الشيخ محمد رضا النحوي
توفي 1226
ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر ـ الحلي النجفي مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في النجف على عهد آية الله السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، جمع إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط العلمية والادبية، وهو أحد الفطاحل الخمسة ين كان يعرض السيد الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة بـ «الدرة» إبان نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من أبطال «وقعة الخميس» التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية المخطوطة.
كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة، وشعره رصين البناء متين الأسلوب وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.
درس المبادىء من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده الشيخ أحمد ـ المتقدم ذكره ـ والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا «النجفي» ويحتمل أن أصل الكلمة «النحوي» وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد «قد غاب مهديها جداً وهاديها ـ1312 ونقل ذالك عن السيد صدر الدين العاملي . وكان ابوه يمرنه على النظم ـ كما مرن البازي كف الملاعب ـ ويقحمه في تلك المضامير الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر ولحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نضمها اباه وهو يافع حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعت اعوام فقال الوالد لولده :(انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : (او برق غيث همى بمنبجس ) ثم شرع كل منهما بأجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو الشيخ احمد بقوسين وما هو غفل منها ـ فهو لولده الرضا :
(أنظر إلـيها تلوح كالقبس) أو بـرق غيث همـى بمنبجس
(أو غرة السيـد الإمام أبي الأطهار من قد خلا من الدنس)
يا حبـذا بقعـة مبـاركـة فاقـت بتقديسهـا على قـدس
(شاهدت فيها بدر التمام بدا فقلـت نور الإلـه فاقـتبس )
يهـدي البرايا و نور حكمته يجلـو سنـاه غيـاهب الغلس
(إن فاه نطقي بغير مدحته أبـدلني الله عنـه بالخـرس)
مـن قام للضـد فيه مأتمه و أصبح الطير منه في عرس
( سل عنه بدراً فكم بحملتـه من طـائح رائح و مرتكـس)
هذا عن السرج خـر منجدلا و ذا قضى نحبه على الفـرس
(و أصبح البر وهو بحـر دم فما جرى سـابح على يـبس)
يفتـرس الأسـد و هي شيمته كم فارس و هو غير مـفترس
(جدد رسم الهدى و قد طمست أعـلامه فهو غيـر منطمس)
يكفيك فخراً ما جاء في خبر الطائر صدق الحديث عن أنس
(غليك وجهت همتي فـعسى أبـدل حظـاً بـحظي التعس)
واجتازا على غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم:
و رب ظـبـي مـروع يروع في الهجر روعي
ذلت له الخشـب طوعا كـذلـتي و خـشوعي
فقلـت يا ريـم مـاذا تبـغي بـهذا الصنيـع
فـقـال أبـغي سفينـا لـرحـلتي و رجـوعي
فـقلت دونـك فاصنع سـفينة من ضلـوعي
شـراعها من فـؤادي و بحـرها من دموعـي
وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا ثانياً ـ ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً بـ «الولد الأكرم» وطوراً ينعته بـ «الأديب العارف الكامل» وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (70) بيتاً لتشاهد اللوعة والحزن العميق في رثائه (الصادق):
خـليلي عـوجا بالديـار وسلمـا وحـوما معي طيرا على ذلك الحمى
