متى يشتفي من لاعج
سالم ابن العودي النيلي
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم = وقد لج في الهجران من ليس يرحم؟!
إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه = فؤاد بنيران الأسى يتضرم
ويثنيه عن سلوانه لفضيلة = عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه = من الخبل والوجد المبرح يسلم
إذا ما تلظت في الحشا منه لوعة = طفتها دموع من أماقيه تسجم
مقيم على أسر الهوى وفؤاده = تغور به أيدي الهموم وقتهم
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا = فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالأماني سقيمة = وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت = عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها = إلي وأفواه بها كنت ألثم
أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب = وخصرا غدا من ثقله يتظلم
وأمتاح راحا من شنيب كأنه = من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي = وبان الصبا واعوج مني المقوم
وأضحى مشيبي للعذار ملثما = به ولرأسي بالبياض يعمم
وأمسيت من وصل الغواني ممنعا = كأني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة = كأني خنس في البكا أو متمم
وأصفيت مدحي للنبي وصنوه = وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد = هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد = هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا = هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطاها وهل أتى = هم النحل والأنفال إن كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا = هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى = هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله في البيت والورى = هم العين عين الله في الناس تعلم
هم الآل فينا والمعالي هم العلى = ينمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى العلى = سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم = إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلولا هم لم يخلق الله خلقه = ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا = فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا = لميكال: من مثلي وقد صرت منهم؟!
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا = لهم سيد الأملاك جبريل يخدم؟!
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة = من الناس والقرآن يؤخذ عنهم؟!
أبوهم أمير المؤمنين وجدهم = أبو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى = وقاموا بحكم الله من حيث يحكم
وخالهم إبراهيم والأم فاطم = وعمهم الطيار في الخلد ينعم
إلى الله أبرا من رجال تتابعوا = على قتلهم يا للورى كيف أقدموا؟!
حموهم لذيذ الماء والورد مفعم = وأسقوهم كأس الردى وهو علقم
وعاثوا بآل المصطفى بعد موته = بما قتل الكرار بالأمس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية = على أنه ما كان في القوم مسلم
وألقوهم في الغاضريات صرعا = كأنهم قف على الأرض جثم
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم = بأرياشها طير الفلا وهي حوم
بأسيافهم أردوهم ولدينهم = أريق بأطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف أمية = على السبط إلا بالذين تقدموا
وأنى لهم أن يبرأوا من دمائهم = وقد أسرجوها للخصام وألجموا
وقد علموا أن الولاء لحيدر = ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه = وأخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها = وقال: اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستة = وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا إلا ليقتل بينهم = علي وكان الله للطهر يعصم
وإلا فليث لا يقاس بأضبع = وأين من الشمس المنيرة أنجم؟!
فواعجبا من أين كانوا نظائرا؟! = وهل غيره طب من الغي فيهم؟!
ولكن أمور قدرت لضلالهم = ولله صنع في الإرادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا = كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم = إذا قال: لم خنتم عليا وجرتم؟!
وما عذرهم إن قال: ماذا صنعتم = بصنوي من بعدي؟! وماذا فعلتم؟!
عهدت إليكم بالقبول لأمره = فلم حلتم عن عهده وغدرتم؟!
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم = وخالفتموه؟ بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم = فكم قمتم في ظلهم وقعدتم؟!
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم = عليهم وإحساني إليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم = إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم
كأنهم كانوا من الروم فالتقت = سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن أخذتم من بني بثأركم = فحسبكم خزيا على ما اجترأتم
منعتم تراثي ابنتي لا أبا لكم = فلم أنتم آباءكم قد ورثتم؟!
وقلتم: نبي لا تراث لولده = أللأجنبي الإرث فيما زعمتم؟!
فهذا سليمان لداود وارث = ويحيي لزكريا فلم ذا منعتم؟!
فإن كان منه للنبوة وارثا؟! = كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم = ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم: حرام متعة الحج والنسا = أعن ربكم؟! أم عنكم ما شرعتم؟!
زناتكم تعفون عنهم ومن أتى = إليكم من المستمتعين قتلتم
ألم يأت: ما استمتعتم من حليلة = فآتوا لها من أجرها ما فرضتم؟!
فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى = بتحليله؟! أم أنتم قد نسختم؟!
وكل نبي جاء قبل وصيه = مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا = لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم: مضى عنا بغير وصية = ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم؟!
وقد قال: من لم يوص من قبل موته = يمت جاهلا. بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم = على الله فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه = عليكم بما شاهدتم وسمعتم
: علي غدا مني محلا وقربة = كهارون من موسى فلم عنه حلتم؟!
