الجرح يسكر تارة ويطيب = ما إن تقادمه الزمان يغيب
والجرح في لغة الجراح نوافذ = يشتد في ندباتها المكتوب
والجرح تندمل الضفاف بوقته = لكن جرحك يا علي عجيب
ما زال في الأصداء يغتسل الصدى= كعيون مصلوب نراه يؤوب
للوحي رجعٌ بانبثاقه مذ هوى = فوق ارتفاعك صارم منهوب
(فتهدمت) لغة تفتح صوتها = مازال ينزفها المدى المقلوب
ما انسل من حدّ الحسام تدفقا = كلا فان حديده معطوب
بل ُشجّ من عفن الضمير لزمرة ُ = قلبت عليك يشوبها التضبيب
سكبت بكأس الدهر لون غضابها= فإذا الجراح عقائد وشعوب
مازال يلفحها الضلال بسمه = فيفحها عبثا بها الأسلوب
في كل يوم طلقة تدمي له = ومديّهم يغري بها التقريب
كف تجاذبت الضفافَ فأيها = تعلي الصراخَ يثيبها الترغيب
فتشت والترهيب يصنع لونها = ورمادها مما يذرّ عصيب
سبقت إلى الفوضى تقود قطيعَها = ليعود للحقل الخصيب جديب
طبعت على الجرح الصراعَ فبعضه = طعن وبعضُ _يشبه التغريب
حتى إذا ُعصر اللظى في جوّه = ضعف البيان وُفوّز المغلوب
لله من جرح تمثل عَالَمَا = تمضي الجراح وجرحه مشبوب
ليميت بالطعنات كل مديهم = ويثور جرح نازف ورطيب
ما إن تلامسه القلوب بحزنها = تنداح فيه مرارة ولهيب
فأصيخ للرمق الذي فيّا ارتمى = والليل مغبر النجوم كئيب
فأفيق في لقياه نقش عقيدة = وظلال هديه موثق معصوب
كم هالني وجعٌ يشد بناظري = نزف المدار وكوبه مصبوب
فوددت لو أحياه لون تمازج = في وحيه لا رنة ونحيب
لألوذ في سكناه أكتشف الضنى = أو ما يكاد مع الدماء يذوب
فيبوح ملح الجرح عما قد زوي = في القلب لحظة إن رآه طبيب
لابد من يوم يجيء شقيها = فيريح من أعباءه المتعوب
ويضيء ذاك الجرح بعض لواعج = ويرنّ في الدهر الشقي هروب
سبحانك اللهم كيف بعثته = بين الجراح وحزنه مقلوب
قد (فزت) في وعر الطريق كأنها = جهة يرف شمالها وجنوب
وقفت بمفترق الدروب وحولها = طافت تجاذبها عليه قلوب
يسمو فيمنحنه الضياء نبوءة = ومدى النبوة بابها يعسوب
ليهدأ الخفقات بين حقيقتي = وجلاد قلبها خائر وسليب
فيعود والتاريخ شاطئ مترف = رخو البناء يصوغه التكذيب
عجبا كمرآة السماء يحوطنا = وجعا ودمع المقلتين خصيب
فإذا برحمته الرضية في البكا = أفق تكَشّفَ سرُه المحجوب
في كل شطر من دماه تلاوة = تطفو وأعماق بهن غيوب
يلد الصباح إلى الحياة كأن في = آهاته نبع السنا مصلوب
ما جف لحظة رغم ألف مُحاصر = والفجر في درب الدجى منصوب
مازال كالقلم المغرد بالهدى = يلتذّ في كف الهوى ويذوب
يتتبع الأقدار حيث تجسمت = فيه " اسألوني " والجواب قريب
فإذا السماء و قد تكشّف أمرها = في ضفتيه مع الشموس ثقوب
وإذا به كون يطلّ على الهدى = والوحي في أرجاءه مكتوب
إيهٍ لجرحك يا علي (فلا فتى) = إلاك يقبلُ جرحُك الموهوب
ألقى رسالته الزكية للدمى = ليعود في آلاءه ويذوب
سيؤذن المحرابُ كعبةَ ربه = حتى يكاد البيتُ فيه يؤوب