ابو محمد : عبدالله بن عمار البرقي
ابو محمد عبدالله بن عمار البرقي
قتل سنة 245 هـ وذلك أنه وشي به الى المتوكل العباسي وقرأت له قصيدته النونية الشهيرة التي قالها في أهل البيت عليهم السلام والتي اولها:
ليس الوقوف على الاطلال من شاني.
الى ان يقول:
فـهو الذي امتحن الله القلوب iiبه عـما يـجمجن من كفر iiوإيمان
وهو الذي قد قضى الله العلي iiله أن لا يـكون له في فضله iiثاني
وإن قـوماً رجـوا إبطال iiحقكم أمسوا من الله في سخط وعصيان
لـن يـدفعوا حـقكم إلا iiبدفعهم مـا أنـزل الله مـن آي iiوقرآن
فـقلدوها لاهـل الـبيت إنـهم صـنو النبي وانتم غير iiصنوان
فأمر المتوكل بقطع لسانه وإحراق ديوانه. ففعل به ذلك، فمات بعد ايام.
ذكر الخوارزمي وابن شهراشوب وغيرهما، وفي الطليعة: سماه في المعالم: علي بن محمد، وكناه ابا عبدالله وليس به، كما ذكره الخوارزمي في رسالته لاهل نيشابور والثعالبي والحموي كان شاعراً اديباً ظريفاً مدح بعض الامراء في زمن الرشيد الى أيام المتوكل، وأكثر في مدح الائمة الاطهار حتى جمع له ديواناً أكثره فيهم وحرق.
حدث حماد بن اسحاق عن أبيه قال قلت في معنى عرض لي: (وصف الصد لمن أهوى فصد) ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكراً في الاجازة فلم يتهياً لي شيء، فدخل علي عبدالله بن عمار فاخبرته فقال مرتجلا (وبدا يمزح في الهجر فجد) انتهى عن الاعيان ج39 ص 24.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 284
مرت في الجزء الثاني ترجمة السري الرفاء الموصلي مقتضبة مختصرة وإتماماً للفائدة نضيف اليها ما يلي:
قال الثعالبي في اليتيمة ج2 ص 117:
السري وما ادراك من السري لله دره ما أعذب بحره وأصفى قطره وأعجب أمره وقد اخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر فكتبت منه محاسن كأنها أطواق الحمام.
ولما جد السري في خدمة الادب وانتقل عن تطريز الثياب الى تطريز الكتاب، شعر بجودة شعره ونابذ الخالدين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره، وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد، والسري في طريقة يذهب وعلى قالبه يضرب، وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعرا لخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه، وينفق سوقه، ويغلي سمره، ويشنع بذلك على الخالديين، ويغض منهما، ويظهر مصداق قوله في سرقتهما، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الاصول المشهورة منها، وقد وجدتها كلها للخالديين بخط أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرسوسي ببغداد أبا نصر سهل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه، ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم، ورأيت فيها أبياتاً كتبها أبوعثمان لنفسه ، وأخرى كتبها لأخيه، وهي بأعيانها
أدب الطف ـ الجزء الثالث 285
للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر، فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ:
يـا من أنامله كالعارض iiالساري وفـعله أبـداً عـار مـن العار
أمـا ترى الثلج قد خاطت iiأنامله ثـوباً يـزر على الدنيا iiبأزرار
نـار ولـكنها لـيست iiبـمبدية نـوراً وماء ولكن ليس iiبالجاري
والراح قد أعوزتنا في iiصبيحتنا بـيعاً ولـو وزن ديـنار iiبدينار
فامنن بما شئت من راح يكون لنا نـاراً فـانا بـلا راح ولا iiنـار
ومن قوله أيضاً:
ألـذ الـعيش إتيان iiالصبيح وعصيان النصيحة والنصيح
وإصـغاء إلـى وتر iiوناي إذا نـاحا عـلى زق iiجريح
غـداة دجـنة وطفاء iiتبكي إلى ضحك من الزهر iiالمليح
وقد حديت قلائصها الحيارى بـحاد من رواعدها iiفصيح
وبـرق مثل حاشيتي iiرداء جـديد مذهب في يوم iiريح
وقال من قصيدة هجا بها أبا العباس النامي، ويحكى انه كان جزاراً بالمدينة:
