جاءت إلى قبرِ الحبيبِ بلهفةِ = والدَّمعُ يجري فوقَ أكرمِ وجنةِ
وهوتْ وقد صُدعَ الفؤادُ كأنها = جبلٌ تصدَّعَ و انفنى في لحظة
لتشمَ أطيبَ تربةٍ علقت بها = ريحُ الحبيبِ وولولت في حرقة
قُمْ واجبرِ الكسرَ الذي هدَّ القوى = وامسحْ دموعَ العينِ. برِّد لوعتي
أو ضمني إياك في الرمسِ الذي = قد صارَ، مُذ وارك، أجملَ جنة
ما قيمةُ الدنيا بدونكَ؟ إنها = شرٌ، ونحسٌ. ظلمةٌ في ظلمة
ما بالُ ربِّ الحبِّ يهجرُ إلفهُ = أفلا يرى في الهجرِ أكبرَ جُنحة ؟
أفلا يرى في الهجرِ دون جنايةٍ = يسقي المُحِبَّ صديدَ قيحِ الغُصةِ؟
ويلفه بحبائلِ الهمِ التي = تهديهِ للموتِ البطيءِ كلقمة
يا كعبةً قلبي يصلي عندها= و أطوفها سبعاً فتقشع وحشتي
وتجئُ محرمةً، وتسعى أدمعي = كالسعي ما بين الصفا والمروة
يا معبَدَ الإخلاصِ أنت خلاصُنا= من كلِّ هولٍ قد عتى أو ظلمة
أأخيَ يا نورَ العيونِ، ويا دماً = يروي بأوردتي، ويسكنُ مهجتي
ترجمتَ لي معنى الوفاءِ، وصِغتَ لي = لُغةَ الهوى، وطبعتَها في مقلتي
يا ابن التي سجدت لها السبعُ العلى = والأرضُ والدُّنيا وأصغرُ ذرة
قم لا تسلمْ من أحبك للردى = فيسومهُ سوءَ العذابِ بغلظة
يا سيدَ الشهداءِ يا ابن المصطفى = ابن الوصي المرتضى والبضعة
قم يا ابن أمي للعقيلةِ زينبٍ = لتضمها وتشمها في لهفة
يا آيُّها الظمآنُ من حرِّ اللظى = قم روِّ ثغركَ سيدي من دمعتي
يا سيد الماءِ الزُّلالِ أهكذا = تموت ولم تذقْ من قطرة ؟
وأراكَ لو جئتَ الصحاري أعشبت = وتفجرتْ منها العيونُ بروعة
وأبوكَ يسقي الناسَ يومَ الحشرِ من = ماءٍ يفوقُ على الفراتِ ودجلة
لكنه القدرُ الذي حكم الورى = واللهُ يفعلُ ما يشاءُ بحكمة
أحسينُ كلمني عسى أن تنطفي = من قلبيَ الولهانِ جمرةُ حسرتي
أمْ هلْ نسيتَ بأنني الأختِ التي = غذتكَ يا روحي بزادِ الرأفة ؟
إذ غيرتْ لوني سياطُ أميةٍ = وأكفُ شمرٍ وهي تحرقُ وجنتي
وأنا التي كنتُ الشروقَ إذا بدا = أصبحتُ من ضربِ الطغاةِ كجمرة
أحسينُ ها أنا زينبٌ نبعُ الوفا = لم أنس أحبابي وتلك سجيتي
فلقد عرفتُكَ سابحاً بدمِ الهدى = جسداً بلا رأسٍ صريعَ التربة
ورفعتُ جثتَكَ الغسيلةَ بالدما = فتناثرتْ فوقي فيا لمصيبتي
ورفعتُ طرفي للسماءِ وصحتُ يا = ربي وخلاقي تقبلْ قربتي
أحسينُ أين كفوفُكَ البترا التي = ياطالما رُسمت عليها قبلتي؟
ما حالُ وقعِ السهمِ في القلبِ الذي= وسِعَ الفضا. وسعَ الورى بالرحمة
ما حالُ صدرٍ شمَّهُ خيرُ الورى = هل هُدَّ إذ طحنته خيلُ أمية؟
ما حالُ جثتك التي تُركتْ بِلا = غُسلٍ ولم تُوضعْ بِقلبِ الحفرة؟
والرأسُ يقطرُ بالدِّما فوقَ القنا =كالبدرِ يسبحُ في سماءِ الظلمة
ويزيدُ يضربُ لؤلؤاً في ثغره = بيدِ الخنا يا ليتها قد شُلت
وجوارحي جٌرحت لِعُظمِ فعالِهِ= والقلبُ يعفرُ كالذبيحِ بحرقة
فإليكَ يا روحي ستركعُ أدمعي= فالدَّمعُ لا يرقا لفقدِ أحبتي
وبلوعتي سأخطُ في أفقِ السما = جُرحي وجُرحَكَ يا حبيبَ العترة