خُلِقَتْ لرزئِكَ أعينٌ ومحاجرُ=الذرُّ مَنْشَؤُها وربُّكَ ناشرُ تبكيكَ طولِ الدهرِ دونَ تلكُّؤٍ=ومصابُها لا تحتويهِ أواخرُ ونتيجةُ الحزنِ العظيمِ لموقعِ=الحدثِ العظيمِ فكربلاءُ وعاشرُ صورٌ تلاحقُها العيونُ كأنَّما=وُجِدَتْ كمالاً للنضالِ تناظرُ فأراكَ شوقاً بينَ منعطفِ الرّدى=للقاءِ ربِ العرشِ جفنُكَ ساهرُ تأتمُّ حولَكَ نِسوةٌ مضريّةٌ=ودموعُهُنَّ على الخدودِ مواطرُ يسقينَ وردَ الخدِّ دمعَ حرارةٍ=فكأنَّهُنَّ مدامعٌ ومجامرُ يدعينَ يا ليلِ الوداعِ أطلْ بنا=جمعَ الأمانِ فللرحيلِ مخاطرُ وإذا انقضى الليلُ البهيمُ تثاقَلَتْ=شمسُ الصباحِ فما ضحاها ساترُ طلعَتْ على عينيكَ وهيَ خجولةٌ=فلردِّها تدري بأنكَ قادرُ ما ردَّها إلا أبوكَ المرتضى=وفضائلُ الكرّارِ فيكَ حواضرُ فتحزَّمَتْ للموتِ فتيةُ غالبٍ=فكأنَّهُمْ في الحربِ سيلٌ هادرُ يتسابقونَ على الحرابِ كأنَّهُمْ=أُسْدٌ وهاتيكَ الجيوشُ جآذرُ وتصاغروا للهِ في بذلِ النفوسِ=رخيصةً وعلى العُتاةِ تكابروا حتّى إذا ركدَ الغبارُ تراءَتِ الأجسادُ=وهيَ على الرمالِ نواثرُ نصروكَ حيثُ الناكثونَ بحقدِهِمْ=جمعُوا عليكَ رعاعَهُمْ وتآمروا وبقيتَ وحدَكَ يا حسينُ كأنَّكَ=الجبلُ الذي ما زحزحَتْهُ أعاصرُ متنقِّلاً بينَ الخيامِ معاتباً=للصحبِ: يا أنصارُ أينَ الناصرُ؟ ما حالُ زينبَ وهيَ تصرُخُ: (يا أخي=هذا الوداعُ فهل لقاءٌ آخرُ؟ هذا وداعُ الفاقداتِ فهلْ بقَتْ=بيني وبينَكَ يا حسينُ أواصرُ؟ لكَ قبلةٌ في الصدرِ، في النحرِ الشَّر=يفِ وصيةُ الزهراءِ حينَ تغادرُ) فمضيتَ والحوراءُ في خُطُوَاتِها=تقفو خطاكَ، وقلبُها لكَ طائرُ متوزِّعَ الأنوارِ كادَ شعاعُها=يعمي العيونَ كما عمينَ بصائرُ تمشي وحيداً كالجيوشِ وإنَّهُمْ=برؤاكَ جنديٌّ ولا هوَ ضائرُ ونزلتَ بالميدانِ منصهرَ الهوى=للهِ والظمأُ المرابطُ صاهرُ فجعلتَ أرضَ الطفِّ بحراً أحمراً=وطليعةُ الفرسانِ فيهِ غوائرُ وسماؤُها سدَّ النسورُ فضاءَها=مثلَ النسيجِ فما بهِنَّ ثواغرُ أمّا الذي بينَيْهِما ضربُ القنا=بعجاجةٍ ورؤوسُهُمْ تتطايرُ ما كانَ إلا وجهُكَ الوضَّاحُ في=لجَجِ الظلامِ وما سواهُ طامرُ حتّى وردْتَ الماءَ منهوكَ القوى=لهبُ الظّمى وسطَ الجوانبِ ساعرُ فنظرتَ في عينِ الجوادِ مخاطباً:=(هلْ ترتوي أمْ أرتوي وأبادرُ؟ إروِ حشاكَ فما أنا راوٍ حشايَ=وفي الخيامِ نوادبٌ وذواعرُ) سبحانَ مَنْ أعطاكَ إنسانيّةً=عظمى لها سجدَ الوجودُ الباهرُ لكنَّهُمْ ما قدَّرُوكَ وسيّروا=أجلافَهُمْ مثلَ الذبابِ تظافروا صالوا عليكَ تسوقُهُمْ أحقادُهُمْ=من يومِ بدرٍ كالقطيعِ تواتروا فسعَتْ إليكَ رماحُهُمْ سعيَ الفقيرِ=إلى الغنيْ لكنْ عطاؤكَ أكبرُ هذا جبينكُ للحجارةِ مرتعٌ=يا خيرَ مَنْ وُضِعَتْ عليهِ مغافرُ حتّى اشتهتكَ سيوفُهُمْ وتسابقَتْ=لمذاقِكَ النبويِّ وهيَ تثابرُ فتزاحمَتْ وسطَ الجروحِ نصولُهُمْ=كلٌّ بقتلِكَ في الملا يتفاخرُ ونساءُ آلِ محمّدٍ مذهولةٌ=يركضْنَ للجلَّى وهنَّ عواثرُ أما الذي قصمَ الظهورَ فرأسُكَ ال=مرفوعُ فوقَ الرمحِ نورٌ باهرُ يتلو الكتابَ موضحاً أنَّ الشريعةَ=سوفَ يبقيها الآلهُ القادرُ وحديثُ صدرِكَ والخيولُ فجيعةٌ=ما زالَ يرويها البُكا ويسامرُ واللهِ ما طحنوا ضلوعَكَ إنّما=طَحَنَتْ ضلوعَ الأنبياءِ حوافرُ لكَ مصرعٌ أدمى السماءَ فكيفَ لا=يُدمي القلوبَ وأنتَ فيها حاضرُ؟ حسِبوا بقتلِكَ قاهرينَ وإنَّما=قالَ العُلا والمجدُ: إنّكَ قاهرُ حملَتْ رياحُ الكونِ ذكرَكَ وارتمَتْ=نصباً على ظهرِ الأديمِ منابرُ يا سيدي محَّصْتَ في غسقِ الدُّجى=ما شدَّني إلا الأبيُّ الطاهرُ فتبعْتُ نهجَكَ عارفاً أنَّ الذي=والاكَ في اليومِ المهولِ لَعَابرُ وصنعتُ من فضلِ الآلهِ قصائداً=هيَ كالحصى لكنْ عليكَ جواهرُ إنَّ اعتقادي في هواكَ بأنَّهُ=للمتَّقِينَ من الآلهِ شعائرُ