أرى الـجزار هيجني iiوولى فكاشفني وأسرع في انكشافي
ورقـع شعره بعيون iiشعري فـشاب الشهد بالسم iiالذعاف
لـقد شقيت بمديتك iiالأضاحي كـما شقيت بغارتك iiالقوافي
تـوعر نهجها بك وهو iiسهل وكدر وردها بك وهو iiصافي
فـتكت بـها مثقفة iiالنواحي عـلى فـكر أشد من الثقاف
لها أرج السوالف حين iiتجلى على الأسماع أو أرج السلاف
أدب الطف ـ الجزء الثالث 286
جـمعن الـحسنين فمن iiرياح مـعـنبرة وأروح iiخـفـاف
وما عدمت مغيراً منك iiيرمي رقـيق طباعها بطباع iiجافي
مـعان تـستعار من nbsp;الدياجي وألـفاظ تـقد من iiالأثافي(1)
كـأنك قـاطف مـنها iiثماراً سـبقت الـيه إبـان iiالقطاف
وشـر الـشعر مـا أداه iiفكر تـعثر بـين كـد iiواعتساف
سأشفي الشعر منك بنظم iiشعر تبيت له على مثل الاشافي(2)
وأبـعد بـالمودة عنك iiجهدي فـقف لي بالمودة خلف iiقاف
قال الثعالبي: وما أراني أروى أحسن ولا اشرف ولا أعذب ولا ألطف من قوله:
قـسمت قـلبي بـين الـهم iiوالكمد ومـقلتي بـين فيض الدمع iiوالسهد
ورحـت في الحسن أشكالا iiمقسمة بـين الـهلال وبين الغصن والعقد
أريـتـني مـطراً يـنهل iiسـاكبه مـن الـجفون وبـرقاً لأح من برد
ووجـنة لا يـروي مـاؤها iiظميء بـخلأ وقـد لـذعت نيرانها iiكبدي
فـكيف أبقي على ماء الشئون iiوما أبقى الغرام على صبري ولا جلدي؟
وقال ولا توجد في الديوان المطبوع
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج لأرتـك سـالفتي غـزال iiأدعج
أرعـى الـنجوم كأنها في افقها زهر الاقاحي في رياض iiبنفسج
والـمشتري وسط السماء iiتخاله وسـناء مثل الزيبق iiالمترجرج
مـسمار تـبر أصـفر iiركـبته فـي فـص خاتم فضة iiفيروزج
(1) الاثافي: حجارة توضع عليها القدور، واحدها أثغية بضم الهمزة وياؤها مشددة،
(2) الاشافي: جمع إشفي، وهو المثقب يخرز به النعال.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 287
وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى مـيلان شـارب قهوة لم iiتمزج
وتـنقبت بـخفيف غـيم iiأبيض هـي فـيه بـين تخفر iiوتبرج
كـتنفس الـحسناء في المرآة iiاذ كـملت مـحاسنها ولـم iiتتزوج
ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله:
بـلاني الحب منك بما iiبلاني فشأني أن تفيض غروب شأني
أبـيت الـليل مـرتفقاً iiأناجي بـصدق الوجه كاذبة iiالأماني
فـتشهد لي على الأرق الثريا ويـعلم مـا أجـن iiالـفرقدان
إذا دنـت الـخيام بـه iiفأهلا بـذاك الـخيم والخيم iiالدواني
فـبين سـجوفها أقـمار iiتـم وبـين عـمادها أغصان iiبان
ومـذهـبة الـخدود iiبـجلنار مـفضضة الـثغور iiبأقحوان
سـقانا الله مـن ريـاك ريـاً وحـيانا بـأوجهك iiالـحسان
سـتصرف طاعي عمن نهاني دمـوع فيك تلحى من iiلحاني
ولـم أجـهل نصيحته، ولكن جنون الحب أحلى في iiجناني
فـيا ولـع العواذل خل iiعني ويـا كف الغرام خذي iiعناني
وقال:
قـامت وخوط iiالبانة الـمياس في iiأثوابها
ويهزها سكران: iiسك ر شـرابها iiوشبابها
تسعى بصهباوين من الـحاظها iiوشـرابها
فـكأن كأس iiمدامها لـما ارتدت iiبحبابها
تـوريد وجـنتها إذا مـا لاح تحت iiنقابها
أدب الطف ـ الجزء الثالث 288
وقوله في العتاب:
لـسانك الـسيف لا يـخفى له أثر وأنـت كـالصل لا تـبقي ولا iiتذر
سـري لـديك كأسرار الزجاجة iiلا يخفى على العين منها الصفو والكدر
فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار iiله فـللزجاجة كـسر لـيس iiيـنجبر
وقال في مثل ذلك:
أروم مـنك ثـماراً لـست اجنيها وأرتـجي الـحال قد حلت أواخيها
اسـتودع الله خـلا مـنك iiأوسعه وداً ويـوسـعني غـشاً iiوتـمويها
كـأن سـري فـي أحـشائه iiلهب فـما تـطيق لـه طـياً iiحواشيها
قـد كـان صدرك للأسرار iiجندلة ضـنينة بـالذي تـخفي iiنواحيها