شقيتم به شقوى ثمود بصالح = وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم إلى الدنيا فضلت عقولكم = ألا كل مغرور بدنياه يندم
لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا = على (حيدر) فيما أساؤا وأجرموا
زووا عن أمير النحل بالظلم حقه = عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم (الغدير) محمد = وقال: ألا يا أيها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص: بلغ رسالتي = وها أنا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فإنه = إمامكم بعدي إذا غبت عنكم
فقالوا: رضيناه إماما وحاكما = علينا ومولى وهو فينا المحكم
رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده = ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
فلما توفي المصطفى قال بعضهم: = أيحكم فينا؟ لا، وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن = لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كأنهم = على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود الله في غير حقها = ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا رأي هذا بقوله = وينقض هذا ما له ذاك يبرم
وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة = فلم يك من هذا يحل ويحرم
أربان للانسان؟! أم كان دينهم = على النقص من دون الكمال فتمموا؟!
أم الله لا يرضى بشرع نبيه = فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم؟!
أم المصطفى قد كان في وحي ربه = ينقص في تبليغه ويجمجم؟!
أم القوم كانوا أنبياءا صوامتا = فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا؟!
أم الشرع فيه كان زيغ عن الهدى = فسووه من بعد النبي وقوموا؟!
أم الدين لم يكمل على عهد أحمد = فعادوا عليه بالكمال وأحكموا؟!
أما قال: إني اليوم أكملت دينكم = وأتممت بالنعماء مني عليكم؟!
وقال: أطيعوا الله ثم رسوله = تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
فلم حرموا ما كان حلا؟! وحللوا = بفتواهم ما جاز وهو محرم؟!
ترى الله فيما قال قد زل؟! أم هذا = نبي الهدى؟! أم كان جبريل يوهم؟!
لقد أبدعوا مما نووا من خلافهم = وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا
وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا = وأسيافنا فيكم تسدى وتلحم
وما مات حتى أكمل الله دينه = ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود أظهرت وضغائن = وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل = ويسكت منطيق وينطق أبكم
وما أخروا فيها عليا لموجب = ولكن تعد منهم وتظلم
وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد = ولكن دين الله لا يتهدم
وحاشى لدين شيد الحق ركنه = بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم (آل محمد) = من الله في العقبى عقاب ومأثم
فإن غصبوهم أمر دنيا دنية = فما لهم في الحشر أبقى وأدوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة = على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!
تولى بإجماع على الناس أول = ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال: أقيلوني فلست بخيركم = فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!
وأثبتها في جوره بعد موته = صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة = لولاه دون الغير والأنف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث = وجرد سيف للوصي ولهذم
أشورى؟ وإجماع؟ ونص؟ خلافة = تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل = يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو أنه كان المولى عليهم = إذن لهداهم فهو بالأمر أعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله = هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر = يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه = إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا
وما دخلوا الاسلام دينا وإنما = منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا: علي كان في الحكم ظالما = ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا: دماء المسلمين أراقها = وقد كان في القتلى برئ ومجرم
فقلت لهم: مهلا عدمتم صوابكم = وصي النبي المصطفى كيف يظلم
أراق دماء المسلمين؟! فوالذي = هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده = وممن تعدى منهم كان ينقم
أما قال: أقضاكم علي محمد = كذا قد رواه الناقد المتقدم
فإن جار ظلما في القضايا بزعمكم = علي فمن زكاه لا شك أظلم
فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا = فأشركه في قتلهم وأصمم
وألقى إلهي دونهم بدمائهم = فننظر عند الله من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة = إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم؟
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل = يقول: سلوني ما يحل ويحرم؟!
سلوني ففي جنبي علم ورثته = عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السموات إنني = بها من سلوك الأرض والطرق أعلم
ولو كشف الله الغطا لم أزد به = يقينا على ما كنت أدري وأعلم
وكأين له من آية وفضيلة = ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت أعماله عند موته = بخير فأعمالي بحبيه تختم
فيا رب بالأشباح (آل محمد) = نجوم الهدى للناس والأفق مظلم
وبالقائم المهدي من (آل أحمد) = وآبائه الهادين والحق معصم
تفضل على (العودي) منك برحمة = فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته = إذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برأفة = فإنك أنت المنعم المتكرم
فإن كان لي ذنب عظيم جنيته = فعفوك والغفران لي منه أعظم
وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي = فإني بمدح الصفوة الزهر أختم