طويتَ من الاَعمار أثقلها مسرى = فنلتَ من الآمال أرفعها ذكرا
وكنت لساناً أخرس الدهرَنطقُهُ = وأعيى بليغَ القولِ معجزُهُ سحرا
أضاء دجنَّ الليلِ طرسٌ نشرتَهُ = فللأرض شعرٌ والسماءُ لها الشعرى
على أنّ ما أمليتَ من وحيِ ملهَمِ = كفيلٌ بما خطَّ الخلودُ وما أطرى
ونحن على ما صغتَ من ذَوْبِ مهجةٍ = عيالٌ فكم أسديتَ من مِنَنٍ كبرى
سكرتَ فأسكرتَ الطروسَ فأسكرتْ = نفوساً ترى في الخمر أثقلَها وزرا
تنفَّسُ عن همّ وعسرٍ وغربةٍ = وظلمٍ وتشريدٍ شُغلتَ بها دهرا
وما كنت بالجافي إذا الوصلُ دونه = شِعابٌ تهابُ الجانُ مسلكَها الوعرا
خليلاك في سودِ الليالي وبيضِها = يراعٌ يُحيل الداجياتِ رؤىً زهرا
وطرسٌ يحارُ الفكرُ من بعض ما به = حروفٌ متى ما شئتَ تقذفها جمرا
على كلّ مَشّاءٍ بما يُخجل الخطى = زنيمٍ يرى عهرَ النِّجارِ له فخرا
تردّى ثياباً أحكم الظلمُ نسجَها = على هيكلٍ للسوءِ آيتُهُ الكبرى
ثياباً تُريك الشرَّ في شرِّ صورةٍ = وتكسو من الأدواءِ أفتكَها طرّا
وإن شئتَ تُجريها مع الفجر نشوةً = نؤاسيةٍ من كلّ فاتنةٍ أغرى
ترينا ليالي شهرزاد وما بها = من السحرِ من ألفٍ معتَّقةٍ حمرا
تتيه على الابداع في وصفِ عالمٍ = تغيب عن الأوهام روعتُهُ الغرا
بحيث عيونُ الشعر أروعُ فتنةً = من الأعين النجلاء ناعسةً سكرى
تبارك ذاك الطرس ما اكرم الذي = أفاض وما أجدى بمجدبة وفرا
سئمتَ حياةَ الناسِ لا البرَّ ترتجي = لديهم ولا للدهرِ تحملُهم ذخرا
وكنت على الحالين من غير صاحب = سوى صاحبٍ يُبكيك من جَذَلٍ فخرا
وطفتَ بلادَ العرب لا أرضَ غاشمٍ = أقمتَ بها حتى هربتَ إلى اخرى
بلادٌ تفيض الخيرَ في كل وُجهةٍ = على أن أهليها قد افتقدوا الخيرا
يرودون أصقاعاً وهم موئلُ الغنى = ويرجون أنواءً وهم ملكوا البحرا
قصارى أمانيهم فراقٌ وغربةٌ = وعيشٌ يُريكَ الموتَ أمنيةً كبرى
وكنتَ نديمَ الشامِ والشعرُ خمرةٌ = بكأس القوافي الغرِّ تُطربُها سُكْرا
فما الشامُ في عينيكَ إلا صبابةٌ = وآهاتُ مشتاقٍ تؤرّقُهُ الذكرى
وما الشام في عينيك إلا كرائم = تفيض على اللاجين من كرمٍ بحرا
شأت فاستظلّ الدهرُ في ظلّ عطفها = فكم برأتْ جُرحاً وكم كشفتْ ضرا
فيا جيرةً في الشام سقياً لأرضكم = ورعياً لمن غنّى لمشرقها عمرا