسيني الاسترآبادي نزيل مكة المشرفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمر بن عبد الوهاب العرضي الحلبي الشافعي القادري، المحدث الفقيه الكبير، مفتي حلب وواعظها، ولد بحلب سنة 950 وتوفي في شعبان سنة 1024 . توجد ترجمته في خلاصة الأثر 3 : 215 .
(2) الشيخ حسن بن محمد بدر الدين البوريني الشافعي، له تآليف بديعة ورسائل كثيرة، وديوان شعر، ولد سنة 963، وتوفي في جمادى الأولى سنة 1024 . ترجم له المحبي في الخلاصة 2 : 51 - 62 .
(3) راجع مستدرك الوسائل 3 : 407 .
(4) راجع إجازات البحار ص 159، 160 .
(5) توجد في إجازات البحار ص 141 .
والشهيد بها سنة 1088 كان من تلمذة السيد المترجم له(1). توجد ترجمة هذا الشريف المؤمن في كتابنا [شهداء الفضيلة] .
والمولى محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري المتوفى سنة 1090 يروي عن شاعرنا الشريف كما في إجازته للمولى محمد شفيع (2) .
والشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني المتوفى 1091 (3) .
والسيد أحمد نظام الدين المتوفى سنة 1086 والد السيد علي خان المدني صاحب (السلافة) كما في [روضات الجنات] ص 413 .
وأنت مهما اطلعت على ذكر شاعرنا (نور الدين) في المعاجم تجدها مزدانة بجمل الاطراء له، مشحونة بغرر ودرر في الثناء عليه، منضدة بأيدي أعلام العلم والدين، قال سيدنا صدر الدين المدني في [سلافة العصر] ص 302 : طود العلم المنيف، وعضد الدين الحنيف، ومالك أذمة التأليف والتصنيف، الباهر بالرواية والدراية، والرافع لخميس المكارم أعظم راية، فضل يعثر في مداه مقتفيه، ومحل يتمنى البدر لو أشرق فيه، وكرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل، وصيت من حسن السمعة بين السحر والنحر .
فسار مسير الشمس في كل بلدة * وهب هبوب الريح في البر والبحر
حتى كان رائد المجد لم ينتجع سوى جنابه، وبريد الفضل لم يقعقع سوى حلقة بابه، وكان له في مبدأ بالشام مجال لا يكذبه بارق العز إذا شام، بين إعزاز وتمكين، ومكان في جانب صاحبها مكين، ثم انثنى عاطفا عنانه وثانيه، فقطن بمكة شرفها الله تعالى وهو كعبتها الثانية، تستلم أركانه كما تستلم أركان البيت العتيق، وتستسنم أخلاقه كما يستسنم المسك العبيق، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا، وينشد بحضرته : تمام الحج أن تقف المطايا .
وقد رأيته بها وقد أناف على التسعين، والناس تستعين به ولا يستعين، والنور يسطع من أسارير جبهته، والعز يرتع في ميادين جدهته، ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع إجازات البحار ص 164 .
(2) راجع إجازات البحار ص 156 .
(3) راجع مستدرك الوسائل 3 : 389 .
يزل بها إلى أن دعي فأجاب، وكأنه الغمام أمرع البلاد فانجاب، وكانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام سنة ثمان وستين وألف رحمه الله تعالى، وله شعر يدل على علو محله، وإبلاغه هدي القول إلى محله، فمنه قوله متغزلا :
يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا * من بعد ما في سويد القلب قد نزلوا !
جاروا على مهجتي ظلما بلا سبب * فليت شعري إلى من في الهوى عدلوا ؟
وأطلقوا عبرتي من بعد بعدهم * والعين أجفانها بالسهد قد كحلوا
يا من تعذب من تسويفهم كبدي * ما آن يوما لقطع الحبل أن تصلوا ؟
جادوا على غيرنا بالوصل متصلا * وفي الزمان علينا مرة بخلوا
كيف السبيل إلى من في هواه مضى * عمري وما صدني عن ذكره شغل ؟
واحيرتي ضاع ما أوليت من زمن * إذ خاب في وصل من أهواهم الأمل
في أي شرع دماء العاشقين غدت * هدرى وليس لهم نار إذا قتلوا ؟
يا للرجال من البيض الرشاق أما * كفاهم ما الذي بالناس قد فعلوا ؟
من منصفي من غزال ما له شغل * عني ولا عاقني عن حبه عمل ؟
نصبت أشراك صيدي في مراتعه * الصيد فني ولي في طرقه حيل
فصاح بي صائح : خفض عليك فقد * صادوا الغزال الذي تبغيه يا رجل !
