1
أحرمَ ابنُ المصطفى للحجِّ
تحتَ الشجرةْ
وأتى مكةَ،
بل جاءتْ له أمُّ القرى!
طافَ حولَ البيتِ سبعاً
وسعى معتمرًا...
يرمقُ الركنَ اليمانيَّ
فيبدو حيدرةْ
ويرى أولادهُ مذبوحةً بالمِشعرَين...
2
في مُصلّى جدِّهِ صلّى
وأهداه الصلاةْ...
في مقامٍ فيه آياتٌ
– رآها –
بيّنات.
حجّ إبراهيمُ في أعماقِهِ
روحاً وذات
نُسُكاً
لا ينتهي إلاّ بأرضِ الأمنيات:
قد فداهُ في مِنى
وهو بصلبِ الساجدين!
3
كان ضوءاً خافتاً
يبعثُهُ وجهُ القمرْ
وحسيسًا ناعماً
خالطهُ صوتُ المطرْ؛
حينما صلّى حسينٌ
وتلا بعض السورْ...
لو تراهُ ~ قلتَ:
يا للهِ! ما هذا بشرْ!
ذاكَ أنَّ اللهَ نورٌ في جباهِ المخلَصين
4
هكذا الحبُّ:
عذابٌ؛ إنما عذبُ الألم ْ
تُصبِحُ الدنيا وإياهُ سواءً والعدمْ !
فترى العاشقَ مثلَ
الأبكم ِ
الأعمى
الأصمّ !
ذا حسينٌ
وهو يشتاق ُ إلى النورِ الأتمّ،
صار يحيا الحبَّ معراجاً
بلا حين ٍ وأين ...

5
سيدُ البطحاء ِ
منهُ ذلكَ القفرُ ارتوى.
إسمُه في كلِّ إسم ٍ
وهو رسمٌ لا يُرى.
وهو في كلِّ الرواياتِ
إذا الدهرُ روى
هو تحتَ القُبةِ الخضراءِ
نجمٌ قد هوى
وهو في اللوح ِ كتابٌ
عند ذي العرشِ مكين.
6
أبيضَ الوجهِ
له رسمُ
بني عبدِ مناف.
حولَهُ طوّفَتِ الأملاكُ
والناسُ صَوافّ.
لستُ أدري،
أيَّهم قد جعلَ الرحمنُ بيتاً للطواف؟
ذلكَ البيتُ،
وهذا سيدُ البيتِ بلا أيّ خلاف
(فإذا صليتَ أدركتَ وجوبَ المقصدَين)
7
كلُّ ما جاءَ بهِ جبريلُ
مطويٌّ بهِ.
ترفعُ الأعمالُ
والميزانُ
في حضرتهِ.
ومسارُ الكونِ
مكتوبٌ على جبهتهِ.
هو فُلكٌ،
وسِع العالمَ من رحمتهِ.
وهو مصباحُ الدجى،
يهدي إلى الحقِّ المبين.

8
هالني أنّ لهُ في كلِّ ذكرٍ
ذكرياتْ
وله مبتدأُ الفضل ِ
وفيه الخاتماتْ.
لم تنجسْهُ قريشٌ،
ب (مَناةٍ)
أو ب (لاتْ)
بل، أتى لمّا اصطفى الرحمنُ خيرَ الأمهات:
جاءَ من صُلبِ نبي ٍ ووصي ٍ خاتِمَين!

9
هو من أسباطِ طه َ
وهو من آل ِ الخليل.
عنده التوراةُ والإنجيلُ
والسِفرُ الجليل،
بل؛ هو اللوحُ الذي يَقرأُ منهُ جبرئيل.
ولديهِ الحوضُ يجري،
ولديهِ السلسبيل
فلماذا مُنعَ الماءَ
بجنْبِ الرافدَين؟

10
بذرة ٌ هامَتْ.
وصارَتْ زهرة ً
ملْءَ البهاءْ!
نسجُها يلبسُهُ الأحياءُ والموتى سواء!
وحسينٌ قد مضى
دونَ وطاءٍ
أو رداء!
بل، تغشّى النورَ
والقومُ عرايا
في الخواء
أين زهرُ القطن ِ من نورِ لباس ِ المتّقين؟
11
قد بغى الكفارُ
في الأرضِ
وجابوا في البلادْ
وهُمُ حين تولّوا
أكثروا فيها الفساد
وإذا قيلَ لهم لا تفسدوا في الأرضِ ظلماً بالعباد،
غصبوا الفَيْءَ
وأحيَوا في الورى
سُنّة َ "عاد"،
وأتَوا كلَّ
(الذي يُندى له كلُّ جبين)!
12
قَرَّبوا كلَّ دنيءٍ
أبعِدوا كلَّ جليل!
وأبادوا من أبى الإذعانَ؛
إذعانَ الذليل
فرموا هانئَ في الأسواق ِ
تغشَاهُ الرعيل
بعدَما راقَ لهم أن يغدروا بابن ِعقيلْ
هكذا:
حتى تسنّى لهُمُ
قتلُ الحسين!
13
إنَ أهلَ السّرِ في سرِّهِمُ
لا يُعرفونْ
إذ يموتونَ
وهم لمّا يزالوا يُرزقون!
أوَما أبصرتَ في أعينِهم
إذ ينطقون؟
أو أصختَ السمعَ بالأسحارِ
إذ يستغفرون؟
(شهداءٌ).
شهِدوا الغيبَ
وغابوا شاهِدينْ...
14
فتية ٌ قد آمنوا باللهِ يخشونَ الحسابْ
أُخرجوا من دارِهم ظلماً فقاموا بالصواب
هاجروا لله ِ
يشرُون نفوساً لا تَهاب.
وإذا: تبدو لهم مقبرة ٌ
تحتَ التراب!
شاهدوا ما لا يُرى
فاستُشهدوا
مُستأنسين.

