يا حبيبي يا حسين=يا قطيع الودجين
جسد في الأرض ملقى=دون رأس ويدين
و ترآءت كربلا في عينها بحرَ دماءْ=جثثُ القتلى و نارٌ و ضجيجٌ و بكاءْ
و خيامٌ أحرقوها و نساءٌ بالعراءْ=و يتاما شردوها بالفلا تطلبُ ماءْ
و خيولٌ حطمتْ عدوا صدورَ الشهداءْ=صرختْ من جَلَلِ الخَطبِ و مِنْ عُظمِ البلاءْ
يا حسينٌ يا حبيبي يا سليلَ الأنبياءْ=و لدي أدعو ولا أسمعُ رداً للنداءْ
لم تزلْ تدعو حسيناً و هي تشكو للسماءْ
و إذا صوت حزينْ ببكاء و أنينْ=انظري هذا الحسينْ دون رأس و يدينْ
أجهشتْ زينبُ تبكي و الفؤادُ انفطرا=أمُ لما غبتِ عني كنتُ غُصناً اخضرا
فأحالتْ كربلا عُمري جحيماً مُسعرا=ثمَّ راحتْ في بكاءٍ تشتكي مما عرى
و تعانقنَ و دمعٌ كاللهيبِ انحدرا=و زفيرٌ يعصرُ النفسَ عَلا و انكسرا
كيفَ أروي لكِ أماهُ علينا ما جرى=و الذي صارَ علينا ليسَ يحكى أدهرا
جئتُ أماهُ للطفِ بعزٍ و جلالْ=حوليَ الفرسانُ أسدٌ تتفانى في القتالْ
و بهم خيماتُنا كانتْ حصونا كالجبالْ=و معي العباسُ ذو البأسِ إذا جدَّ النزالْ
يحرسُ الخيمةَ صقراً لا يجارى في مجالْ=و يحوطُ الخدرَ بالبيضِ و بالسمرِ الطِوالْ
ما رأتْ عينايَ كرباً أو جرى الهمُّ ببالْ=فأحاطتنا الأعادي بخيولٍ و رجالْ
ملأوا البيداءَ بالجندِ سهولاً و تلالْ=منعوا الماءَ علينا عاجلونا بالقتالْ
أرسلوا أسهمَ حقدٍ أمطرونا بالنبالْ
جيشهم ملء الفضا سد وادي كربلا=كل من فيه أتى طالباً رأس الحسين
و أتى العاشرُ يا أُماه و الحربُ الضروسْ=لم يزلْ في مسمعي وقعُ سيوفٍ و تروسْ
فتفانتْ دونَ سبطِ المُصطفى تلكَ النفوسْ=فرأى الأعداءُ منهمُ في الوغى يوماً عبوسْ
يردونَ الموتَ كالشهدِ تلالا في الكؤوسْ=أرخصوا في نصرةِ السبطِ دماءً و نفوسْ
و أحاطوا بابنِ طه بالخيولِ الصافناتْ=فأدار الطرفَ لكنْ في الجسومِ العافراتْ
و رأى الأصحابَ غرقى في الدماءِ الزاكياتْ=فاطمٌ إنَّ حسيناً ظلَّ في هذي الفلاةْ
مفرداً ليسَ لهُ مِنْ ناصرٍ بينَ الطغاةْ
ثم لمّا ضمني أُماه في وقتِ الوداعْ=قائلاً ما بعدَ هذا من لقاءٍ و اجتماعْ
فاصبري بعدي على الخطبِ و لا تبدي افتجاعْ=و اتركي اللطمَ على الخدِ و تمزيقَ القناعْ
سكني روعَ اليتامي و أحفظيهم من ضياعْ
و مشى فرخكِ عنا قاصداً نحوَ المنيةْ=صحتُ أدعوهُ أخي قفْ لي هنيةْ
حلَّ أزراركَ عن صدرك يا نجل الزكيةْ=إن أمي عهدتْ لي يا حبيبي بوصيةْ
فشممتُ الصدرَ منه و أنا أبكي شجيةْ=و لثمتُ النحر يا أماه أديتُ الوصيةْ
قبل أن يغدو الحسين بالثرى ملقىً طعين=و عليه الخيل تعدوا دون رأس و يدين
و مضى للحربِ أماه كليث كاسرِ=و هو يلقي نظرة نحو الخباءِ الطاهرِ
يدفع القومَ وحيداً ماله من ناصرِ=و غدا من كثرة النبلِ كنسرٍ طائرِ
فهوى للإرض ويلاه بسهمٍ غادرِ
لو رأيتِ مهجةَ الروحِ على الأرض طعينْ=يفحصُ الرجلين بالإرض و يدعو المجرمينْ
و ينادي قسماً بالمصطفى الهادي الأمينْ=جديَ المختار طه و أبي ليث العرينْ
إنني يا قوم عطشانٌ فهل ماء معينْ
و أتى المهرُ إلينا نادباً بالصرخاتْ=و عليه السرجُ ملوياً يهيجُ العبراتْ
فتبعتُ المهرَ أعدو بينَ تلك التلعاتْ=و غدت خلفي الأيامى كالبدورِ الزاهراتْ
عاثراتٍ من حياءٍ باكياتٍ لاطماتْ=فرأينَ الشمرَ جاثٍ فوقَ نسل الزاكياتْ
و رأيت الشمرَ فوق الصدرِ ويلي منتعلْ=موغلاً صارِمَه في النحرِ يفري بعجلْ
فدفعتُ الرجسَ عنه و دموعي تنهملْ=و دعوتُ الشمرَ يا أمُ و قلبي في وجلْ
خل يا شمر حسينا و أنا عنه البدلْ=أوقع الصوت برأسي و عن الصدر نزلْ
ضارباً بالسيف في نحر أخي حتى انفصلْ
و بقى واعجبي في الثرى سبط النبي=عافراً بالترب دون رأس و يدين
لو ترى يا أمُ سبطَ المصطفى فوق الترابْ=عافرَ الخدين بالرمضاءِ مسلوب الثيابْ
جسمُه قد مزقوه بنبال و حرابْ=و عليهِ الخيلُ تعدوا في ذهابٍ و إيابْ
طحنت أضلاعَه الأعداء بالجُرْدِ العرابْ=و أحاطت بفساطيط النسا تلك الذئابْ
تشبعُ النسوانَ تعذيباً و ضرباً و استلابْ=ما رعوا فينا رسول الله مرعيَ الجنابْ
لو تري يا أم ما قد فعلوه بعدما=غاب طه في بنيه الأتقياءِ الكرما
ما رعوا بعد رسول الله فينا حرما=كم أراقوا لرسول الله في الأرض دما
عجباً كيف استقرت فوقنا هذي السما=عجبا لم تمطر الأرضُ بطوفانِ دما