فصار من بعد ما استودعت جوهرة رقـيقة تـستشف الـعين ما iiفيها
وقال من قصيدة:
لا تأنفن من العتاب وقرصه فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا
ما أحرق العود الذي أشممته خطأ ولا غـم البنفسج بـاطلاً
وقال يذكر ليلة بقطربل ويصف الشمع:
كـستك الـشبيبة iiريعانها وأهدت لك الراح iiريحانها
فـدم لـلنديم عـلى iiعهده وغـاد الـمدام iiونـدمانها
فقد خلع الأفق ثوب الدجى كما نضت البيض أجفانها
وسـاق يـواجهني iiوجهه فـتجعله الـعين iiبستانها
يـتوج بالكأس كف iiالنديم إذا نـظتم الـماء iiتيجانها
فـطوراً يـوشح iiياقوتها وطـوراً يـرصع عقيانها
أدب الطف ـ الجزء الثالث 289
رمـيت بـأفراسها iiحـلبة مـن اللهو تـرهج iiميدانها
وديـراً شـغفت iiبـغزلانه فـكـدت أقـبل iiصـلبانها
فـلما دجـى الـليل iiفرجته بـروح تـحيف iiجـثمانها
بـشمع أعـير قدود iiالرماح وسـرج ذراهـا وألـوانها
غصون من التبر قد أزهرت لـهـيباً يـزيـن iiأفـنانها
فيا حسن أرواحها في iiالدجى وقـد أكـلت فـيه iiأبـدانها
سـكـرت بـقطربل iiلـيلة لـهوت فـغازلت iiغزلانها
وأي لـيالي الهوى iiأحسنت إلــي فـأنكرت iiإحـسانها
وقال يصف طبيباً بارعاً:
بـرز ابـراهيم فـي iiعلمه فـراح يـدعى وارث iiالعلم
أوضح نهج الطب في iiمعشر مـا زال فـيهم دارس iiالرسم
كـأنه مـن لـطف iiأفـكاره يـجول بـين الـدم iiواللحم
إن غضبت روح على جسمها أصـلح بـين الروح والجسم
وقال:
هل للعليل سوى ابن قرة iiشافي بـعد الإله؟ وهل له من iiكافي؟
أحـيا لـنا رسم الفلاسفة iiالذي أودى وأوضح رسم طب عافي
فـكأنه عـيسى بن مريم iiناطقا يـهب الحياة بأيسر iiالأوصاف
مـثلت لـه قارورتي فرأى بها مـا اكتن بين جوانحي وشغافي
يـبدو لـه الداء الخفي كما iiبدا للعين رضراض الغدير الصافي
قال السيد الامين في الاعيان ج 34 ص 35.
العلم والادب يرفعان الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره
أدب الطف ـ الجزء الثالث 290
وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند أهل العقل وان رفعه ذلك عند اهل الجهل مثله، فأبو تمام الذي كان اول أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه وأدبه الى معاشرة الملوك والامراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار يستقل الف دينار يجيزه بها عبدالله بن طاهر فيفرقها على من ببابه ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطي من الحظ ما لم يعطه كتاب، والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفو والتطريز عند أحد الرفائين باجر زهيدة وعيش ضنك الى مدح الملوك والوزراء والامراء فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ولا شك ان للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والادب أعظم رواج وكثر رائده وانتشر طالبوه وزهت رياضة وتفتحت اكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء من عطاياهم الفياضة، والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والادباء ما لم يتفق لغيره ويتلوه امراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم النفيسة وفيهم يقول من قصيدة:
والـحمد حـلي بني حمدان iiنعرفه والـحق أبـلج لا يـلقى iiبـانكار
قـوم اذا نـزل الـزوار iiسـاحتهم تـفـيؤا ظــل جـنات iiوأنـهار
مـؤمـرون اذا ثـارت iiقـدومهم أفضت الى الغاية القصوى من الثار
فـكل أيـامهم يـوم الـكلاب iiاذا عـدت وقـائعهم أو يـوم ذي قار
وقال في اعيان الشيعة ج 34 ص 98 عن ملحق فهرست ابن النديم ص 6 كان السري الرفاء جاراً لابي الحسن علي بن عيسي الرماني بسوق العطش وكان كثيراً ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه يستدعيه الى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه أنشد (وليست في الديوان المطبوع) .
