إلاَّ الحقيقةَ
تبدُو بعدُ شارِدةً خلفَ الغِيابِ وتذرو الجُرحَ في عدمِ الرؤيا وتُقنعُهُ بالحُبِّ يكبُرُ فِي زوَّادَةِ القَتلَى:
مَسٌّ مِنَ الطَيفِ أشهَى فالمماتُ سخِي
مِنْ شهقَةِ النَزفِ حتَّى زفرةِ البَذَخِ
يُقالُ: مَنْ سنَّ دِينَ الماءِ فِي يدِهِ
وغادرَ الظَمأَ المُلقَى؟ فقال: أخِي
يُسائِلُ النَّزَقُ المُلقَى بقافيةِ الرُّمحِ المعلَّقِ بينَ اللهِ والسّككِ الأدنَى وبينَ تفاصيلٍ مؤرشفةِ الأحلامِ، بينَ دمٍ ما مسَّهُ بَشرٌ يفضِي لخارطةِ الأشياءِ بعضَ هُدًى مِنْ عهدِ عطرٍ خبيءِ الوهْجِ مبتسِمًا:
أيُّ الفواصلِ تفضِي للدّمِ الأشهَى؟
ونبضَةُ الرملِ فِي تِردادِها ولهَى
كَيفَ الرِماحُ رأت ربًا تُسبِّحُه؟
أشارَ للعينِ: ضوءُ المنتهى مِنها
يبدوُ الفُراتُ هزيلًا فِي حقيقتهِ الأولَى ويركضُ كالأطفالِ فِي مِزَقِ الفردوسِ يعبُرُ ما دوَّى بهِ الألمُ:
أدرِك مياهَكَ، شظَّى جرحَهُ النَزفُ
وضفَّتيكَ تملَّى فِيهِما الحتفُ
يودُّ ماءٌ عطِيشٌ أن يرَى ظمأً
مُرشَّفًا، إنَّما لا يسمحُ الكفُّ!
مسافةٌ مِنْ سرابٍ خلفَ عاصفةٍ مِنَ الضبابِ وخلفَ الأفقِ منتشِيًا بالوهمِ يكبرُ
لا ظِلٌّ يموسقُهُ
ولا رِهانٌ مصيريُّ يحرِّكُهُ إلَّا وأغرقَ هذا الكونَ واشتعلا:
أدِر بطرْفِكَ طرْفَ الرملةِ العُذرِي
وخُذ بوهْجِكَ ضوءًا لَم يكُن يدرِي
لَم يُكسَرِ العَرشُ فِي أقسَى مدامعِهِ
إِلَّا ب ( ها قد كسرتُمْ ها هنا ظهرِي )
قيامةُ الوقتِ تكفِي كي أحاورَها فِي حشرِ أورِدةِ المعنَى علَى سررٍ نضيدةِ الجُرحِ تستسقِي المدَى وتَرًا مضمّخًا بهديلِ الحبِّ فِي زمنٍ يقُولُ شيخٌ مِنَ الأحلامِ متَّكِئٌ
علَى استقامتِهِ مَسٌ مِنَ القلقِ الأشهَى
ودمعُ نبيٍ خَرَّ
لا جهةٌ تؤويهِ فِي نكبةِ المنفَى وتُشبعُهُ ببعضِ بعضِ فُتاتِ الضَّوءِ
لا وطَنٌ يدرِي بما يعترِي صدرَ النوى بيدٍ مدَّتْ سِراطًا مِنَ الأوجاعِ فِي دَمِ مَنْ شدَّ العِصابَةَ فوقَ الرأسِ محترِقا:
لا يُخطئُ الضوءُ في تَهيامِهِ المُقلَة
إنّ الصلاةَ تعي تلويحةَ القِبلة
ما مزَّقَ الماءَ سهمٌ في مخيّلتي
إلا وشرَّدَ فِي أفكارِيَ الطِّفلَة
يحدِّقُ السهمُ، ذِي أوجاعُ قافيةٍ حُبلَى بلونٍ غرِيبٍ يُشبُهُ القلقَ المُلقَى علَى شفةٍ كالشمسِ تلحقُها الغيماتُ
لا ترتوِي مِنهَا وتُشبِعُها،
لا سُبحةٌ مِنْ ثغورِ الظلِّ تُنقِذُها،
لا فُسحةٌ ملءَ هذا الرملِ تنصِفُها،
لا شيءَ لا شيءَ إلاَّ الموتَ يُلمَحُ فِي قُرصِ المشاعرِ معكوسًا ومؤتلقا:
ما ظلَّ حُلمٌ عراقيٌّ سيشهقُهُ
إلّا وصوتُ فمِ الأمواتِ يُنطِقُهُ
يلوذُ بالعِصمةِ الصُغرَى فتُكبِرُهُ
وليس إلاَّ رسولاً خطَّ منطِقُهُ
الماءُ وهْوَ يعانِي وسطَ قبضَتِهِ
كأنَّ ثغرًا إلهيًّا يرقرقُهُ
أشهَى مِنَ الوقتِ، أشهَى مِنْ تمرُّدِهِ
يظلُّ يمخرُ بيتَ اللهِ زورقُهُ
تحنَّطَ الرَملُ، رِيقُ الكونِ، تمتمةُ الأعداءِ
وابتلَّ بالأشعارِ بيرقُهُ
تلوحُ مِنْ مُقلةِ العرشِ السَّنِيِّ يَدٌ تنزَّلَتْ كَي تشِي باللهِ فِي قلقِ المنفَى
وتُفهِمُ جمعَ الشوكِ أنَّ فمًا ما ابتلَّ بالوجعِ المنسيِّ ليسَ لهُ إلَّا الترشَّفُ بالوهمِ الأخيرِ إذا جفَّت ثغورٌ مِنَ الأحلامِ فِي شفةٍ لم تدرِكِ اللهَ إلَّا فِي شعائِرِها:
تساقطَ الوَردُ، كَفُّ اللهِ تجمعُهُ
وفِي ثغورٍ مضيئاتٍ توزِّعُهُ
الظامئونَ بنورِ العرشِ لمحتُهُم
وجهٌ بصبغتهِ الرحمنُ يُشبِعُهُ
قد لا ترَى الفجرَ يزهُو فِي أعنّتِهِم
لكنَّ ربَّكَ ذاك الصوت يسمعُهُ
وإنْ تأخَّر ماءٌ فِي مخيلةٍ
بيضاءَ، جاءَ لهُ العبَّاسُ يزرعُهُ
طفولَةُ الجُرحِ تبُدُو فِي براءتِها كليلةِ القَدرِ فِي أفكارِ مَنْ تركُوا الدنيَا
وأشبَعَهُمْ عِرفانُ أسئلةِ التقَوَى
وجاءَ بهِم حُلمُ الخلاصِ إلى أدنَى الدروبِ
ولَم تستوعِبِ الفجرَ أحلامٌ مُنَمْنَمَةٌ بالضَّوءِ تقطرُ مِنْ أشذاءِ سنبلةٍ ما اجتثَّها القلقُ النامِي علَى خَلَدِ الدُنيا بدمعةِ مَنْ سنَّ الظلامَ علَى أفياءِ مَنْ نَزَفُوا:
يُراقِبُ النَّزفَ والدُنيا تراقِبُهُ
كأنَّما اللهُ فِي شوقٍ يُلاعِبُهُ
يُراقِبُ العمَّ حولَ النهرِ في يدِهِ
الدُنيا تمورُ وتيَّارٌ يُشاغِبُهُ
مثلَ النهارِ إذا ما افتضَّهُ قَمَرٌ
فسُنَّةُ الصبحِ مضمونٌ تعاقُبُهُ
مسافةٌ مِنْ هشِيمِ الغيبِ تكبرُ، فُوضَى مِنْ مخيّلةِ الأحلامِ، بعضُ تفاصيلَ مؤرِّقةٍ، والطِفلُ ينظرُ مِنْ عينِ الهُدَى تعِبا:
خطَّ الخلِيقَةَ، لا قلبٌ يُراجِعُهُ
ولا بعينِ الندَى تُحصَى مدامِعُهُ
شقَّ القِماطَ، قماطَ الضوءِ مبتسِمًا
مِنْ شدَّةِ الجُرحِ تُستسقَى أصابِعُهُ
يوشوِشُ الرُمحُ فِي الآفاقِ طلَّتَهُ
وليسَ إلَّا الهُدَى تُحصِي مسامِعُهُ
يقلِّبُ الوهمَ فِي استيطانِ هيبتهِ علَى القلوبِ التِي تحيَا بآخرِ ما سدَّت بهِ رمقَ الأحلامِ يصغرُ فِي أحداقِهِم وطَنٌ ما ضمَّ أبسطَ تفصيلٍ مِنَ الأخرَى:
بينَ احتراقِيَ والعمرَ الذِي يُقضَى
ما صلَّتِ الرُوحُ كَي لا تجرحَ الفرضَا
بعضُ المشاعرِ أزكَى حِينَ تكبُتُها
ورُبَّ ( كُلٍّ ) جفَتْ مِنْ بعضِها ( البعضَا )
لَو كانَ للماءِ أنْ يُحصِي مدامِعَهُ
علَى جروحِيَ، لاستسقَى بيَ الأرضَا
لا يُختمُ الفصلُ إلَّا فِي بدايتِهِ، يقولُها والنوَى غضٌّ ومنغلِقٌ كدفترٍ ملَّ مِنْ إفصاحِ كاتبهِ الأغلَى وجدَّ بحُلمٍ مارِقٍ قلقٍ:
مَدٌّ مِنَ النزفِ يحكِي، والأذى نَبْعُ
أ يطعَنُ اللهَ فِي أحبابِهِ الشَرعُ؟
هلْ للسيوفِ إذا غابَتْ مشاعِرُها
أنْ تفهمَ النزفَ، إنْ ما هوَّمَ الدِّرعُ؟
وهَل لفلاحِ هذِي الشمسِ مِنْ مِزقٍ
مضيئةٍ تُجتَنَى، إنْ نوزِعَ الزَرعُ؟
يقُولُ فِي نزفِهِ العبَّاسُ: لا تَثِقُوا
بطعنةٍ لَم يؤخِّرْ ظلمَها الضِّلعُ

Testing
عرض القصيدة