وأراكَ ...
كيفَ أراكَ ؟
لم أفهمْ،
أأنتَ سقيتَ مِنْ عَطَشٍ
شِفاهَ الأرضِ عِرْفانًا
وأرخيتَ الوقارَ على الترابْ ؟!

أفأنتَ مَنْ أطعمْتَ جوعَ الشمسِ
مِنْ وَهَجِ انصهارِكَ يومَ أنْ ذابتْ دماؤكَ في هجيرِ الرّملِ
مِنْ لَفْحِ اليبابْ ؟!

أم أنتَ مَنْ أومَأْتَ للسُحُبِ الجريحةِ أن تُكَفْكِفَ دمعَها الدمويَّ
رَغْمَ جنونِ هذا الطعنِ
في كبدِ السماءْ ؟!

عجبًا أرى عجبًا
كأنَّ النهرَ يزحفُ باتجاهِكَ ظامِئًا يشكو الهَجيرَةَ
ويكأنَّ الماءَ يشربُ مِنْ لظاكْ
وأراكَ مَكْلومًا
وقد شعَّتْ دماؤكَ مِنْ شُقُوقِ الأرضِ
يا للهِ أيُّ دَمٍ تعالى باتّجاهِ الخُلدِ ينزفُ مِنْ ملاكْ؟!

وأراكَ ... كيفَ أراكَ ؟
مُنْسَكِبًا على شَفَةِ الفجيعةِ ...
مُثْخَنًا جَنْبَ الفُراتِ ....
مُرمَّلًا بالدَّمِ
تَعْفِرُ في الترابِ
تجودُ
تَهْمِسُ للرمالِ
وتَرْمُقُ المَلَكُوتَ ترفعُ راحَتَيْكَ مليئةً بالغيبِ ...
مِنْ وحيِ الدّماءْ،

لَهْفي لثغرِكَ
ظامِئًا مُتَشَقِقًا ...
قد أنهكتهُ الشمسُ وهو يُحيْلُ هذي الأرضَ
نسرينًا وريحانًا
وقد كانَتْ فَلاةْ

مازالَ يلهجُ موقنًا باللهِ
يكسوهُ الثباتُ ...
فكيفَ ينْكُثُهُ الظلامُ ويُسْتَباحُ مِنَ الطُّغاةْ

وكذا جبينُكُ ذلكَ الوَهَجُ المُشِعُّ
يُضيءُ مخترقًا حجابَ الليلِ
كيفَ يَصُكُّهُ حجرُ الأسى
وترُضُّهُ حقدًا حَصَاةْ ؟!
وهنا أرى سهمًا
وقد نَبَتَتْ بعينِكَ مِنْ شَقِيٍّ نَبْلَةٌ حَمْرا اسْتَحالَتْ شَتْلَةً خَضْرا تَجَلَّتْ واسْتَوَتْ حقلًا
وكونًا مِنْ نباتْ

عجبًا لقلبِكَ
وَهْوَ يعزفُ وادعًا لحنَ العروجِ
مُتَيَّمًا يَهْوى السَّماءَ
فكيفَ خاتَلَهُ المثلَّثُ
واستباحَ الطُّهرَ واغتالَ الصّلاةْ ؟!

وهُنا أراكَ .... وأنتَ تُخْرِجُ ذَلِكَ السَّهْمَ المُثَلَّثَ مِنْ قَفَاكْ،
ودِماكَ تجري مثلَ مِيزابٍ هَمَى فرَمَيْتَها نَحْوَ السَّمَاءِ
فلم تَزَلْ في الخُلْدِ تَسْكُنُ
لا يُرى منها انْسِكابْ

وأراكَ مُتَّكِئًا ... بعَيْنِ اللهِ تَخْضِبُ وجنتيكَ ورأسَكَ المُدْمَى وشَيْبَتَكَ المَهِيبَةَ
مِنْ دِمَاءِ النَّحْرِ ...
تَهْمِسُ: هكذا ألقاكَ يا رَبَّاهُ مَخْضُوبًا قتيلًا ... مُوقِنًا ... تجري كنبعِ الماءِ مظلومًا دِمَايْ

وأرى جوادَكَ هائمًا يبكي
يُحَمْحِمُ غاضبًا كالرَّعْدِ
مُنْفَجِعًا ...
يَدُكُّ الأرضَ مِنْ هولِ المُصابْ
يدنو قليلًا مِنكَ منبسطًا
لِتَرْكَبَهُ .... ليَقفُلَ راجعًا نحوَ الخِيَامْ

عجبًا لصدرِكَ
بعد أنْ وطِئَتْهُ مسلوبًا خيولُ البغيِ تَفْريهِ السَّنَابِكُ
وَهْوَ يلفِظُ طُهْرَهُ
كيفَ استطاعَ بِمَا حَوَاهُ مِنَ السَّنا
أنْ يملأَ المَلَكُوتَ نورًا
تَزْدَهِي مِنْهُ الجهاتْ ؟!

عجبًا لخِنْصِرِكَ المُرَمَّلِ
كيفَ غادرَ جِسمَكَ المَحْفوفَ بالآياتِ
والأورادِ
كيف يعافُ منفردًا
شَميمًا مِنْ أَرَاكْ ؟!

ماذا يقولُ النّحرُ
وَهْوَ مُرَمَّلٌ في اللهِ
تَصْهَرُهُ الظهيرةُ شاخصًا للعرشِ
قد أنهى طُقوسَ القُربِ
مَحْزوزًا على نهرِ الفُراتْ

عجبًا لرأسِكَ وَهْوَ يَتْلُو ما تيَسَّرَ مِنْ مَثاني الكهفِ مُبْتَهِلًا
يُذيبُ القلبَ
مرفوعًا على طَرفِ القَنَاةْ

يا أيُّها الجسدُ المُضَرَّجُ بالحياةْ،
أفرِغْ عَلَيْنَا مِنْ بَهَائِكَ
مِنْ عُروجِكَ
مِنْ فُيوضَاتِ الهَوَى،
كي نُلْهِمَ الدنيا
ونفنى فيكَ
يا مَنْ علَّمَ العُشَّاقَ
أسرارَ الفناءْ

أمْطِرْ علينا مِنْ عِنانِ العرشِ عزمًا
وانْتَشِلْ مِنَّا الهوانْ

ثمَّ اسْقِنا مِنْ وحيِ رُوحِكَ
مِنْ شموخِكَ،
مِنْ ثباتِكَ،
مِنْ جمالِكَ،
نفحةً مِنْ عُنْفُوانْ

Testing
عرض القصيدة