أدب الطف ـ الجزء الثالث 291
أقــارع أعـداء الـنبي iiوآلـه قـراعاً يـفل البيض عند iiقراعه
وأعـلـم كـل الـعلم أن iiولـيهم سيجزى غداة البعث صاعاً بصاعه
فـلا زال مـن والاهـم في iiعلوه ولا زال مـن عاداهم في iiاتضاعه
ومـعـتزلي رام عـزل iiولايـتي عـن الشرف العالي بهم iiوارتفاعه
فما طاوعتني النفس في أن iiأطيعه ولا أذن الـقرآن لـي في iiاتباعه
طبعت على حب الوصي ولم يكن لـينقل مطبوع الهوى عن iiطباعه
وقال من قصيدة في الغزل:
أجـانبها حـذاراً لا iiاجـتنابا واعـتب كي تنازعني iiالعتابا
وأبـعد خـيفة الواشين iiعنها لـكي ازداد في الحب iiاقترابا
وتـأبى عـبرتي الا iiانسكابا وتـأبى لـوعتي إلا iiالـتهابا
مـررنا بـالعقيق فكم iiعقيق تـرقرق فـي محاجرنا iiفذابا
ومـن مغنى جهنا الشوق iiفيه سـؤالا والـدموع لـه جوابا
وفي الكلل التي غابت شموس إذا شـهدت ظلام الليل iiغابا
حـملت لهن أعباء iiالتصابي ولـم أحمل من السلوان عابا
ولـو بعدت قبابك قاب iiقوس مـن الـواشين حيينا iiالقبابا
نـصد عن العذيب وقد رأينا عـلى ظـمأ ثـناياك العذابا
تـثني الـبرق يذكرني الثنايا عـلى أثـناء دجلة iiوالشعابا
وأيـاما عهدت بها iiالتصابي وأوطـانا صحبت بها iiالشبابا
قال السيد المدني في انوار الربيع، ومن طريف ما قاله السري الرفاء
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى وهـنا فـوشح روضه بسلاسل
أذكرتنا النشوات في ظل iiالصبا والعيش في سنة الزمان iiالغافل
أيـام استر صبوتي من iiكاشح عـمداً وأسرق لذتي من iiعاذل
أدب الطف ـ الجزء الثالث 292
وقوله:
وصـاحب يقدح iiلي نـار السرور iiبالقدح
في روضة قد iiلبست مـن لؤلؤ الطل iiسبح
يـألـفني iiحـمامها مـغتبقا ومـصطبح
أوقـظه بالعزف iiأو يـوقظني اذا iiصدح
والـجو فـي iiممسك طـرازه قوس iiقزح
يـبكي بلا حزن iiكما يضحك من غير فرح
وقوله:
يـوم خـلعت بـه iiعذاري فـعريت مـن حلل iiالوقار
وضـحكت فيه الى iiالصبا والشيب يضحك في عذاري
مـتـلون يـبـدي iiلـنـا طـرفاً بـاطراف iiالـنهار
فـهواؤه سـكب iiالـرداء وغـيـمه جـافي iiالازار
يـبـكي فـيـجمد iiدمـعه والـبـرق يـكحله iiبـنار
أدب الطف ـ الجزء الثالث 293
كانت ترجمة الخالديين في الجزء السابق غير وافية بحقهما، ونستدرك هنا ما فات:
سعيد بن هاشم هو وأخوه شاعران لهما شهرتهما في عالم الادب، كانا ينظمان الشعر مشتركين ومنفردين، ومدحا الملوك والامراء والكبراء، غير أن السري الرفاء الموصلي هجاهما بأهاج كثيرة وزعم انهما سرقا شعره. ويقول الثعالبي في اليتيمة ان السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره ويدس من شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. وقال صاحب اليتيمة: كانا يشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان، وكانا في التساوي والتشابك والتشاكل والتشارك كما قال البحتري:
كالفرقدين اذا تأمل ناظر لم يعل موضع فرقد عن فرقد
بل كما قال ابو اسحاق الصابي فيهما:
أرى الـشاعرين الـخالدين iiسيراً قـصائد يـفنى الـدهر وهي تخلد
جـواهر مـن أبـكار لفظ iiوعونه يـقصر عـنها راجـز ومـقصد
تـنازع قـوم فـيهما وتـناقضوا ومــر جــدال بـينهم iiيـتردد
فـطـائفة قـالت: سـعيد iiمـقدم وطـائفة قـالت لـهم: بـل محمد
وصـاروا الى حكمي فأصلح iiبينهم ومـا قـلت إلا بـالتي هي iiأرشد
هما في اجتماع الفضل زوج مؤلف ومـعناهما مـن حيث يثبت مفرد
أدب الطف ـ الجزء الثالث 294
كـذا فـرقدا الظلماء لما iiتشاكلا علا أشكلا، هل ذاك أم ذاك أمجد
فـزوجهما مـا مـثله في iiاتفاقه وفـردهما بـين الـكواكب iiأوحد
فـقاموا على صلح وقال جميعهم رضينا وساوى فرقد الارض فرقد
وقال يصف غلامه (رشا) :
مـا هـو عـبد لـكنه ولـد خـولـنيه الـمهيمن الـصمد
