فسمعَ العباسُ صوتَ زينبِ= وهوَ يرى في غربةٍ سبطَ النبي قالَ لإخوان لهُ : تقدَّمُوا= فقاتَلُوا في عزة لم يُحْجِموا همْ جعفرُ الفذُّ وعبدُ اللهِ= وثمَّ عثمانُ فتى الدواهي إذْ واجَهوا الموتَ رجالاً بررَهْ= مُشبّهينَ بأبيهم حيدرَهْ فلمْ يكُ العباسُ بَعْدُ يصبرُ= فجاءَ للحسينِ وهوَ يزْأَرُ يسمعُ صوتَ الصبيةِ العطاشى= حاشاهُ أن يغضَّ طَرْفاً حاشا يقولُ : يا أَخاهُ ضاقَ صدري= أُريدُ أنْ آخُذَ منهُم ثَأْري فدمعَتْ عينُ الحسينِ واكتوى= وقالَ : أنتَ أنتَ صاحبُ اللِّوا إنْ شِئتَ فاطلُبْ للنساءِ ماءا= وصبية باتُوا لنا ظِماءا فحملَ القربةَ نحوَ المشرعَهْ= وقدْ أُحيطَتْ بالرماحِ المُشْرعَهْ لم يَرْهَبِ العباسُ ذاكَ الجَمْعا= إلّا وقدْ أثارَ فيهِ النَّقْعا مُرتجزاً يهدرُ وهوَ يضربُ= يقولُ : هلْ مِنْ فارس يا عربُ « لا أرهبُ الموتَ اذا الموتُ زقا= حتى أُوارى في المصاليتِ لقى (1) اِنّي أنا العباسُ أغدو بالسِّقا= ولا أَهابُ الموتَ يومَ المُلْتقى » وراحَ في قتالهِ يجالدُ= وعنْ بناتِ المصطفى يجاهدُ حتّى اِذا ما اقتحمَ الفُراتا= وأسكتَ الضجيجَ والأصواتا مدَّ يداً للماءِ كيْ يغْتَرِفا= ففي فؤادهِ لهيبٌ ما انطَفى تذكَّرَ الحسينَ والنساءا= وكيفَ ظلُّوا بعدَهُ ظِماءا فقالَ والدمعةُ في العيونِ= « يا نفسُ مِنْ بعدِ الحسينِ هُوني وبعدَهُ لا كُنْتِ أو تَكوني= هذا الحسينُ واردُ المَنونِ وتشربينَ باردَ المَعِينِ= تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني » فتركَ الماءَ وظلَّ عاطِشا= وملأَ القِربةَ ماءً ومَشى فاختَبأوا لهُ وراءَ نخلَهْ= يحاولونَ منعَهُ أوْ قتلَهْ ونَصبوا بغِيلة كَمِيناً= حتّى بَروا من زندِهِ اليَمِينا فقالَ : « إنْ قطعتمُ يَميني= إنّي أحامي أبداً عَنْ ديني وعنْ إمام صادقِ اليقينِ= نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ » ولمْ يزلْ يضربهمْ ضُلّالا= فقطَعوا ذراعَهُ الشِّمالا وجاءَتِ السِّهامُ مثلَ المَطرِ= فصدَّها بصدرهِ والمنحَرِ وقدْ أصابتِ السقاءَ الأسهُمُ= أُريقَ ماؤُها وطاحَ العلَمُ مُذْ ضُرِبَ العباسُ بالعمودِ= وجسمُهُ مُزِّقَ بالحديدِ فصاحَ يا حسينُ يا غريبُ= أُخيَّ يا مظلومُ يا حبيبُ عليكَ منْ جِراحي السلامُ= قدْ قالَها وانقطعَ الكلامُ جاءَ الحسينُ هاتِفاً بصيحةِ= انكسرَ الظهرُ وقلَّتْ حِيلتي وشُمتَتْ بغُربتي الأعداءُ= مذْ طاحَ مِنكَ السيفُ واللِّواءُ وعادَ نحوَ خيمةِ الاطهارِ= يُكفكِفُ الدموعَ بانكسارِ فَسمعَتْ سُكينةٌ وزينبُ= فكثرَ المُعوِلُ والمُنتَحِبُ وصرختْ زينبُ وا ضيْعَتنا= بعدَك يا عمادَنا وبيتَنا وندبت فاطِمَ والنبيا= وجعفرَ الطيارَ والوصيّا هذا الحسينُ مفردٌ في الطّفِّ= وحولَهُ النسا غدَتْ في خوفِ ونجلُهُ السجادُ في خيمتهِ= يعالجُ المحنةَ في علّتهِ وعندَها صاحَ الحسينُ مُعلِنا= هلْ مِنْ مُغيث صادق يُغيثُنا هلْ مَنْ يخافُ النارَ أو يَؤوبُ= فسكتَ القومُ ولم يُجيبوا وعندَها استعدَّ للمَماتِ= وكانَ آيِساً مِنَ الحياةِ (2)

Testing
عرض القصيدة