الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي الحريري الشامي العاملي
الشيخ محمد بن علي بن أحمد الحرفوشي (2) الحريري الشامي العاملي .
عبقري مقدم من عباقرة العلم والأدب، وأوحدي من أساطين الفضيلة، لم يتحل بمأثرة إلا وأتبعها بالنزوع إلى مثلها، وما اختص باكرومة إلا وراقه أن يتطلع إلى ما هو أرفع منها، حتى عادت الفضائل والأحساب عنده كأسنان المشط، أو خطوط الدائرة المنتهية إلى مركزها، ورأيت أن أوسط من وصفه هو سيدنا المدني الشيرازي في سلافة العصر ص 315 قال : منار العلم السامي، وملتزم كعبة الفضل وركنها الشامي .
ومشكاة الفضائل ومصباحها، المنبر به مساؤها وصباحها .
خاتمة أئمة العربية شرفا عربا، والمرهف من كهام الكلام شبا وغربا .
أماط عن المشكلات نقابها، وذلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قرضاب : السيف القطاع .
(2) نسبة إلى آل حرفوش المنسوبين إلى جدهم الأعلى الأمير حرفوش الخزاعي الذى عقدت له راية بقيادة فرقة في حملة أبي عبيدة الجراح على بعلبك . أصلهم من خزاعة العراق . راجع أعيان الشيعة 5 : 448 .
صعابها وملك رقابها . وحل للعقول عقالها، وأوضح للفهوم قيلها وقالها . فتدفق بحر فوائده وفاض، وملأ بفرائده الوطاب والوفاض . وألف بتآليفه شتات الفنون، وصنف بتصانيفه الدر المكنون . إلى زهد فاق به خشوعا وإخباتا، ووقار لا توازيه الرواسي ثباتا . وتأله ليس لابن أدهم غرره وأوضاحه، وتقدس ليس للسري سره وإيضاحه . وهو شيخ شيوخنا الذي عادت علينا بركات أنفاسه، واستضأنا بواسطة من ضيا نبراسه . وكان قد انتقل من الشام إلى بلاد العجم، وقطن بها إلى أن وفد عليه المنون وهجم . فتوفي بها في شهر ربيع الثاني سنة تسع وخمسين وألف .
وترجم له شيخنا الحر العاملي في (أمل الآمل) (1) وأثنى عليه بقوله : كان عالما فاضلا أريبا ماهرا محققا مدققا شاعرا أديبا منشيا حافظا أعرف أهل عصره بالعلوم العربية .
قرأ على السيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي في مكة جملة من كتب الخاصة والعامة له كتب كثير الفوايد .
وأطراه شيخنا العلامة المجلسي في [بحار الأنوار] (2) بكلمة سيدنا صاحب السلافة المذكورة .
وعقود جمل الثناء عليه منضدة في صفحات المعاجم وكتب التراجم حتى اليوم، وقد فصلنا القول في ترجمته في كتابنا [شهداء الفضيلة] ص 118 وذكرنا هنالك في ص 160 : إن المترجم له قرأ عليه الشيخ علي زين الدين حفيد الشهيد الثاني، ويروي عنه السيد هاشم الاحسائي كما في (المستدرك) 3 ص 406 .
آثاره القيمة :
1 - طرائف النظام ولطائف الانسجام في محاسن الأشعار .
2 - اللآلي السنية في شرح الأجرومية، مجلدان .
3 - شرح شرح الكافيجي على قواعد ابن هشام .
4 - شرح شرح الفاكهي على القطر .
5 - شرح قواعد الشهيد قدس سره .
6 - شرح الصمدية في النحو .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المطبوع في آخر منهج المقال ص 452 .
(2) ج 25 ص 124 .
7 - شرح التهذيب في النحو .
8 - شرح الزبدة في الأصول .
9 - مختلف النحاة في النحو .
10 - رسالة الخال .
11 - ديوان شعره .
وقال صاحب (الأمل) بعد عد كتبه : ورسائل متعددة، رأيته في بلادنا مدة ثم سافر إلى أصفهان، ولما توفي رثيته بقصيدة طويلة منها:
أقم مأتما للمجد قد ذهب المجد * وجد بقلبي السوء والحزن والوجد
وبانت عن الدنيا المحاسن كلها * وحل بها لون الضحى فهو مسود
وسائلة ما الخطب راعك وقعه * وكادت له الشم الشوامخ تنهد ؟
وما للبحار الزاخرات تلاطمت * وأمواجها أيد وساحلها خد ؟
فقلت : نعى الناعي إلينا (محمدا) * فذاب أسى من نعيه الحجر الصلد
مضى فائق الأوصاف مكتمل العلى * ومن هو في طرق السري العلم الفرد
فكم قلم ملقى من الحزن صامت * فما عنده للصامتين له رد ؟
وطالب علم كان مغتبطا به * كمغتنم للوصل فاجأه الصد
لقد أظلمت طرق المباحث بعده * وكان كبدر التم قارنه السعد
فأهل المعالي يلطمون خدودهم * وقد قل في ذا الرزء أن يلطم الخد
لرزء (الحريري) استبان على العلى * أسى لم تكن لولا المصاب به يبدو
وشاعرنا (الحريري) مع أنه وليد مهد العروبة، ورضيع ثدي مجدها الموثل له في الأدب والقريض يد ناصعة، وفي علوم لغة الضاد تضلع وتقدم، قال سيدنا المدني و (السلافة) : له الأدب الذي أينعت ثمار رياضه، وتبسمت أزهار حدائقه وغياضه فحلا جناها لأذواق الأفهام، وتنشق عرفها كل ذي فهم فهام .