وشـد أزري بـحسن iiخدمته فـهو يـدي والذراع iiوالعضد
صـغير سـن كـبير مـنفعة نـماذج الـضعف فيه والجلد
فـي سن بدر الدجى وصورته فـمـثله يـصطفى ويـعتمد
مـعشق الـطرف كـله iiكحل مـغزل الـجيد حـليه iiالجيد
وورد خـديـه iiوالـشـقائق والـتفاح والـجلنار iiمـنتضد
ريـاض حـسن زواهر iiأبداً فـيهن مـاء الـنعيم يـطرد
وغـصن بـان اذا بـدا واذا شـدا فـقمري بـانة iiغـرد
أنـسي ولـهوي وكل مأدبتي مـجتمع فـيه وهـو iiمـنفرد
ظـريف مـزح مـليح iiنادرة جـوهر حـسن شـرارة iiتقد
ومـنـفق اذا أنــا iiأسـرف ت وبـذرت فـهو iiمـقتصد
مـبارك الـوجه مذحظيت iiبه حـالي رخـي وعيشتي iiرغد
مـسامري ان دجا الظلام iiفلي مـنه حـديث كـأنه الـشهد
خـازن مـا في يدي iiوحافظه فـليس شـيء لـدي iiيـفتقد
يـصون كـتبي فـكلها iiحسن يـطوي ثـيابي فـكلها iiجدد
وأبصر الناس بالطبيخ فكالمس ك الـقـلايا والـعنبر الـثرد
وهـو يـدير المدام ان iiجليت عـروس دنـي نـقابها iiالزبد
أدب الطف ـ الجزء الثالث 295
تـمنح كـأسي يـد iiأنـاملها تـنحل مـن لـينها وتـنعقد
مـثقف كـيس فـلا iiعـوج فـي بـعض أخلاقه ولا iiأود
وصير في القريض وزان iiدينا ر الـمـعاني الـجياد iiمـنتقد
ويـعرف الشعر مثل معرفتي وهـو عـلى أن يزيد iiمجتهد
وكـاتب تـوجد الـبلاغة iiفي ألـفاظه والـصواب iiوالرشد
وواجـد بي من المحبة iiوالرأ فـة أضـعاف مـا بـه iiأجد
اذا تـبـسمت فـهو iiمـبتهج وإن تـنمرت فـهو iiمـرتعد
ذا بـعض أوصافه وقد iiبقيت لـه صـفات لـم يحوها iiأحد
وقال، وهو مما ينسب الى الوزير المهلبي ـ كما روى الثعالبي
فديتك مـا شبت مـن كبرة وهذي سني وهذا الحسـاب
ولكـن هجرت فحل المشيب ولو قد وصلت لعاد الشباب
وقوله:
ظالم لي وليته الدهر يبقى ويظلم وصله جنة ولكن جفاه جهنم
ومن شعره ـ كما في اليتيمة:
أما ترى الطل كيف يلمع iiفي عيون نور تدعو الى الطرب
فـي كـل عين للطل iiلؤلؤة كـدمعة فـي جفون iiمنتحب
والصبح قد جردت iiصوارمه والـليل قد هم منه iiبالهرب
والـجو فـي حـلة ممسكة قـد كـتبتها البروق بالذهب
وقال:
يـا حـسن ديـر سعيد إذ حللت iiبه والارض والروض في وشي وديباج
فـمـا تـرى غـصنا إلا زهـرته تـجـلوه فـي جـبة مـنها ودواج
ولـلـحـمائم ألـحـان iiتـذكـرنا أحـبـابنا بـين أرمـال وأهـزاج
ولـلنسيم عـلى الـغدران iiرفـرفة يــزورهـا فـتـلقاه iiبـامـواج
وكـلنا مـن أكـاليل الـبهار iiعلى رؤوسـنـا كـأنـو فــي الـتاج
ونـحن فـي فـلك الـمحيط بـنا كـأنـنا فـي سـماء ذات iiأبـراج
ولـست أنـسى ندامى وسط هيكله حـتى الصباح غزالا طرفه iiساجي
أهـز عـطفي قضيب البان iiمعتنقاً مـنه والـثم عـيني لـعبة الـعاج
وقـولتي والـتفاتي عند iiمنصرفي والـشوق يـزعج قلبي أي iiإزعاج
يـا ديـر ياليت داري في فنائك iiأو يــا لـيت لـي فـي درب iiدراج
وقال:
بنفسي حبيب بان صبري لبينه وأودعني الاشجان ساعة ودعا
وانحلني بالهجـر حتى لو أنني قذى بين جفني أرمد ما توجعا
وقال:
ولـيلة لـيلاء iiفي اللون كلون المفرق
كـأنـما iiنـجومها في مغرب iiومشرق
دراهـم iiمـنثورة على بساط iiأزرق
أدب الطف ـ الجزء الثالث 297
وقال:
صـغير صرفت اليه الهوى وهل خاتم في سوى خنصر
فإن شئت فاعذر ولا تلحني وإن شئـت فالـح ولا تعذر
وقال:
ريـقته خـمر iiوأنفاسه مسك وذاك الثغر iiكافور
أخرجه رضوان من داره مـخافة تـفتتن الـحور
يـلومه الناس على iiتيهه والـبدر إن تاه iiفمعذور
وقال:
قل لمن يشتهي المديح ولـكن دون مـعروفــه مــطال ولي
سوف اهجـرك بعـد مـد ح وتحـريك وعتب وآخر الداء كي
وقال:
شعر عبـدالسلام فيـه ردي ومحـال وساقط وبديع
فهو مثل الزمان فيه مصيف وخريف وشتوة وربيع
وقال كما في أعيان الشيعة:
قمر بدير الموصل iiالأعلى أنـا عبده وهواه لي iiمولى
