سؤالُ بابِكَ يستقي صمتَ الدروب
ووجهُ غارِكَ جلّلَتْهُ يدُ الغروب
فقلْ لي: أينَ وكيفَ
تأخذُكَ الملاحمُ والغيوب ؟

***

كدمعةٍ حيرى على خدِّ المكان
تسيرُ تكنزُ شعلةَ الشمسِ الطريدةِ
بيدَ أنَّ سحائبَ العدمِ ، الدخان
غدَتْ نسيجَ سمائكَ الثكلى ، الوحيدة

إنّما يا صاحبي
ما هكذا ،
جاءَت أحاديثُ الجريدة ..

***

للمعةِ الياقوتِ تُرفعُ
تلكمُ الآياتُ مِنْ متنِ السيوفِ
أكنْتَ أنتَ نبيَّها ؟
ألفيت وحيَكَ بينَ نبرةِ أرضِكَ الأولى وجوقتِكَ الشهيَّةِ
عندَ قُدّاسِ الحتوف ؟

***

أراكَ تهدرُ عمرَ فأسِكَ
في مجاهلِ غابةٍ ملأى بأغصانِ الرماد
وأنتَ تعلمُ أنَّ غمرَ الحبِّ
في ذهبِ الوقاد ..

***

فقلْ بربِّكَ
أينَ مكةُ هذهِ ؟
قد قلتَ إنّكَ قد خزَنْتَ بيوتَها
في سرِّ طلسمِكَ الدفينِ
وإنَّ زمزمَ صارَ نهرًا
في خطوطِ يدِ الصحارى البالية
ما بينَ عرسِ غديرِكِ المنسيِّ في رزءِ الخميسِ
وضحكةِ النفطِ الأخيرةِ والعروشِ الخاوية
أشواطُ بيتِكَ هذهِ الملأى
أراها خالية ..
مذْ كانَ يومُ الخلقِ
قسَّمُ آدمٌ ألوانَهُ ، واختطَّ بيتَكَ كحلَهُ بيدِ السهادِ
على بوادي الذكرياتِ النائية ..

قلْ لي بربِّكَ ،
أينَ مكةُ هذهِ مرسومةٌ
وصلاةُ بوصلتي أضاعَتْ قِبلتي
ووجوهُ عالميَ الوحيدِ تخالَطَتْ
بينَ البروجِ العالية

***

في كلِّ وجهٍ
كانَ وجهُ أميةٍ
في كلِّ دارٍ أو جدار
ونسمةُ الصبحِ الزكيةُ مسَّها
شيطانُ تبغٍ مستدار
وبوحُ آخرِ نجمةٍ مسخَتْهُ قهقهةُ المدار
على صلاةِ الفجرِ في عشرينَ ركعة
بعدَ حشرجةِ الغواني والجِرار ..

***

سيقالُ عنكَ: الخارجي !
وأنتَ يا يحيى
تراهنُ بالحقيقةِ،
بيدَ أنَّ بغيَّ بابلَ لا يزالُ لعابُها رَطِبًا
بألسنةِ الملوك

تعالَ يا يحيى ..
فعصرُكَ لا يزالُ يجالسُ المنفى البعيدَ
وعطرُكَ القاني يزقزقُ فوقَ غصنِ النحرِ
في كنفِ الوريدِ ..
و في غرابةِ نظرةِ العينينِ في فتوى شُرَيح
رأيْتُ شهقةَ كلِّ أسئلتي الغريقةِ
حولَ ماضيكَ الجديد ..
وأنتَ يا يحيى
تراهنُ إذْ تراهنُكَ الحقيقةُ
بالحقيقة !

***

سَلْ صباحاتي
وسَلْ كرسيَّ مقهايَ الغريب
أزمانُ قومي منذُ سبيِ القدسِ
حتى آخرِ الكتبِ التي جاءَتْكَ مِنْ عَطَشِ الفراتِ
تنامُ في عدمٍ تناسلَ في أراجيلِ المعان
على اللهيبِ
ككذبةٍ فُطِمَتْ على ثديِ الخطيبِ،
ومِنْ أحاديثِ المنابرِ عندَ محرقةِ اللسانِ
وتستغيبُ حضورَكَ المرموزَ في كسفِ الزمانِ ..

تعالَ يا يحيى ..
فغربانُ السياسةِ لا تزالُ تجولُ فوقَكَ
وسيفُ هيرودوسَ لا يُخْفِي بريقَه
وأنتَ يا يحيى ..
تعمِّدُ كلَّ شيءٍ بالحقيقة ..

***

يقولونَ امكُثْ ..
نحنُ درعُكَ ..
بينمَا اختاروا لغيرِكَ أنْ يكونوا البندقية

***

الإمامةُ لا تزالُ بكارةً يا صاحبي
مِنْ يومِ قالَ الشقشقيّة ..

***

لا تسلْنِي أينَ عقلي
العقولُ تخضَّبَتْ بمنيِّ كرسيِّ الخلافةِ عندَ قارعةِ الطريقِ
وطلسمُ البرديِّ دنَّسَهُ الحريقُ
سَلْ شوارعَ مصرِ
سَلْ حاراتِها واغفرْ لدانيالَ النواحَ
على بقاياها بسوقِ الأزبكيّة ..

***

أينَ تمضي ؟
وجهُ دنيانا
وجوهُ الغاضريّة ..

***

أنتَ ما شادَتْ لكَ الأقدارَ دارًا
لا ولا حاكَتْ دثارًا
أنتَ دوماً سيلُ سؤلٍ جارفٍ
تمتدُّ من رؤيا (بحيرى)
نحوَ بابَ السرمديّة ..

***

أينَ تمضي بالبقايا
مِنْ ندى وجهِ الصبايا
البحيرةُ كفكفَتْ أسماءَها
بمناشفِ العشرينَ قرنًا
ثم أهدَتْنَا لمنعِ الحملِ قرصًا
والمياهَ المعدنية

***

كلُّنَا شبثٌ وشمرٌ
أيُّها الصمتُ الجريح
كلُّنا بوقُ الإذاعاتِ الصريح

***

لهجةُ الوحيِ التي أتقَنْتُها
ضاعَتْ بمَا قد ضاعَ مِنْ لغةِ السجود
وهذهِ الضوضاءُ ما برِحَتْ تنازعُ كلَّ سلطانِ الوجود
وما تبقّى مِنْ ربيعِ الألسنيّة ..

***

أينَ تمضي ؟
لا تزالُ ترومُ مكةُ حاملاً آيَ النبأ ؟
لكنَّ هدهدَكَ الأمينَ مضى
إلى كوفانَ .. لم يأتِكَ مِنْ ذكرى سبأ

والعرشُ لا بلقيسُ ..
تحفظُهُ الأيادي السلطوية ..

Testing
عرض القصيدة