فمن مطرب كلامه الذي سجعت به على أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحا شيخه الشيخ شرف الدين الدمشقي سنة ست وعشرين وألف :
إذا ما منحت جفوني القرارا * فمر طارق الطيف يدني المزارا
فعلك تثلج قلبا به * تأجج وجدا وزاد استعارا
وأنى يزور فتى قد براه * سقام يمض ولو زار حارا ؟
خليلي عرج على رامة * لأنظر سلعا وتلك الديارا
وعج بي على ربع من قد نأى * لأسكب فيه الدموع الغزارا
فقلبي من منذ زم المطي * ترحل عني إلى حيث سارا
فهل ناشد لي وادي العقيق * عنه فإني عدمت القرارا ؟
بروحي رشا فاتن فاتك * إذا ما انثنى هام فيه العذارا
ولما رنا باللحاظ انبرت * قلوب الأنام لديه حيارا
ومن عجب إنها لم تزل * تعاقب بالحد وهي السكارا
وأعجب من ذا رأينا بها * انكسارا يقود إليها انتصارا
ولم أر من قبله سافكا * دماء ولم يخش في القتل ثارا
يعير الغزالة من وجهه * ضياء ويسلب منها النفارا
ويحمي بمرهف أجفانه * جنيا من الورد والجلنارا
تملكني عنوة والهوى * إذا ما أغار الحذار الحذارا
يرق العذول إذا ما رأى * غرامي ويمنحني الاعتذارا
ومن رشقته سهام اللحاظ * فقد عز برء وناء اصطبارا
حنانيك لست بأول من * دعاه الغرام فلبى جهارا
ولا أنت أول صب جنى * على نفسه حين أضحى جبارا
ترفق بقلبك واستبقه * فقد حكم الوجد فيه وجارا
وعج عن حديث الهوى وأقر عن * إلى مدح من في العلى لا يجارا
إمام توحد في المكرمات * ونال المعالي والافتخارا
وأدرك شأو العلى يافعا * وألبس شانيه منه الصغارا
سما في الكلام إلى غاية * وناهيك من غاية لا تبارا
مناقبه لا يطيق الذكي * بيانا لمعشارها وانحصارا
غدا كعبة لاقتداء الورى * وأضحى لباغي الكمال المنارا
إليه المفاخر منقادة * أبت غيره أن يكون الوجارا
هو البحر لا ينقضي وصفه * فحدث عن البحر تلق اليسارا
إذا أظلم البحر عن فكرة * توقد عاد لديه نهارا
يفيد لراجي المعالي على * ويمنح عافي نداه النضارا
وبكر تجرر أذيالها * إليك دلالا وتسعى بدارا
أتتك من الحسن في مطرف * تثنى قواما أبى الاهتصارا
تضوع عبيرا وتختال في * ملابس وشي أبت أن تعارا
تشكى إليك زمانا جنى * عليها بنوه وخانوا الذمارا
وهموا بإطفاء مقباسها * فلم يجدوا حين راموا اقتدارا
فباؤا بخفي حنين وقد * علاهم خسار ونالوا بوارا
وكيف وأنت الذي قد قدحت * زنادا ذكاها وأوريت نارا
فهاك عروسا ترجى بأن * يكون القبول لديها نثارا
ومنك إليك أتت إذ غدت * لها منشأ واضحا والنجارا
ودم واحد الدهر فرد الورى * تنال سموا وتحوي وقارا
مدى الدهر ما لاح شمس الضحى * وناوح بلبل روض هزارا
وواصل صبا حبيب وما * تذكر نجدا فحن ادكارا
وتوجد في (السلافة) من شعره مائة واثنان وعشرون بيتا غير ما ذكرناه، وورث فضائله ومكارمه ولده الفاضل الصالح الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي نزيل طوس (مشهد الإمام الرضا عليه السلام) والمتوفى بها سنة 1080 كما ذكره شيخنا الحرفي (الأمل) وقد قرأ على أبيه وغيره .