لثم الصليب فقلت من iiحسد قبل الحبيب فمي بها iiاولى
جـد لي باحداهن تحيي بها قـلبي فـحبته على iiالمقلى
فاحمر من خجل وكم قطفت عـيني شقائق وجنة iiخجلي
وثـكلت صبري عند فرقته فعرفت كيف مصيبة iiالثكلى
أدب الطف ـ الجزء الثالث 298
قال السيد الامين وفي معجم البلدان: دير الاعلى بالموصل يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف، والى جانبه مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي، أنتهى. اقول والحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف: كان خفيف اللحية، وبه سمي الرجل. وهو من حواري أميرالمؤمنين علي وأصفيائه. ذكر المجلسي في البحار باسناده قال: قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين : والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطنيها، ولا لالتماس سلطان يرفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين، وابوالذرية التي هي بقية رسول الله، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والانصار، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي (1) أبداً حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهر به عدوك وأقوي به وليك، ويعلي به الله كعبك، ما ظننت اني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك علي. فقال اميرالمؤمنين عليه السلام: اللهم نور قلبه واهده الصراط المستقيم. ليت أن في شيعتي مائة مثلك.
وجاء في اسد الغابة ان عمرو بن الحمق الخزاعي سقى النبي (ع) فقال صلى الله عليه وآله: اللهم أمتعه بشبابه: فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.
وقال عمرو بن الحمق يوم صفين:
تقول عرسي لما أن رأت أرقى ماذا يهيجك من اصحاب صفينا
ألست في عصبة يهدي الآله بهم أهـل الكتاب ولا بغياً iiيريدونا
فقلت إني على ما كان من رشد أخشى عواقب أمر سوف iiيأتينا
إدالـة الـقوم في أمر يراد iiبنا فـاقني حـياء وكفي ما iiيقولونا
(1) هي الممتلئة، يقال طمى البحر اذا امتلأ ماء.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 299
ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق: يا اميرالمؤمنين انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلا الله عزوجل ولا طلبنا إلا الحق ولو دعانا غيرك الى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي (اهـ) ولما قتل علي بن ابي طالب بعث معاوية في طلب أنصاره فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية، فكان اول رأس حمل في الاسلام واهدي من بلد الى بلد، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسي إحفظ ما تتكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها، ففعل فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت: نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه الي قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وانا له اليوم غير ناسية. الى آخر القصة التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة. وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي الى معاوية: اولست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائراً نزل اليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد.
قال ابن الاثير في اسد الغابة قبر عمرو بن الحمق الخزاعي مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد كبير، ابتدأ بعمارته أبوعبدالله سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابن حمدان في شعبان سنة ست وثلاثين وثملثمائة
أدب الطف ـ الجزء الثالث 300
وجاء في اليتيمة من شعر ابي بكر محمد بن هاشم الخالدي، قال: وهو في نهاية الحسن.