ألمـا معي نقضي حقوقـاً تقدمت فمـا نصف أن تسلمـاني وتسلمـا
فـحلا عزالي الدمع فيهـا وأرخيا وإن كان ما بي من جوى ليس فيكما
خـليلي ثوبا عن دمـوعي بسقيها فعيني إذا استقطرتهـا قطرت دمـا
سلاهـا دنو الدار ممن نأت بهـم عسى وطن يدنـو بهم ولعلمـا
لعـل الليالي أن تعـود كما بـدت وأن تعتب الأيام فيهم وربما
سـلاها سقاها الله مـا بال أفقهـا و قد أزهر الأكـوان أصبح مظلمـا
وغاضت بحار العلم فيها وقد طمت عبابا و قد سامت بأمواجهـا السمـا
هـوى قمر الأقمـار من آل هاشم فأظلـم ذاك الـحي فيهـم وأعتمـا
أصم به الناعـي ذوي السمع لانعى وأخـرس فيـه النـاطقين وأبكمـا
فيـا نائياً لـم ينأ عنا وإن رمـت بـه مزعجـات البين أبعد مـرتمى
بـرحت وما بارحت خطرة خاطر وبنت و مـا باينت مـن ذكره فمـا
شطرت عليك العمر شطرين عبرة تجيـش بجاريهـا و وجداً تضرمـا
سأستغرق الأحوال فيك ولم أقـل إلى الحـول ثم اسم السلام عليكما
ويا والـداً ربيـب دهـراً ببـره و من بعدمـا ربى وأحسـن أيتمـا
لساني عصاني في رثائك محجما وعهدي بـه إن أحجم القرن مقدمـا
وكـان إذا جـالت قـداح مياسر عـلى خطباء الـقوم فيك المتممـا
فـأنت الذي فـللت حـد غـراره و كان جرازاً يأكـل الغمـد مخذمـا
و لولا الذي بي منك شعشعت أفقها شموسـاً و صيـرت القـوافي أنجما
وهـا أنا ذا قـدمت ما ليس ينبغي لمثــلك عـذر إليــك تـقدمــا
لئن كـان عن فكـر عليل معبـراً فـقد جـاء عن ود صحيح مترجمـا
سقى عهدك المعهود بالصدق والوفا سماء من الرضوان ما دامت السما
و لا بـرحت تعتـاد مثواك بالثنـا مـلائكـة الـرحمـن فـذا و توأمـا
و لا زايلت تلك الريـاض مودعـا مـن الـودق نضاخ الحيـا ومسلمـا
فيـالك رزء جـب مـن آل غالب سـنـامـا لآفـاق البـلاد تـسـمـا
لـوى من لوي حيث كانت لواءهـا وهـد ذرى عليـا قـريش وهـدمـا
ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه:
فتى قرن الـباري سلامـة خلقـه وصحتهـم في أن يـصح ويسلمـا
هـو الخلف المهدي بورك هاديـاً و بـورك مهديـا إذا النهج أبهمـا
تكفـل بـالأيتـام فـهو لهـم أب و حـامى عن الإسلام فهو له حمى
فـتى كلمـا أبدى الجميل أعـاده و إن صنع المعروف زاد وتمـّمـا
عـزاء و إن عـز العزاء و سلوة عليـه و إن خلت السلـو محرمـا
فما العمر ما عاش الفتى غير طائف أطـاف كـرجع الطرف ثم تصرما
و مـا هـذه الأيـام إلا بــوارق ألقن غروراً أو هي الـركب هوّمـا
و ما كان هذا الـعيش إلا صبابـة تـمر لمـاضـا أو خـيالاً مسلمـا
و عـزاك من عـزاك عنه مؤرخا على الصادق الود السما أمطرت دما
وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ ضمن رسالة:
يكلفني صحبي القريض و إنما تجنبت عنـه لا لـعجز بـدا مني
ألم يعلموا أن الكمـال بأسـره غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني
ألم تر مولانا الرضا نجل أحمد إذا قال شعراً لم يحكم سـوى ذهني
عـلى أنه للفضل قطب وللنهى مـدار وفي الآداب فـاق ذوي الفن
غدا في الورى رباً لكل فضيلة وحاز جميل الذكـر في صغر السن
فأجابه النحوي على الروي والقافية:
ألا أيها المولى الذي سـار ذكـره مسير الصبـا قـد عبقت سائر المدن
و من كلمـا اعتاصت و ندت عويصة و أعيـت علـى الأفهام كان لها مدني
إذا نحـن أثنـيـنا علـيـك فإنمـا يعـود عليـنـا مـا عليـك به نثني
و نعنيك بالذكـر الجمـيل فيـنتـهي إلينـا كـأنـا فيـه أنفسـنا نعـنـي
أتانـي نظـام منـك ضمـن ألوكة يفوق نظام الدر في النظـم و الحسـن
نظمت الـنجوم الزاهرات قـلائـداً وقلـدتنـيهـا منـك منـا بـلا مـن
