أَدِرْ يا ساقيَ العشاق كأساً وارْوني عشقا ،
وخلِّي القلب يلقى فيه ما يلقى ،
وروِّي الروح إنْ ظمأتْ
إلامَ تظل في طغيانه تشقى .
أدِرْها علَّني أسْتَنطق الإلهام في شفتيهِ
أو أستلهمُ النطقا .
لعلَّ فؤاديَ المكلومَ
يشفى بابتسامتهِ ،
لعل جبينه الوقَّاد يُطفي حرَّ آهتهِ
لعل المدَّ في عيْنيهِ يُنسي جرحيَ الدفقا .
أدِرْ كأساً لعلي أبلغ الأسرارْ ،
لعلي أبتغي سراً به فُتِقتْ هناك النارْ،
وما كانت سوى رتقا .
أدِرْها علني أستقرأُ المكتوب في كفَّيْهْ ،
فما سرُّ اللَّهيب على شفا عيْنيهْ ،
به يصلى حشا عشاقه الحرقا .
وما سرُّ اصطفاف المزن في خديهْ ،
منها الغيث يستسقى .
وماذا كان حجم البوح في شفتيهْ ،
حتى أخرس الأفلاكَ ،
حتى أذهل الأملاكَ ،
حتى أعجز الخلقا .
أ إنسٌ كان ؟
كيف اجتاز إنسٌ ذلك السورا ؟
ومِن أيِّ الشموس استلهم النورا ؟
وقبلاً كانت الدنيا بعين الخلق ديجورا ،
إلى أن أشرقتْ شرقا .
أ أعطاه الإله عصى ليُلقيها ،
كما موسى كليم الله أُعطيها ،
وقد ألقى .
وشقَّ بها جبينَ البحرِ كي يجتازَه شقا .
وطاف بها اضطراب الموجِ
ساعٍ ينقذ الغرقى .
وهل أعطاه عيسى سرَّهُ حتى
غدتْ يمناه تحيي العظم والعِرقا ؟
إذا ما لوَّحت غرباً
إذا ما لوحت شرقا .
وسبحته ترى من أين جاء بها فأبداها ،
ومن ذاك الذي أعطاه إيَّاها ،
أكانتْ سبحة الزهراء أم كانت لَدى طه ؟
فقد صعقتْ عروش الأدعيا صعقا .
وقد دقَّتْ جبين الظلمِ في صخر الإبا دقَّا .
تموجُ قوافل العشَّاق في تسبيحها موجاً ،
لتستوحي الإبا عزماً،
وتستسقي الفدا عشقاً ،
وتسترجي الردى شوْقا .
تُرى مِن أين هذا الفيض جاء به ؟
يُحيلُ المستحيل بطرْفه صدقا .
ولو شاءت لحاظ العين
لأمسى كل ما في الكون بين يديهِ
حتى الغول والعنقا !.
غريب أمر هذا الطاعن التسعينْ .
غريب أمر روح الله .
غريب أمره حقا . . .