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج لأرتك سالفتي غزال أدعج
اقول وقد مرت عليك هذه القطعة في ترجمة السري الرفاء وعلمت ما كان بينهما من المنافسة والله اعلم انها لهذا او لذاك.
وقال:
قـلت لمـا بدا الهـلال لعين منعتها مـن الكـرى عينا كا
يا هلال السماء لولا هلال الا رض ما بت ساهراً أرعا كا
وقال وقد أمر الامير بجمع المتكلمين ليتناظروا بحضرته في يوم دجن:
هـو يـوم كـما ترا ه مـلـيح iiالـشمائل
هـاج نـوح iiالحمام فـيه غـناء iiالبلابل
ولركب السحاب iiفي الـجو حـق كباطل
مـثلما فـاه فـي iiال هـند بعض iiالصياقل
جـليت شـمسه iiلر قـته فـي iiغـلائل
وعـمـود iiالـزمان مـعتدل غـير iiمائل
حين ساوى حر iiالهوا جـر بـرد iiالأصائل
وغدا الروض في ملا ئــده iiوالـخلاخل
أدب الطف ـ الجزء الثالث 301
فـمن العجز ان iiترى فـيه طـوع الـعواذل
يـا لـهذا ابي iiالهذيل وتـوصـيل iiواصـل
ومـلاحـاة iiعـاقـل ومـقـاساة iiجـاهـل
وخـصـوم iiيـكابرو ن وضـوح iiالـدلائل
انـف كيد الجدال iiعنك بـصيد iiالأجـادل(1)
كـل صـلب iiالـعظام واللحم رطب iiالمفاصل
وهو أهدى من iiالردى فـي طـريق iiالمقاتل
كــم غـدونـا iiبـه لـطير التلاع iiالسوابل
فـانبرى أخرس iiالجنا ح صـخوب iiالجلاجل
وتـعامى عـن iiالشوى واهـتـدى iiلـلشواكل
بـسـكاكينه iiالـتـي ثـبتت فـي iiالانـامل
عـقفت ثـم iiأرهـفت فـهي مثل iiالمناجل(2)
صـاعد خـلف صاعد نـازل خـلف iiنـازل
فـتـردى رداء لـهو إلــى الـليل شـامل
ثــم انـثنى جـذلان بـين الـقنا iiوالـقنابل
نـحو ربـع من المكا رم والـمـجد iiآهـل
فـنرى الأنـس iiفـي عـبيدك عذب iiالمناهل
مــن عـقـول iiقـد بـلبلتهن صفراء iiبابل
فـإذا الـليل كف iiكل رقــيـب وعــاذل
صرت الفرش تحت قو م صـرير iiالـمحامل
(1) الاجادل جمع اجدل وهو الصقر
(2) عقف السكين، لواها.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 302
وقال:
راح كضوء iiالشهاب سـلافـة iiالاعـناب
والـمزج ماء iiغدير صاف كماء iiالشباب
لـو لم يكن ماء مزن لـكان لـمع iiسراب
كـأنـه جـسـم iiدر عـليه درع iiحـباب
يجري خلال iiحصى أبيض كقطر السحاب
كـأنه الريق iiيجري عـلى الثنايا العذاب
وقال:
وكـم من عدو صار بعد عداوة صديـقاً مجـلا في المجالس معظما
ولا غرو فالعنقود في عود كرمه يـرى عنبا من بعد ما كان حصر ما
وقال في هجاء شاعر:
لو أن في فمه جمراً وانشدنا شعراً لما ضره من برد إنشاده
أدب الطف ـ الجزء الثالث 303
استدراك واعتذار
جاء في الجزء الثاني من أدب الطف ص 319 ذكر القصيدة الرائية المعروفة بالبسامة وأولها:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور
ونسبناها الى ابن زيدون، والحقيقة أنها لابن عبدون، وأوقعنا بهذا الخطأ زميلنا المعاصر الخطيب السيد علي الهاشمي إذ نسبها لابن زيدون كما جاء في كتابه (المطالب المهمة) ص 344 والمطبوع في النجف الاشرف 1388 هـ.