ألذ على الأسماع من مطرب الغنـا و أحلى على ذي الخوف من وارد الأمن
فكـان سروري عـند كل مسـاءة أسـري به همي و أجلـو بـه حزني
و كان دليـلي حيث ضلت مسـالكي عـلي و مصبـاحي بكـل جدى دجن
فخذهـا كمـا تهوى نسيجة وحدها مقدرة في السـرد محكـمة الوضـن
عـلى انها لم تحـك دراً نظمتـه و إن شاكلـته في الروي و في الـوزن
وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة:
وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم و قل يا نبعة نبعت من (أحمد) الزاكي
و يـا ذبالتـه مـن نـوره اتـقدت و نفحة نفحت من عرفـه الذاكي
مـلكتـم النظـم والنثر البديـع و كم سمـا لدعـواه قـوم غير ملاك
و كـم لكـم آيـة غـراء بـان بها نهـج الـهدى لم تدع شكا لشكاك
والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر الله الحائري اشترك فيها النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير «معركة الخميس» وقد أثبتها سيدنا الأمين في الـ ج 11 من الأعيان، وهنأه صديقه ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر ـ جد الأسرة الحيدرية في بغداد والكاظمية ـ بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان ـ منها ـ :
قد جد في مسيرة حتى هوت شوقـا إلـى طوس به مطيه
و زار فيها قبر قدس قد ثوى فيه ابن موسى المجتبى «عليه»
نـال مـن الله الرضا زائره لا سيما الشيخ «الرضا» سميه
(كميت) هذا العصر (بحترية) (طائيـه) (كنـديه) (رضيه)
فلـو أتـى سحبان في زمانه لبـان مـا بيـن الأنـام عيه
أنـى يبـارى و أبوه «أحمد» الفضل إمـام الشعـر بل نبيه
الطاهر الأخلاق و الذات الذي مـن بـاهـر الفضل له جليه
أعاد ميت الفضل حياً بعدها طبـق أقطـار الفـلا نعيـه
وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله:
ذكـرت لياليـاً سلفـت بجمع فبت لذكـرها شرقاً بدمعي
و أذكـر من نسيـم رياض نجد معاهـد جيـرة نزلوا بسلع
و أومض بارق في الجزع وهناً يترجم عن قلوب ذات صدع
و غـرد طـائـر يملـي حديثاً فعذب خاطري و أراح سمعي
بجمـع لـو تعطفـتـم قلوب تبدد شملهـا من بعد «جمع»
فمنـوا واصليـن عقيـب هجر و جودوا منعميـن عقيب منع
وقال:
آه من محنتي ومن طول كربي وعنائي إذا تـذكـرت صحبي
كلما استـوقـد الغـرام بلـبي صحت في لوعتي وحرقة قلبي
الحريق الحريق حقاً وربي
ذبـت حتى رثى لـي العـذال مـذ رأوني أضر بي الاشتعال
حاولـوا بـرأه و ذاك محـال فاتـوا بالميـاه نحوي وقالـوا
اين هذا الحريق قل بقلبي
و له:
صحا من خمار الشوق من ليس وجده كوجدي و قلبي من جوى البين ما صحا
و عـاد غـرامـي فيكـم مثلـما بدا و أمسى هيامـي مثـلـما كـان أصبحا
أطعـت غـرامـاً فـي هواكم و لوعة و خالفـت عـذالاً عليـكـم ونـصحـا
ألا فليلم في الحب من لام و الهـوى أبيـّاً عـلى اللـوام و ليلـح مـن لحـا
و كم قد سترت الحب و الدمع فاضحي و مـا جـرت العينـان إلا لتفـضحـا
و كنيت عنكـم إن خطرتم بغيركـم و غـالبني الشـوق المـلـحّ مصرحـا
و صرت بنـوحي للحمـام مجاوبـا إذا هتفـت و رقـاء في رونـق الضحى
فتدعو هديـلا حين أهتف باسمكـم كلانـا بـه الـوجـد المبـرح برحـا
و ما وجدت وجدي فتغتبـق الجوى و تصطبح الأشجـان ممسى و مصبحـا
و لو صدقت بالنوح ما خضبت يداً و لا اتخذت في الروض مسرى و مسرحا
و لي دونها إلـف متى عن ذكـره نحـاني لذكـراه مـن الوجـد مانحـا
إذا ما تجاهشنا البكـا خيفـة النوى وجدنـا بـدمع كـنت أسخى و أسمحـا
فيا غائبـا ما غـاب عني و نـاز عـلى بعـده مـا كـان عني لينزحـا
تقربك الذكرى على القرب و النوى و بـرح جوى مـا كـان عني ليبرحـا
فأنت معي سـراً و إن لم تكن معي جهـاراً فمـا أدنـاك مـني و انزحـا
وكتب إلى صديق له:
سلام عليكـم و المفـاوز بيننـا وبالرغـم مني من بعيـد مُسلّم
فإن لم يحثـّني بالسلام كتابكـم فـإني راضٍ بالسـلام عليكـم
أأحبابنا و المرء يا ربما ارعوى و أغمض والأحوال عنه تترجم
ألفناكـم و الشوق يلعب بالحشا و يبدي الذمي يخفي الضمير و يكتم
و عشنا بكم والعيش غض نباته رقيق الحـواشـي ناعم البرد معلم
إذ الظـل دان والأحبـة حيرة و دهـري سلـم و الحـوادث نـوم
(و لمـا أنسنـا منكم بخلائق) هي الروض غب القطر ساعه ينجم
و فزنا بأفعـال كما رويت لنا ( تصدق ما تروي الخلائق عنكـم )
(تباعدتم لا أبعـد الله داركم) و قوضتـم والـذكـر منكـم مخيم
و فارقتـم لا قـدر الله فرقة (و أوحشتـم لا أوحـش الله منكـم)
و له:
أقـول و للهـوى ولع بروح أبت إلا التردد في التراقي
بنفسي الجيـرة الغادين عني و وجدهم كوجدي و اشتياقي
ألا يا يـوم فـرقتنـا رويداً فلست إلى تلاقينـا ببـاقي
و وقفنا موقف التوديع سكرى و لا كأس تدار بكـف ساقي
أحب نوى يكـون بـه وداع و إن كان النوى مـر المذاق
نـودعكـم أحبـتنـا فـإنـا نرى أن لا سبيل إلى التلاقي
وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة:
أسكـان فيحـاء العواق ترفقوا بمهجـة صـب بالغرام مشوق
و لا تقطعوا كتب الموده و الرضا فقد خانني في الحب كل صديق
وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة:
عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع و شكوى لهاصم الصخور تصدع
و ما كـان هـذا العتـب إلا تعللاً فلم يبـق في قوس الأماني منزع
هو الدهر عرنين المخازي بنحسه أشـم و عرنيـن المكارم أجـدع
فلاذو المساعي بـ (الرضا) منه فائز و لا ذو الحجـا بالعيـش منـه ممتع
أفـي الحق ـ لويرعون للحق ذمة ـ أبيـت ولـي حق لديـكـم مضـيع
أأمنع شـرب المـاء و البحـر زاخر و أحمى ارتياد النبت و الروض ممرع
أعــز كـتـاب أم تبـرم كـاتـب و أعوز قـرطـاس أم أعتـل مهيع
على أنـني لا أدعـي نقـص خلـة و لكنـه حـظ بـه النـقـص مولع
فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه وأجاب بها السيد:
أتانـي مـن المـولى كتاب بطيه عتاب بـه سمع الصفا الصلـد يقرع
فها أنا ذو بث يلـيـن له الحصى و شكـوى لها صم الصخور تصـدع
و كنت أمني النفس بالصفح و الرضا فلم يبـق فـي قـوس الأماني منزع
هو الشهم أنـف اللـؤم لولا آباؤه أشم و عـرنيـن المكـارم أجــدع
عتاب فـلا ذو اللـب يملـك لبه و لا ذو الحـجـا بالعيـش منه ممتع
فتـى لـم يضع حقاً فحقـاً مقاله أبيـت و لـي حق لـديكـم مضيـع
أخاف إذا لم يعـف أظمأ في الروا و أحمى ارتياد النبت و الروض ممرع
و لا عذر لي إن قلت قد عز كاتب و أعـوز قـرطـاس أم اعـتل مهيع
و ما كان تركي الكتب تـركا لوده و لكنه حـظ بـه النقـص مـولـع
وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض:
لقد مرضت فأضحى الناس كلهم مرضى و لولاك ما اعتلوا او لامرضوا
و مذ برئت من الأسقام قد برئوا فمنك فـي حالتيـك البـر والمـرض
وله في مرض السيد بحر العلوم :
و لما اعتللت غدا العالمون و كـل عليـل جفـاه الوساد
فلا غرو إن لم يعودوك إذ مرضت فمن حقهم أن يعادوا
وقال أيضاً:
لقد مـرض النـاس لما مرضت و ما ذاك بدعـاً نـراه جليلاً
حللـت مـن العالميـن القـلوب فلا شخص إلا و أمسى عليلا
ورأيت في الجزء الرابع من (سمير الحاضر) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف الغطاء.
و مذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى
وله:
فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى
وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة:
و قالـوا أصابتـه و حاشا علاءه قشعريرة مـن ذلـك الألـم الطـاري
و ما علموا أن تلك من قبل عادة تعودها ـ مذ كان ـ من خشية الباري
وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني:
أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم و شطوا فأمسى و هو رهن لديهم
فما برحوا في القلب في حاليتهم و من عجب انـي أحـن إليهم
و أسأل عن أخبارهم وهم معي
عجبت لنفسي بعدهم واتحادها بهم تشتكي منهم أليم بعادها
تتوق لهم روحي وهم في فؤادي و تطلبهم عيني و هم في سوادها
و يشتاقهم قلبي و هم بين أضلعي
وقال مشطراً لنفس البيتين:
(و مـن عجـب أنـي أحن اليهم) و هم حيث كانوا من حشاي بموضع
و استنطق الأطـلال أيـن ترحلوا (و أسأل عن أخبارهـم و هـم معي)
(و تطلبهم عيني و هم في سوادها) و يهفو لهم سمعي و هم ملء مسمعي
و تصبو لهم نفسي و في نفسي هم (و يشتاقهم قلبي و هـم بين أضلعي)
وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس:
قد مرضت (رحمة) فكل عــج إلـى الله و الأئمـة
فعـافهـا ربنـا سريعاً «و هب لنا من لدنك رحمة»
وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى «عبدالرحمن»
تطهر موسـى بالختان و إنه فتى طـاهـر مـن طـاهـر متطهر
و ما كان محتاجاً لذاك و انما جرت سنة الهادى النبـي المطـهـر
هنالك قد أنشدت فيه مؤرخا لقد طهر (الرحمن) (موسى بن جعفر)
وقال مؤرخاً ولادة الشيخ حسن صاحب (انوار الفقاهة) أصغر انجال الشيخ الأكبر كاشف الغطاء من أبيات:
أهلاً بمولود له التاريخ ـ قد أنبته الله نباتاً (حسناً) ـ
1201هـ
وله يؤرخ ولادة العلامة السيد رضا سليل آية الله بحر العلوم:
بشرى فان الرضا بن المرتضى ولدا و انجز الله للاسـلام مـا وعـدا
حبا بـه الله مهـدي الـزمان فيـا له هدى متبعاً مـن ربـه بهـدى
قد طاب أصلا و ميـلاداً و تـربيـة لذاك أرخت (قد طاب الرضا ولدا)
1189 هـ
وقوله في آخر قصيدته التي رثى فيه السيد سليمان الكبير يؤرخ عام وفاته
و تسعة آل الله وافوا و أرخوا سليمان أمسى في الجنان مخلداً
1211 هـ
ولا يخفى حسن التورية فيه فان مادة التاريخ تنقص في العدد (تسعة) فاكملها بتلك الجملة الظريفة مشيراً إلى عدد أسماء الأئمة من ذرية الحسين عليه السلام الذين ذكرهم ابن العرندس بقوله:
و ذرية درية منه تسعة أئمة حق لا ثمان و لا عشر