وهذه سُحُبُ الهيجاءِ قد مطرت=بوابلٍ من نبالٍ خاب راميها وهل تُخيفُ فتىً يرجو مَنيّتَهُ=تحت السيوف إذا الأقدارُ تؤتيها وَحَلّؤوهُ عن العذبِ الفراتِ وقد=كاد الأوامُ جيوشَ الحقّ يُرديها هذا الفراتُ فخلّوا بين منهلِهِ=وبيننا حاجةً للعذر يَقضيها لا لن تذوقوهُ حتى تهلكوا عطش=بزعمهم أنّ ذاك الهَذْرَ يُثنيها فطاف بالسّيف يسقيهم مُنادَمةً=صِرْفاً من الرّاح ما يُشجي بَواكيها ومدَّ من جثثٍ درباً مُعَبّدةً=نحو الفرات فساقي الموتِ ساقيها فأيقن ابنُ أبي سفيانَ تَهْلُكَةً=بعصبةِ الشّرك لا تُبقي بَواقيها وليس يعلمُ خَسْفاً كان أم صَعَق=من السماء وأمرُ الله آتيها إنّ الطغاة وميضُ البرقِ يُفزعُه=ورُزْمةُ الرّعدِ تُنسيها أمانيها فكيف والموتُ إنساناً يَحيقُ به=هلا يطمئنها شيءٌ فيُهنيها ومن غدا المكرُ في سِلْمٍ وسيلتَهُ=فخدعةُ الحربِ لا تجفو مُداريها لكنّها والقضاءُ الحَتْمُ أذهله=عن السّماعِ تأبّتْ غوثَ باغيها بحيث تلك الوغى غيرُ التي ألِفَتْ=ترى النفوسَ وصالُ البيضِ يُشقيها ترى العُصاةِ لوعظِ السيفِ خاشعةً=والله أكبر للآجال تُدنيها!!! ترى الرجالَ رجالَ الله لاهيةً=والغافلين سُجوداً في بَواديها!!! والماضياتِ سُكارى فَرْطَ ما شربت=من النّجيع كأنّ الوِرْدَ يُضميها وقد تثوب إلى وَعْيٍ فيؤسفُه=من الثُّمالةِ بَرْضٌ ليس يُرضيها ولو دَرَتْ أنّها في ساعةٍ شربت=بحراً لَهانَ ولكنْ مَنْ سيُنبيها؟ فالناسُ في شُغُلٍ عنها بها وَلَه=كيف السبيلُ إلى دربٍ يُنجّيها؟ ونفخةُ الصّورِ قد صكَّتْ مسامعَهم=فضاقت الأرضُ واندكَّت رواسيها وكان مالكُ للنيران خازنَه=والظالمون دخولُ النارِ يُخزيها يطيع أمرَ عليٍّ حين يوقده=ومن كمالكِ للنيران يوريها؟ نَسْرّ يُعيرُ قلوبَ الصّيد أجنحةً=قبل اللقاءِ إذا ما حلَّ واديها لا عيبَ فيه سوى نفسٍ تُطاوعه=على الفداء فيمضي في تفانيها ألبيضُ والسّمرُ في الهيجا يُغازله=وعفّةً منه في سِلْمٍ يُجافيها يعفو ويصفحُ عمّن ساءهُ شَمَم=وهو الأشَمُّ إذا امتازت رواسيها لا يُطفئُ الحربَ إلا غّيْثُ صارِمِهِ=فسيفُهُ من سيوف الله ماضيها ربّاه حيدرُ إنْ حُمَّ اللّقا قَدَر=يُنسي المقاديرَ ما تُلقي دواهيها وعاش حيدرَ آياتٍ مجسّدَةً=كالمُحْكَماتِ أبتْ الا تَجلّيها ذاك الذي لم يدع للحقّ خافيةً=الا وعنه شموسُ الأفقِ ترويها حاز الفراتَ وقد لاقى معاويةً=بشيمةٍ سُنّةُ الأسلامِ تُمليها لو شاء أهلكَها في الحرب من عطشٍ=وهو القديرُ متى ما شاء يُظميها لكنّهُ وفراتُ الماءِ في يدِهِ=يأبى الدنيّةَ في فِعْلٍ يساويها إنَّ الفضيلةَ تأبى أنَّ سيّدَه=في ساعةِ العُسْرِ والبلوى يُجافيها فصاح بالهَمَجِ الغوغاءَ دونكُمُ=هذا الفراتُ عسى يَنفي تَصاميها فأيقنت أنّ دينَ الله يحملُهُ=فتىً لشِرعةِ دين الله يُحييها ففرّق الجيشَ منه بعد صارمِهِ=رأيٌ به مُرهَفاتُ الخَتْلِ يوهيها يجتثُّ جذرَ دهاءٍ ظنَّ صاحبُهُ=أن الثمارَ كما الأوهام يَجنيها وهو العليمُ بأنّ الصّدقَ منتصرٌ=وإنْ تجدّلَ مغلوباً بناديها عُمْرُ الدّهاءِ سويعاتٌ يتيه به=غُمْرٌ كطائفةِ الأحلامِ يطويها والباقياتُ برغمِ الدّهرِ خالدةً=مفاخرٌ أبت الأيامُ تُبليها سَلْ عنها صفّينَ آفاقا تُزيّنُه=تلك الطّوالعُ ما أبهى مجاليها تُجبْكَ أن دُعاةَ المَكْرِ خائبةٌ=وأنّ للقِيَمِ المُثلى تَساميها وليلةٌ هي وُسْعُ الدّهرِ ما لقِيَتْ=من الخطوب وقد أدمت حواشيها ليلُ الهَريرِ بحيث الموتُ أغرقًُهُ=سَيْلُ النفوس وسيفُ الله يُجريها سيفٌ لهيبتهِ الأجسادُ قد سجدت=وذلُّها عن رئاءِ الناس يُغنيها وما انجلى همُّها الا على هِمَمٍ=للقاسطين لَقىً والخزيُ يَرثيها وليلةٌ سلبتْها البيضُ مهجتَه=وسيفُ حيدرَ للأنفاسِ يُحصيها لولا القضاءُ لما أبقى لهم أَثَر=لكنَّ آثارَها السّوءاتُ تُبديها تحت العَجاجَةِ كم أنجت منافِحَةً=وما استطاع حُسامٌ أنْ يُنَجّيها وفِعْلَةٌ لابنِ عاصٍ وابنِ أرْطَأَةٍ=أضحوكةً عن شفاهِ الدهر نَرويها هذا يُعَدُّ لدى السُوّاسِ نابغةً=وذا يُعَدُّ من الفرسانِ عاتيها ____________ في الأبيات إشارة إلى سوءة ابن العاص وقد كشفها حين صرعه أمير المؤمنين عليه السلام وأراد قتله. قال العلامة الأميني: ينبأنا التاريخ أن عمرو ليس بأول رجل كشف عن سوءته من بأس أمير المؤمنين وإنما قلّد طلحة بن أبي طلحة فإنه لما حمل عليه أمير المؤمنين يوم أحد ورأى أنه مقتول لا محالة، فاستقبله بعورته وكشف عنها. م راجع تاريخ ابن كثير 4 ص 20 و] ذكره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثم قال: وقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين: الأولى: حمل على بسر بن أرطاة. والثانية: حمل على عمرو بن العاص فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته، فانصرف عنه علي كرم الله وجهه ومن يَضَعْ نفسَه في غير موضعِه=هانتْ وإن غرّها جهلاً تماديها سارا إلى حرب مَنْ ألوى بصارِمِهِ=شُمَّ الرِّعانِ فأوهى عَزْمَ قاسيها ظنّا بذاك فخاراً والتي سلكت=دربَ الغرورِ وميضُ الوَهْمِ يُغريها وقولُ أحمدَ في عمّارِ أرَّقه=فأوَّلتْهُ كما تَهوى أمانيها وصوتُ عمّار وَقْرٌ في مَسامِعِه=وسيفُهُ آيةٌ للحقّ يُمليها حتى َسَقْتُه ضِياحاً من نكايتِه=وجدَّلته تريباً في سوافيها ___________ في البيت 856 إشارة قول النبي ص في عمار رض على لفظ عائشة: ((اللهم بارك في عمار، ويحك ابن سميّة تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن)). [طبقات ابن سعد 3/180، سيرة ابن هشام 2/114]. نفسي الوقاءُ لنفسٍ حَشْوُها قِيَمٌ=والت عليّاً ببذلٍ من تفانيها لم يُبْلَ مثلُ عليٍّ قطُّ من أحدٍ=بالناس غيرُ رسول الله هاديها دعاهمُ لكتاب الله فاتَّخذو=آياتِهِ هُزواً والجّهلُ يُعشيها هلا رَعَوْهُ وهمْ في حربه جهدو=حتى على نفسِهِ تحنوا أعاديها؟ وقال حيدرُ فيما قاله أَسِف=لم أرضَ بالقوم قبلي أنْ أساويها ظلماً تقمَّصَها هذا ليُلبسَه=هذا وقد علمت أنّي منجِّيها حتى يُقال عليٌّ أو معاويةٌ=كلاهما سنّة المختار يبغيها هذا هو الكفرُ في سرٍّ وفي عَلَنٍ=والجُلجُليّةُ عن عمرٍو ستنبيها ____________ البيت 864: الجلجلية قصيدة شهيرة لعمرو بن العاص يفضح خلالها حقيقة مؤامرة معاوية ودعوى الطلب بدم عثمان. تجدها في كتاب الغدير للأميني في ترجمة الباغي إبن البغِيّة عمرو بن العاص. والحقُّ ما شهدت أعداؤه علن=بأنها عن هُداه المُلْكُ يُثنيها وإنْ تشابَهَ بين الناس أمرهُم=جهلاً وقد أغفلت أحكامَ هاديها لِمْ لا تحكِّمُ فيما بينها حَكَم=ذا مِرَّةٍ يبتغي مرضاةَ باريها؟ فوق الأسنّةِ قد أعلوا مصاحِفَهم=كأنها أرؤوسٌ في الطفِّ تُعليها وأصبح الأمرُ فيما بينهم دَخَل=وأَلبسوا الغيَّ ثوبَ الحقّ تمويها وصيّروا ذمّةَ الإسلام مَنْهَبَةً=للقاسطين وقد أوْلَتْهُ تشويها وآلَ بالأمر أنْ عمرو ابن نابغةٍ=والأشعريُّ نفاقاً كان موهيها صارا على الدين حُكّاماً ورأيهم=ماض ورأي علي ليس يُجديها فأعولَ الدينُ يشكو هَوْل نكبتِهِ=والناسُ سامدةً تشكوا تَعاميها وغدرةٌ تلو أخرى صار دينُهُمُ=في كفِّ مَنْ غالَهُ مِنْ قَبْلُ تَسفيها وبات حيدرُ والإسلامُ في طرفٍ=والناسُ في طرفٍ تبغي معاويها وليس تعزبُ عقبى حُرْمةٍ هُتِكَتْ=لكنَّما الجهلُ للأهواء يُمضيها وليس للرأي ممّن لا يُطاعُ يدٌ=ترمي إذا لم يكن بالجّوْرِ يعليها وهذه الناسُ أبصارٌ يَرَوْنَ به=ويسمعون دَبيباً في أقاصيها أما القلوبُ فأحجارٌ مسنَّدةٌ=فما سوى الزيفِ من شيءٍ يُداريها حتى وإن كان لا يُبقي كرامتَه=فلا تلمْها فقد ضلَّت معاليها إنَّ السوائمَ تهوى الذلَّ يُشبعه=وعداً وتبغضُ قوتَ العزِّ يكفيها تعوَّدت أنْ تُجاري كلَّ طاغيةٍ=لعلّه من فُتاتِ الخبز يَقريها شبَّتْ وشابتْ ولم تبرحْ لها شِيَمٌ=على المهانةِ قد قامت مباديها والمخزياتُ من الآثار مُعْقِبَةٌ=للوارثين من الأهوالِ مُفنيها سارت على سنن الآباءِ راعيةً=شرَّ العهود وحبُّ المال يُغريها وإنها لو أطاعت أمْرَ بارِئِه=لصارت الأرضُ تِبْراً بين أيديها لكنّها خسرت دنياً وآخرةً=إذ مكّنت فاسقاً في خَذْلِ زاكيها خلَّت علياً يقاسي الداءَ منفرد=وهو الطبيبُ متى تضنى يداويها وأسلمت نفسَها للبغي سادِرَةً=بخُلَّبٍ ومُداجٍ من أمانيها وكان للحرب يدعوها لِيُنقذَه=من رِبْقَةِ الزّيْغِ ما عاشت فَيُحييها ودبَّ للرِّجس في أجسادها خَدَرٌ=فضيّعت من فروض الله سانيها وهوَّمت وهي عينُ الحقّ ساهرةٌ=على قذىً وهوىً للعين يُعشيها هي السَّوامُ سواءٌ في سجيَّته=فاللينُ يُفسدها والسَّوطُ يَهديها لا ترتضي العدلَ يَسقيها هدايتَه=وتهنأُ الجّورَ يستقصي هواديها يعصونَ من طاعةُ الرحمنِ طاعتُهُ=ويُهْرَعونَ إلى مرضات عاصيها هذا علي أبى التحكيمَ فانتفضو=ضراغماً وأبوا إلا يُراضيها وقد راوا غِبَّةَ التحكيمَ فابتدرت=باللَّوم قائدَها ماذا سيُرضيها؟ وإنه لو أبى لامتازَ منفرد=وقاتلوهُ وأعلوا شرعَ طاغيها ما كان عن خيفةٍ فالعربُ لو جُمعت=لحربهِ لاغتدى فرداً يُلاقيها لكنّه شاء أنْ يُبقي لمُقْتَبِسٍ=نوراً إذا أظلمت وَهْناً دياجيها