وزيادة في الايضاح تذكر ترجمة للشاعرين: اما ابن زيدون فهو: ذو الوزارتين احمد بن عبدالله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي. ولد بقرطبة سنة 394، شاعر مقدم وكاتب بليغ، علق بحب ولادة بنت المستكفي بالله، فألهمه حبها أروع ما صاغه في حياته من نظم ونثر، حتى كتب على لسانها رسالة شرحها ابن نباتة المصري وسماها (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون) . قال السيد صدر الدين المعدني في (أنوار الربيع في انواع البديع): وما أحسن قول ابو زيدون يحكي اول اجتماعه بمعشوقته ولادة، قال:
كنت في ايام الشباب هائماً بغادة أرى الحياة متعلقة بقربها، ولا يزيدني
أدب الطف ـ الجزء الثالث 304
امتناعها إلا اغتباطاً، فلما ساعد القضاء وآن اللقاء كتبت إلي:
تـرقـب اذا جـن الظـلام زيارتي فانـي رأيـت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر
ثم لما طوى النهار كافوره، ونشر الليل عبيره، أقبلت بقد كالقضيب في ردف كالكثيب، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل، فملنا الى روض مدبج، وظل سجسج، قد قامت رايات أشجاره، وامتدت سلاسل أنهاره، ودر الطل منثور، وجيب الراح مزرور، فلما شببنا نارها، وأدركت منا ثارها، باح كل منا بحبه، وشكا ما بقلبه، وبتنا بليلة نجتني أقحوان الثغور، ونقطف رمان الصدور فلما نثر الصباح لواءه، وطوى الليل ظلماءه، وادعتها وأنشأت:
وادع الصبر محب iiودعك ذائـع من سره ما iiأودعك
يقرع السن على ان لم iiيكن زاد في تلك الخطا اذ شيعك
يـا أخـا البدر سناء iiوسناً حـفظ الله زمـاناً iiأطلعك
ان يـطل بعدك ليلي iiفلكم بت أشكو قصر الليل iiمعك
ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبدالصمد بن علي الطبري يصف متنزهاً: لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس، والشمال ندية الانفاس، والروض مخضل الازار، والغيم منحل الازرار.
وكأن السماء تجلو عروساً وكأنا من قطره في نثار
والربى رابية الارجاء، شاكرة صنيع الانواء
ذهب حيثما ذهبنا ودر حيث درنا وفضة بالفضاء
أدب الطف ـ الجزء الثالث 305
والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً، والصحارى قد لبست من نسج الربيع برداً قشيبا. ولا ربع إلا وفيه للانس مربع، ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق، والاباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالاغصان عبث الدل بالغصون الرشاق، والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.
اذا فض عنه الختم فاح بنفسجا وأشرق مصباحاً ونور عصفرا
ومن شعره ما قاله من قصيدة يخاطب بها ابن جهور أيام سجنه:
مـا جـاك بعدك لحظي في سنا القمر إلا ذكـرتـك ذكـر الـعين iiبـالاثر
ولا اسـتطلت زمـام الـليل من أسف إلا عـلى لـيلة مـرت مـع iiالقصر
يـا لـيت ذاك الـسواد الجون iiمتصل قـد اسـتعار سـواد الـقلب iiوالبصر
جمعت معنى الهوى في لحظ طرفك لي ان الـحـوار لـمفهوم مـن iiالـحور
لأيـهـنأ الـشامت الـمرتاح iiنـاظره أنـي مـعنى الامـاني ضائع iiالخطر
هـل الـرياح بـتخم الارض iiعاصفة أم الـكسوف لـغير الـشمس iiوالقمر
ان طـال في السجن ايداعي فلا عجب قـد يـودع الـجفن حد الصارم iiالذكر
وان يـثبط أبـا الـحزم الـرضا iiقدر عن كشف ضري فلا عتب على iiالقدر
مـن لـم أزل مـن تـدانيه على ثقة ولـم أبـت مـن تجنيه على iiحذر(1)
اما ابن عبدون صاحب القصيدة فهو الوزير ابو محمد عبدالمجيد بن عبدون والقصيدة هي المعروفة بالبسامة، جاء في فوات الوفيات: عبدالمجيد بن عبدون بن محمد الفهري توفي سنة خمسمائة وعشرين، كان أديباً شاعراً له مصنف
(1) عن رسالة ابن زيدون.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 306
في الانتصار لابي عبيد علي بن قتيبة، ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى فيها ملوك بني الافطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور
وقد شرحها جماعة من ارباب الذوق والكمال ومنهم العلامة ابو القاسم عبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي، . وفي آخر الشرح روى عن ابن الأثير انه قال: وقد اشتملت هذه القصيدة على نيف وخمسين بيتا.
وقال الشيخ القمي في الكنى. ابن عبدون من علماء العامة. ابو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري، وزير بني الافطس، كان أديباً شاعراً فاضلاً، أخذ الناس عنه، واستوزره المتوكل ابو محمد عمر بن الافطس وشهد ابن عبدون نكبته سنة 478 فرثاه بقصيدته الرائية وهي من أمهات القصائد وأولها:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور