في استشهاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام مرتضى الشراري العاملي
في استشهاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام
حُقّ البكاء على سجين الظالمِ=الصابرِ المظلوم موسى الكاظمِ
و العينُ إنْ لم تبكِ رزءَ إمامها=بحرارةٍ أولى بها أنْ تنعمي
و أضالع لم تحو حبّ أئمّةٍ=فمحاملٌ هي للضلال الجاثمِ
تحيا القلوب بدمعة تجري على=مَن للقلوب همُ صميمُ البلسمِ
أجر الرسالة للرسول محمدٍ=هذا البكاء على بنيه بمأتمِ
جسرُ الرصافة كاد يسقط عندما=وضعوا الجنازة فوقه بتهكّمِ
بل إنّ بغداد المدينة أجهشت ْ=بخفيّ دمع مع خفيّ تألّمِ
و غدت أماقي المؤمنين سحائبا=و صدورهم أمست سعير تضرّمِ
و اسودّت الدنيا بأعينهم فلا=فيها سوى أفق كئيب مظلمِ
وغدا السوادُ لباسَهم لما رأوا=ثوب البياض على الإمام الأكرمِ
سكن النحيبُ حناجراً ولقد غدا=عذب الشرابِ على الثغور كعلقمِ
نزعوا الجنازة من أكفّ أراذل=كالكنز يُرفَع من وعاء أسخمِ
أتباع آل محمّد مرآتُهم=تنبيكَ أوجههم بدون تكلّمِ
بمصائب الأطهار فهي سحائب=و بسعدهم فوجوههم كالأنجمِ
أما ادعاء الحبّ فهو توهّم ٌ=كم دمّر الإنسانَ طولُ توهّمِ
هم يدّعون ودادَ آل المصطفى=و يقابلون سرورَهم بتجهّمِ
وإذا مآتمهم أقيمتْ قابلوا=تلك المآتمَ للألى بتبسّمِ
بل إنّ قوما همّهم أن يقدحوا=بموالدٍ تُحيا لهم ومآتمِ
سلْ في العراق سجونها: أو قد بقي=سجنٌ ولم يرمِ الإمام بأسهمِ
أو ظلّ قيد لم يحط ْ بعظامه=والدِّينُ كله فوق تلك الأعظمِ !!
عشرون عاماً والإمام حبيسها=كالدرّ يُحبس في المحار المظلمِ
عبقتْ بطول سجوده وقيامه=لهفي على ذاك السجين القائمِ
حجج يصوم نهارها. وظلامها=يحييه ذكراً للإله المنعمِ
لله من حاكى بطول سهاده=بحمى السجود سهادَ تلك الأنجمِ
كم ذا تمنّى أنْ يكون بعزلةٍ=ليظلّ طول حياته كالمحرمِ
ليذوب في عشق الإله وشكره=ويقين قلبٍ في زمانٍ قد عمي
و الربّ قد لبّى الدعاء وإنما=اقترن الجواب مع ابتلاء مؤلمِ
سنن الإله مع التقاة جميعهم=يسري البلاء بعيشهم سير الدمِ
حتى يكونوا قدوة لمن اهتدى=و على البرايا حجة للمُبرمِ
وغدا الإمام يزين نعمة ربّه=بعجيب صبر في البلاء المُحكَمِ
قد حاولوا إغواءه بجميلةٍ=ظنّوه يتبع شهوةً كالحاكمِ
فإذا الجميلة قد غدتْ قديسةً=بهدى الإمام وخاب قصد الغاشمِ
طالتْ سنون السجن لكنّ الهدى=لاقى البلاء بصبره المتعاظمِ
حتى إذا ضاق الطغاة بصبره=نعقتْ سمومٌ في خيال مُسمِّمِ
لم يكتفوا أن يسجنوا شمس الهدى=ما بين قضبان بسجن مظلمِ
لا بل أرادوا الشمس في بطن الثرى=كي لا يشعّ ضياؤها للمعتمِ
خسئوا. فإن شموس آل محمّدٍ=أبداً بكلّ عصورها لم تُعدَمِ
حتى النشور تظلّ نبع هدايةٍ=وتظلّ مصباحاً لكلّ العالَمِ
ظلمٌ على آل الرسالة قد جرى=حتماً سيرجعُ نحو نحر الظالمِ
سيكون يوم حسابه كفؤاده=لمّا يُطوّق جيده بمظالمِ
يومٌ لعجزٍ في بيان كلامنا=فترانا ننعت لونه بالفاحمِ
يومٌ يودّ الظالمون لو انهم=كانوا على ظهر الثرى كبهائمِ
يوم يعض الظالمون أكفهم=ندماً ولكنْ لا نجاةَ لنادمِ
لا ينفع الإنسانَ فيه عشيره=أو عرشُه أو كثرة في المغنمِ
يوم به يأتي الطغاة كأنهم=بعض الذباب تداس دون ترحّمِ
كانوا كلابا للحياة وغرّهم=لمعان معدنها وبعض تنعّمِ
لهثوا وراء بريقها فتحوّلوا=لمنافق ولناصبٍ ولمجرمِ
حتى إذا ألقوا بحفرة موتهم=كُشفتْ حقيقة واقعٍ متورّمِ
تركوا العروشَ ولو دروا بمصيرهم=لم يشتروا تلك العروش بدرهمِ
أوّاه يا موسى العظيم قد امتطتْ=هدبَ العيون دموعُها في المأتمِ
في رحلةٍ للحزن حد وصولها=أن تصبح الأجساد بعض رمائمِ
نحيا بكم ولكم أيا آل الهدى=وشعاعُكم نقفوه وسط غمائمِ
هذا وإنّ الدمع يعدو كونَه=ماءً على الوجناتِ رهن مواسمِ
هو ثورةٌ ضدّ الطغاة وشعلة ٌ=للحقّ تشعلُ عزمَ كلّ مقاومِ
تلك الدموع لآلئ قدسية=صيغتْ عقوداً للولاء الدائمِ
تزهو على جيد الموالي تحفةً=و تظلّ تزهو رغم كلّ مخاصمِ
موسى بن جعفر أنت طبّ قلوبنا=إذ ْ أنّ داء قلوبنا بتفاقمِ
سلْ سيدي ربا رحيما أن يهبْ=لقلوبنا التقوى و صدق تقدّمِ
سلْ سيدي نصر الإله لأمة=قد نابها ضعفٌ و طول تشرذمِ
والأمنَ سلْهُ لمن ضريحُك بينهم=فكسيل نهرٍ قد جرى سيلُ الدمِ
سلْ لابنك المهديّ قربَ ظهورِه=فالأرض غصّتْ سيدي بمظالمِ
مني السلام عليك قدْر تصبّرٍ=في صدركم يا سيدي وتحلّمِ
وعلى الهداة محمد مع آله=ما مال رأس للسجود بمسلمِ