بَيْنَ الفُرَاتِ
وطِفْلٍ ظَامِئٍ دَمُهُ
مَنْ يُشبِهُ الوَرْدَ إنْ شَفَّ النَّدَى فَمُهُ

ظِلٌّ يَفِرُّ
خُيُوطُ الضَّوءِ تُمسِكُهُ منْ مَنْكِبَيهِ
لجسمٍ مَا تُسَلِّمُهُ

والماءُ يَنْتَفِضُ
الرُّؤيَا تمدُّ يدًا إِليهِ
عنْ فِكْرَةِ السُّقيَا
تُكَلِّمُهُ

كَفَّانِ تَرتَعِشَانِ
الطِّفْلُ فَوقَهما يَذُوبُ مِنْ نَظرةٍ
في العرشِ تَرسمُهُ

عَبَاءَةٌ تَسترُ المِرآةَ
خَارِطَةٌ في الكفِّ
وجهٌ تَلَاشَى مِنْهُ مَعْظَمُهُ

ضِلْعٌ يُفَتِّشُ عَنْ صَدْرٍ
يُخَبِّئُهُ عَنِ الحِكَايةِ
عنْ شَيءٍ يُؤلِّمُهُ

والرُّمْحُ
ما زالَ غُصْنًا
كلُّ منْ عَبَروا عَليهِ
لم يُدرِكُوا ما كانَ يَكْتِمُهُ

إنَّ الخِيامَ جُلُودُ الأنبِياءِ
وفي أَعمَاقِ هَيبتِها
"عيسى" و"مَريَمُهُ"

شَدَّ الصَّدى قَوسَهُ الأُنْسِيَّ
فَانْطَلَقَتْ لِتَائِهٍ في أَقَاصِي البوحِ أَسهُمُهُ

وانْشَقَّتِ الشَّمْسُ
و"العبّاسُ" يَنفَخُ في سَمَائِها الروحَ
حتّى فَاضَ زَمزَمُهُ

رَأَيْتُهُ
يَلثِمُ الرُّؤيا على فَمِهِ
لمَّا تَبَايَنَ في الغَيْمَاتِ مَبْسَمُهُ

رَأَيْتُهُ!
يَمْتَطِي الأَحْلَامَ
شَاحِبَةً عيونُهُ
وبِهَا يَبْدُو مُخَيَّمُهُ

أَضَاءَ خَاتَمُهُ العرشيُّ
فامْتَزَجَتْ في سَيْفِهِ الكفُّ
واهتزَّتْ جِهَنَّمُهُ

وشَعَّ
كالروحِ في الأجسَادِ مِخْذَمُهُ
كَأنَّها
سَقَطَتْ في الطفِّ أَنْجُمُهُ!

ومَالَتِ الأرضُ
لمَّا نَبْلَةٌ وَقَفَتْ أَمَامَهُ
ثُمَّ حَارَتْ أَيْنَ تَلْثِمُهُ؟

أَنَا هُنَاكَ
أَفرُّ
الخَوْفُ يَلْحَقُني
وما تَنَاثَرَ منْ عَقْلِي يُلَمْلِمُهُ

أشمُّ رَائِحَةَ اللَّاهُوتِ
أَرْفَعُ عنْ وَجْهِي الضَّبَابَ
أَرَى مَا لَسْتُ أَفهَمُهُ

أُعِيرُنِي وَردَةً في النَّهرِ
أَنظرُهُ مِنْهَا
ليَخرُجَ مِنْ صَدرِي "مُطَهَّمُهُ"

كأنَّنِي قَطرَةٌ
مِنْ جلدِ قُربَتِهِ تَهوِي
فيَصْعَدُ بي للهِ سِلَّمُهُ

"إركبْ بِنَفسِي"
يَقولُ العرشُ مِنْ فمِهِ
وهو الذي وهو في المِرآةِ توأمُهُ

صلَّى على الماءِ فَرضَ الموتِ
فانْزَلَقَتْ منْ ظِلِّهِ صُورَةٌ أُخرى تُبَرْعِمُهُ

يُكَذِّبُ السَّهمُ
ما غَاصَتْ أَسَنَّتُهُ في صَدْرِهِ
وهو شفَّافٌ تَجَسُّمُهُ

شَدَّ العِمَامَةَ
فانْسلَّتْ أَنَامِلُهُ للعقْلِ
والْتَقَطَتْ مَا كَانَ يَعْصِمُهُ

وَحرَّكَ الغَّيْبَ
حتَّى اسَّاقَطَتْ شُهبًا كَفَّاهُ
واْرتَدَّ للَّاهُوتِ مُبهَمُهُ

وقَرَّرَ الوحيُّ في طَفِّ السُّؤَالِ
بِأَنْ يَمتَدَّ رُمْحًا حَقِيقِيًّا تَوَهُّمُهُ

سَمِعْتُ خُطوَاتِهِ كَالهَمْسِ
مِنْ أُذُنٍ رَمْلِيةٍ
وفَمُ المسعَى يُحَشِّمُهُ

سَمِعْتُهُ
قالَ "يا عبّاسُ" حِينَ هَوى منْ رُوحِهِ جَسَدًا
والماءُ يُضرِمُهُ

خَنَاجِرُ الرِّيحِ
يا اللهُ تَطْعَنُهُ في صَوتِهِ
ودَمُ الذِّكرَى يُغيِّمُهُ

والرَّايَةُ البِكْرُ لاحَتْ
حيثُ يَمْخُرُ في بَحْرِ القَضَاءِ
وموجُ الفَقْدِ يَلْطِمُهُ

مَقطُوعَةٌ كَفُّهُ
لكنَّها بَحَثَتْ عَنْ خِنْصِرٍ
ضَاعَ عَنْ كَفٍّ تُتَرجِمُهُ

مَقْطُوعَةٌ كَفُّهُ البيضاءُ
كَيفَ بَدَا
مُقَيَّدًا بِحَدِيدِ الوقتِ مِعْصَمُهُ؟

كأنَّني لَستُني يَا روحُ
فانْطَلِقِي إِليهِ فالموتُ بالأقدَارِ يَرجمُهُ

وَدَدْتُ لو أَنَّني في الطفِّ بَوصَلَةٌ
تُشِيرُ للمَاءِ لَكنْ أَيْنَهُ فَمُهُ

Testing
عرض القصيدة