أسماء القزويني
أسماء القزويني
أسماء بنت العلامة الكبير السيد ميرزا صالح ابن العلامة الفقيه السيد مهدي القزويني الحلي .
تدعى بـ « سومة » ، وتعرف بـ« الحباية » ؛ تكريماً لمقامها الرفيع ومنزلتها الاجتماعية العالية .
تزوجت ابن عمها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني ، وأنجبت منه ابنتها ملوك ، والتي كانت أديبة فاضلة ، تأتي ترجمتها في حرف الميم .
كانت أسماء عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة باللغتين الفصحى والدارجة ، من ربات النفوذ الاجتماعي ، ذات عقل راجح ، ولها منزلة اجتماعية مرموقة ، يحترمها الجميع ، وكلمتها مسموعة وأمرها مطاع عند العشائر العراقية .
ولدت في الحلة الفيحاء حدود سنة 1283 هـ ، ونشأت في كنف والدها ، وكان للبيئة من نفسها أثر في بلورة ذهنيتها ، فالاجواء العلمية التي كانت تعيشها والمجالس الأدبية التي تعقد في مناسبات كانت توثر أثرها وتدفع بهذه الحرة للشعر والأدب . فلا تفوتها النادرة الأدبية ، أو الشاردة المستملحة ، فهي تكتب هذه ، وتحفظ تلك ، وتحدث بالكثير منها .
ثم ذكر بنتها ملوك قائلاً : كانت تتحدث عن امّها ، وكيف كانت واسطة لحل النزاعات العائلية ، فكثيراً ما قصدت العوائل المتنافرة ، ولطّفت الجو ، وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام .
وتتحدث عن اُمها ومكانتها الأدبية ، وتروي شعرها باللغتين الفصحى والدارجة .
واشتهر عن أسماء أنها تميزت بشخصية قوية ، وبأسلوب جميل في الحديث ، وكان مجلسها في الحلة عامراً بالمتأدبات وذوات المعرفة .
اُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعددة ، وتوفيت بعد سنة 1342 هـ ، ونقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرها الأخير ، وأقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء ، وسارع الشعراء إلى رثائها .
وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبية ، وهي كثيرة : كتبت إلى صديقة لها تعزيها بوفاة والدتها :
صبراً على نوب الزمان وإنما .. شيم الكرام الصبر عند المعضل
لا تجـزعي مما رُزيت بفادح .. فالله عودك الجميل فأجمـــلي
خطب نازل ، ومصاب هائل ، ورزية ترعد منها المفاصل ، وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ، ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ، ولا يفتدى بها بالطارف والتليد ، وعمّت كل قريب وبعيد . غير أن الذي أطفى لهيبها ، وسكن وجيجها التسليم للقدر والقضاء ، وانّك الخلف عمن مضى . فلم تفتقد من أنتِ البقية ، ولم تذهب من فيك شمائلها ، فذكراها بك لم تزل مذكورة ، وكأنها حية غير مقبورة . فلا طرقت بيتك الطوارق ولا حلّت بساحة ربعك البوائق ، ودمت برغم أنف الحقود ، لانرى فيك إلا ما يغيظ الحسود .
الرسالة الثانية التي كتبتها إلى شقيقها السيد هادي ؛ لنجاته من حادثة رعناء سنة 1328 هـ ، وكانت يومئذٍ في الحلة وهو في الهندية :
أ ( هادي ) دجــى الظلماء بنور جبينه .. وأحسابه يجلـوه إن أظلــم الخطــب
لقد أضــرم الاعــداء نـار حقودهم .. وما علموا في رشـح جودك قد يخبــو
غمام جود الوافدين إذا أمحل النادي ، وشمس صباح السارين وبدرها ( الهادي ) ، حفظك الله الرحمن من طوارق الأسواء بمحمد ( ص ) وآله النجباء .
أما بعد ، فنحن بحمد الله المتعال ما زلنا في السرور ، وما نزال ـ سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرور ـ من ذوي فضل عميم ، يشعر أن الله قد حباك بنعمته الوافية ، وخصك بسلامته الكافية ، ونجاك من هذه الرائعة ، فيالها من قارعة ، فحمدنا الله على ذلك ، وشكرناه على ما هنالك ، وإلا لتركت مقلة المجد عبرى ، ومهجة الفخر حرا ، وأحنيت على وجد منا الضلوع ، ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع ، وتمثلنا بقول من قال :
فديت بـ ( المحصول ) كي يفتدي .. أصلك محفوظاً بـآل الرســول
ثم قال السيد جواد شبر معلقاً على هذه الحادثة :
وسبب كتابة هذه الرسالة ( كما روى الخطيب السيد محمد رضا في مؤلفه : الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ص 64 في ترجمة السيد باقر بن السيد هادي المذكور ما نصه ) :
ان السيد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه ، تحدق به جريرة من الخيل ، منهم ولده السيد باقر وجماعة من خاصته وخدمه ، وأخوه المرحوم السيد حسن ، وكان الوقت صيفاً ، فانعقد المجلس في الفضاء بجنب المضيف من قصب .
فبينا الناس قد شغلوا بنصب الموائد ، وإذا بصوت الرصاص يُلعلع من فئة لها ثأر مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان على رأس السيد هادي خادم واقف يقاله له ( محصول ) فأصابته رصاصة فسقط على أثرها قتيلاً ، كما قتل ساقي الماء واُصيب آخرون ، ثم ثار الحي ومن كان مدعوا للوليمة ، فانهزم الغزاة راجعين . أما السيد هادي فقد ثبت في مكانه لم يتحرك ولم ينذعر .
وعندما رجع السيد هادي إلى بلاده سجد ولده السيد باقر شكراً لله على سلامة والده ، وكتب من فوره إلى عم أبيه في الفيحاء أبي المعزّ السيد محمد هذين البيتين :
بـشــراك في فاجعــة أخطأت .. ومـا ســوى جــدك خطاهــا
فـدت مقــاديــر إلـه الـورى .. أبـي و( مـحـصـول ) تلقـاهـا
فأجابه السيد يخاطب السيد هادي :
فديـت بـ ( المحصول ) كي يفتدى .. أصلـك محفـوظاً بـآل الرســول
والمثل الســار بيــن الــورى .. خير من المحصول حفظ الأصول (1)
-
(1) أدب الطف 9 : 86 ، وانظر مستدركات أعيان الشيعة 3 : 32 ، مجلة الموسم العدد 12 صفحة 373