فصرت كالواله الساهي وفارقني * عقلي وضاقت علي الأرض والسبل
وقلت : بالله قل لي : أين سار به * من صاده ؟ علهم في السير ما عجلوا
فقال لي : كيف تلقاهم وقد رحلوا * من وقتهم واستجدت سيرها الإبل ؟
وقوله مادحا بعض الأمراء وهي من غرر كلامه :
لك الفخر بالعليا لك السعد راتب * لك العز والاقبال والنصر غالب
لك المجد والاجلال والجود والعطا * لك الفضل والنعما لك الشكر واجب
سموت على هام المجرة رفعة * ودارت على قطبي علاك الكواكب
فيا رتبة لو شئت أن تبلغ السهى * بها أقبلت طوعا إليك المطالب
بلغت العلا والمجد طفلا ويافعا * ولا عجب فالشبل في المهد كاسب
سموت على قب السراحين صائلا * فكلت بكفيك القنا والقواضب
وحزت رهان السبق في حلبة العلا * فأنت لها دون البرية صاحب
وجلت بحومات الوغى جول باسل * فردت على أعقابهن الكتائب
فلا الذارعات المعتمات تكنها * ملابسها لما تحن المضارب
ولا كثرة الأعداء تغني جموعها * إذا لمعت منك النجوم الثواقب
خض الحتف لا تخش الردى واقهر العدى * فليس سوى الإقدام في الرأي صائب
وشمر ذيول الحزم عن ساق عزمها * فما ازدحمت إلا عليك المراتب
إذا صدقت للناظرين دلائل * فدع عنك ما تبدي الظنون الكواذب
ببيض المواضي يدرك المرء شاؤه * وبالسمر إن ضاقت تهون المصاعب
لأسلافك الغر الكرام قواعد * على مثلها تبنى العلى والمناصب
زكوت وحزت المجد فرعا ومحتدا * فآباؤك الصيد الكرام الأطايب
ومن يزك أصلا فالمعالي سمت به * ذرى المجد وانقادت إليه الرغائب
[القصيدة]
وتوجد ترجمته في (البحار) 25 ص 124، ورياض العلماء، وخلاصة الأثر 3 : 132 - 134، وروضات الجنات ص 530، والفوائد الرضوية 1 : 313، والكنى والألقاب 3 : 223، وقال صاحب (أمل الآمل) : وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وكنت صغير السن ورأيته بمكة أيضا أياما، وكان ساكنا بها أكثر من عشرين سنة، ولما مات رثيته بقصيدة طويلة ستة وسبعين بيتا أولها :
على مثلها شقت حشا وقلوب * إذا شققت عند المصاب جيوب
لحى الله قلبا لا يذوب لفادح * نكاد له صم الصخور تذوب
جرى كل دمع يوم ذاك مرخما * وضاق فضاء الأرض وهو رحيب
على السيد المولى الجليل المعظم * النبيل بعيد قد بكا وقريب
خبا نور دين الله فارتد ظلمة * إذا اغتاله بعد الطلوع مغيب
فكل جليل بعد ذاك محقر * وكل جميل بعد ذاك معيب
فمن ذا يمير السائلين وقد قضى ؟ * ومن لسؤال السائلين يجيب ؟
ومن ذا يحل المشكلات بفكره * يبين خفي العلم وهو غيوب ؟
ومن ذا يقوم الليل لله داعيا * إذا عز داع في الظلام منيب ؟
ومن ذا الذي يستغفر الله في الدجى * ويبكي دما إن قارفته ذنوب ؟
ومن يجمع الدنيا مع الدين والتقى * مع الجاه ؟ إن المكرمات ضروب
لتبك عليه للهداية أعين * ومدمعها منها عليه صبيب
وتبك عليه للتصانيف مقلة * تقاطر منها مهجة وقلوب
[القصيدة]
وقال : كان عالما فاضلا أديبا شاعرا منشيا جليل القدر عظيم الشأن، وله كتاب شرح مختصر النافع لم يتم، وكتاب الفوائد المكية، وشرح الاثنى عشرية (1) الصلاتية للشيخ البهائي، وغير ذلك من الرسائل 1 ه وله رسالة في تفسير آية مودة ذي القربى، ورسالة غنية المسافر عن المنادم والمسامر .
وورثه على فضائله وفواضله ولده السيد جمال الدين بن نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الدمشقي، قرأ بدمشق على العلامة السيد محمد بن حمزة نقيب الأشراف، ثم هاجر إلى مكة وأبوه ثمة في الأحياء فجاور بها مدة، ثم دخل اليمن أيام الإمام أحمد بن الحسن فعرف حقه من الفضل، ومدحه بقصيدة مطلعها :
خليلي عودا لي فيا حبذا المطل * إذا كان يرجى في عواقبه الوصل (2)
ثم فارق اليمن، ودخل الهند، فوصل إلى حيدر آباد وصاحبها يومئذ الملك أبو الحسن، فاتخذه نديم مجلسه، وأقبل عليه بكليته، ولما طرقت النكباء أبا الحسن من سلطان الهند الأعظم وحبس، انقلب الدهر على السيد جمال الدين فبقي مدة في حيدر آباد إلى أن مات بها في سنة ثمان وتسعين وألف، كما أخبرني بذلك أخوه روح الأدب السيد علي بمكة المشرفة .
كذا ترجمه المحبي في [خلاصة الأثر] 1 : 494، وأثنى عليه صاحب [أمل الآمل] ص 7 وقال : عالم فاضل محقق مدقق ماهر أديب شاعر، كان شريكنا في الدروس عند
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسماه في إجازته للمولى محمد محسن بالأنوار البهية .
(2) ذكر منها المحبي في (الخلاصة) خمسة عشر بيتا .
جماعة من مشايخنا، سافر إلى مكة وجاور بها، ثم إلى مشهد الرضا عليه السلام ثم إلى حيدر آباد، وهو الآن ساكن بها، مرجع فضلائها وأكابرها، وله شعر كثير من معميات و غيرها، وله حواش وفوائد كثيرة، ومن شعره قوله :
قد نالني فرط التعب * وحالني من العجب
فمن أليم الوجد * في جوانحي نار تشب
ودمع عيني قد جرى * على الخدود وانسكب
وبان عن عيني الحمى * وحكمت يد النوب
يا ليت شعري هل ترى * يعود ما كان ذهب ؟
يفدي فؤادي شادنا * مهفهفا عذب الشنب
بقامة كأسمر * بها النفوس قد سلب
ووجنة كأنها * جمر الغضا إذا التهب
فذكر شطرا من شعره فقال : وقد كتبت إليه مكاتبة منظومة اثنين وأربعين بيتا أذكر منها أبياتا :
سلام وإكرام وأزكى تحية * تعطر أسماع بهن وأفواه
وأثنيته مستحسنات بليغة * تطابق فيها اللفظ حسنا ومعناه
وأشرف تعظيم يليق بأشرف * الكرام وأحلى الوصف منه وأعلاه
أقبل أرضا شرفتها نعاله * وأبدي بجهدي كل ما قد ذكرناه
من المشهد الأقصى الذي من ثوى به * ينل في حماه كل ما تيمنـّاه
إلى ما جد تعنو الأنام ببابه * فتدرك أدنى العز منه وأقصاه
وأضحى ملاذا للأنام وملجأ * يخوضون في تعريفه كلما فاهوا
فتى في يديه اليمن واليسر للورى * فلليمن يمناه ولليسر يسراه
جناب الأمير الأمجد الندب سيدي * جمال العلى والدين أيده الله
وبعد : فإن العبد ينهي صبابة * تناهت ووجدا ليس يدرك أدناه
ويشكو فراقا أحرق القلب ناره * وقد دك طود الصبر منه وأفناه
وإنا وإن شطت بكم غربة النوى * لنحفظ عهد الود منكم ونرعاه
وقد جائني منكم كتاب مهذب * فبدل همي بالمسرة مرآه
فلا تقطعوا أخباركم عن محبكم * فإن كتابا من حبيب كلقياه
وإني بخير غير إن فراقكم * أذاب فؤادي بالغرام وأصماه (1)
وأهدي سلامي والتحية والثنا * وألطف مدح مع دعاء تلوناه
إلى الأخوة الأمجاد قرة مقلتي * أحبه قلبي خير ما يتمناه
إلى أن قال :
إليكم تحيات أتت من عبيدكم * محمد الحر الذي أنت مولاه
وفي صفر تاريخه عام ستة * وسبعين بعد الألف بالخير عقباه
وأوعز إلى ذكره الجميل صاحب [روضات الجنات] ص 155 في ذيل ترجمة لسيد جمال الدين الجرجاني، وذكره ابن أخيه السيد عباس بن علي في [نزهة الجليس] وتوجد ترجمته في [بغية الراغبين] وفيه : إنه قرأ على أبيه وجماعة، وروى عن أبيه وعن جده لأمه الشيخ نجيب الدين .
وذكره القمي في [الفوائد الرضوية] 1 : 84، وجمع شتات ترجمته سيد الأعيان في الجزء السادس عشر ص 383 - 390
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أصمى الصيد : رماه فقتله مكانه .