إلى أينَ تذهبُ يا أيّها الفجرُ عَنْ شُرُفاتِ المدينة؟
إلى جهةِ الخُلدِ يا قمرِي
هَهُنَا كعبةٌ سيّجَتْها البُغاةُ بأشواكِها العبثيَّةِ
لا تدركُ النورَ مِنْ أينَ جاءَ وأنّى يسيرُ
سوى أنَّها تستلذُّ بعَتمةِ ليلٍ طويلٍ
لتسكبَ في دربِنا هلعًا مُسْتَدَامًا
ولا أفْقَ منفتحًا كي أطيرَ إلى أيِّ شيءٍ
ولكنْ "سأحملُ قلبي على راحتي" وأسير

سأحملُ أشياءَ جدّيَ / رأسَ أبي / ضلعَ أميَ / كبدَ أخي
والضُّعُونَ التي فوقَ هذي السماءِ
إلى سكنٍ أبديِّ الوجودِ
إلى موطنٍ مُثْخَنٍ بالدّماءِ
سأفرغُ قلبي على ضفّةِ الماءِ دونَ ارتواءٍ
ويغتسلُ الجسمُ بالدَّمِ بعدَ توزُّعِهِ قطعةً قطعةً دونَ أيِّ رداءٍ
وتلفحُهُ الشمسُ فوقَ الفلاةِ
فهلْ كانَ هذا الدَّمُ المستباحُ دمًا للنبيِّ؟
سَلُوا أممًا لا تريدُ الإجابةَ واسْتفهِموا أيحقُّ لَهُمْ أنْ يَسِيرُوا
وأنْ يعبُرُوا الوقتَ مِنْ كُوَّةِ الجرحِ نحوَ السلامِ
أيخرجُ هذا السّلامُ بحرقِ الخيامِ؟ وأنْ نحتسي كأسَ هذا المصير؟

أسيرُ بِرَغمِ اتّساعِ الحصارِ
أسيرُ على هَدْأةِ الليلِ
شمسًا تشقُّ الطريقَ البعيدةَ فوقَ غرابِ الأسى
كلّما ضلَّلَتْهُ الجهاتُ اهتَدَى للحقيقةِ
والشمسُ لا تتبدّدُ عندَ ارتفاعِ الظَّلامِ
أمَا كانَتِ الشّمسُ حاضرةً في الغدير؟!

توجَّسَ مِنْ فكرةِ الغيبِ
يخرجُ ممتطيًا صهوةَ الصبرِ
متَّكِئاً بِعَصَاهُ كمُوسَى يهشُّ بها لوعةَ الانكسارِ بأروقةِ القلبِ
مَنْ ذا يهادنُ خوفَ الحصانِ على مَوجةِ الحربِ
حينَ تدقُّ نواقيسَها ضدَّ عرشِ الإلهِ؟
ومَن يُخمِدُ اللَّهَبَ المستطالَ إذا قَذَفُوا كعبةَ اللهِ بالمِنجنيقِ
ومَن يكسرُ الصنمَ الجاثمَ المستبدَّ..
أنحتاجُ ألفَ نبيِّ لكي يُولَدُوا مِنْ جديد؟

فتنتحِبُ الطفلةُ الآنَ
راحَ يودِّعُها قُبلةً قُبلةً
وسبعُ سنابلَ تسقطُ مِنْ عينِها
أبتاهُ .. أنا طفلةٌ تتأهّبُ للفقدِ
هلَّا أخذْتَ برحلِكَ دمعيْ / بكائيَ / عينيَ / قلبيَ / ذاكرتي
فالوداعُ هُوَ الموتُ .. أكبرُ مِنْ جملةِ الموتِ
والموتُ عندَ التسكُّعِ لا يستريحُ مِنَ الخطفِ
وقتَ التسوّلِ فالموتُ فِينا فقيرٌ فقير!

ويا أيّها الفجرُ : كيفَ تسلّلَ نجمٌ .. تحرّرَ مِنْ غَسَقٍ
سألوهُ : أكنْتَ اختصَرْتَ عبادةَ سبعينَ عامًا بثانيةٍ في التأمُّلِ
هَلْ ثمَّ ذنبٌ كهذا يدنِّسُ أيامَنا ثُمَّ نرتكبُ الحبَّ ثُمَّ نتوبُ
لندخلَ في كربلاءَ نقاتلَ أوجاعَنَا ؟
أيّها الفجرُ خُذْنِي لأصرَخَ بينَ يَدَيْكَ :
اغمرونيَ سبعينَ موتًا لكي أتجرّعَ طعمَ الفداءِ وألبسَ دورَ الضحيّةِ
لَسْتُ أقلَّ مِنَ الصحبةِ الأوفياءِ بعصرِ الظهور

Testing
عرض القصيدة