15
إنها دارُ أبي طالبَ:
منها يُولدون!
فتية ٌ قد ورثوا اسماعيلَ
(حباً يُذبحون).
ويتيمٌ
من بني هاشمَ
فيهم،
من يكون؟
كلُّهُم آسادُ
تختالُ بهم أرضُ الحجون.
صنعت فاطمة ٌ أنصارَ طه والحسين!
16
أقفل الحجاجُ
حيرى
في هجير الباديةْ
قرّبوا نيفاً وسبعينَ فداءً غاليا
ساقَها الحبُّ إلى الذبح ِ
بأرض ٍ نائية.
مثلَ وادٍ
غيرِ ذي زرعٍ وعين ٍ جارية،
أصبحتْ أرضاً
لها تهوي قلوبُ المؤمنين.
17
وقَفتْ سيدة ٌ
ترمقُ أطنابَ الحسينْ
فرأتْ ما بينَ عينيهِ
وجومَ الخافقَين.
يضربُ الأوتادَ بالأرض ِ
فتهتزُّ السنين
إذ ْ ترى "أحمدَ" حيناً،
وعلياً ذاتَ حين...
أنصتتْ،
حتى إذا تسمعُ جبريلَ الأمين.
18
لفّها الصمتُ،
كأنّ الصمتَ بوحُ الغرباءْ!
ذكرتْ يثربَ
بالأمس ِ
وأيّامَ حِراءْ.
وجدَتْ رائحة َ(الغارِ)
وأفياءَ قباء
فاستدارَتْ،
وأشاحَتْ وجهَها نحوَ السماء،
يا لميراثِ النبواتِ!
ويا للمرسلين!
19
همَّ بعضُ الجندِ بالحوراء ِ
أن يقتلَها!
وهُمُ لو قتلوها
لأشالوا رأسَها،
ولو اسطاعوا إذاً:
بينَ الملا طافوا بها،
ثم لم يبردْ غليلٌ لبني سفيانِها:
يطلبونَ الدمَ من آلِ أبي طالبَ
(دَين)!
20
عنَّ لي من بعدِها
وجهُ فتاةٍ باكية.
سافرَتْ بي
في سماواتِ الهوى
في ثانية.
مسَّها النورُ
وغشّاها،
فمسّتْ قلبيَ!
وكأنّي قبلَ أن أسألَها
قالتْ ليَ:
"لستُ أدري،
كلُنا فاطمة ٌ بنتُ الحسين!"
21
لم تزلْ مكة ُ تنأى
عن عيونِ القافلة.
بعُدتْ
فاقترنَتْ بالأفق ِ
شمسٌ راحلة.
واستراحَ الرحلُ
حيث الماءُ يجري مرسلا،
فالتقى الماءُ على أمرٍ جرى في كربلا
واستوى الفلكُ
على "الجوديّ" مقطوعَ اليدين!
22
قادمٌ،
قد جاءَ من ناحيةِ البيتِ العتيق.
جاءَ بالأنصارِ والأهلينَ
من فجٍّ عميقْ.
خائفاً
ولّى طريداً،
مثلَ موسى بالطريق
صَعِقا ً، قد هامَ في وادي طُوى
لا يستفيق
فسقاهُ الموتُ
كأساً سائغاً للشاربين!
23
أشتهي أن ألثمَ التربَ
الذي مرُّوا بهِ،
وأصلي داخلَ الخِدْرِ
الذي حطّوا بهِ.
وأشمَّ المهدَ
ما شئتُ
لكي أفنى بهِ.
وأبيتَ الليلَ بحثاً عن حسين ٍ
وابنهِ :
ريحُ عبدِالله؛
فيها ريح ُ كلّ ِالمرسلين!
24
قد طويتُ العمرَ
بحثاً عن ترابٍ
من حراءْ.
جُلتُ في مكة َ
أستقصي تراثَ الأولياءْ.
هِمْتُ في يثربَ
بحثاً
عن قميص ِالأنبياء،
وإذا يوسفَ مطروحٌ بوادي كربلاء!
بل؛ بدا كلُ نبيٍ حاضراً عند الحسين!
25
فمتى يبتسمُ الليلُ
بأحياءِ العراقْ
ونرى مهديَّنَا يعرجُ
من فوقِ البراقْ
ويؤمُّ الناسَ
والأملاكَ
في ذاكَ الرواق.
ونصلّي صلواتِ الفجرِ
في أحلى انشقاق
"هل أتى حينٌ من الدهرِ"
سوى طرفةِ عين؟

26
طُويَتْ كلُ سِنِيِّ الدهرِ
في يومِ الحسابْ...
تُنشرُ الأعمالُ
في الحشرِ
وتُطوى في كتابْ.
" يوم تُجزى كلُ نفسٍ"؛ فثوابٌ أو عقابْ
"ويقولُ الكافرُ~: ياليتني كنتُ تراب"!
"يوم تأتي كلُ نفسٍ"
ف "شِمالٌ" أو "يمين"...
27
وهنا فاطمةٌ جاءتْ
وقد عمَّ السكوتْ...
عبَرَتْ كلَّ السماواتِ
بصمتٍ، وقنوت!
حيّرَتْ كلَّ وجودٍ:
بشرٌ؟ أمْ ملكوتْ؟
وهي بالسّدرةِ،
تستسقي
رحيقَ الرحموت.
غسلَتْ رأسَ حسين ٍ،
وسقتْ منهُ
الحسين.

Testing
عرض القصيدة