ألف بيت في وليد البيت (7)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
علمٌ ورتثُ عن المختار زاخرَهُ=حفظاً لشِرعتِهِ ممن يُماريها
فلم يجد فيهمُ من طالبٍ شرف=أو دافعٍ حسداً أو نازعٍ تيها
كلٌّ يعاني ولكن حَسْبَ موضعِهِ=من الصَّغارِ فنورُ الهَدْيِ يُعميها
ولو أقامت على ما يدّعي حُجَج=لناجزتْهُ بمَكْرٍ من دواهيها
لكنّها أيقنت بالقولِ فاتَّخذتْ=وليجةً علَّها تُخفي تغابيها
إذ قام من بينهم شيخٌ بمسألةٍ=تُنبيكَ من نفسها عن خُبْثِ مُلقيها
فقال كم شعرةً في لِحْيَتي فإذ=ردُّ الجواب خفايا الغيب يُبديها
بأنّها لو ترى في كلِّ واحدةٍ=من الشياطين أنْ لو شئتُ أُحصيها
وأنَّ في بيتكَ المشؤومِ وا حَرَب=من السوائمِ سَخْلٌ أو يُدانيها
سيقتلنَّ حسيناً فوق عاريةٍ=من الفلاة غريباً في بَراريها
ولست أعجبُ ممّن كان مُكتَنِز=علمَ البلايا وما يَلقى مُلاقيها
لو شاء إخبارَها عمّا يكونُ إلى=يومِ القيامةِ لا يُخفي خوافيها
فعنده سرُّ علمِ الغيبِ ما خَفيتْ=عن العقولِ وما دقَّتْ معانيها
ثَبْتُ اليقنِ فما كشفُ الغطاءِ لهُ=إلا علومٌ تمادى في تناهيها
لو شاء يحكمُ كلاً حَسْبَ مِلَّتِهِ=وهو العليمُ بما تُلقي أماليها
كم من وفودٍ من الأحبارِ أرجعَه=لأهلِها والهدى نوراً يدلّيها
فعنده حاضرٌ في كلِّ معضلةٍ=فصلُ الخِطابِ فيستجلي غَواشيها
ولا كمن قال: إنّي لستُ خيرُكُمُ=ولا سلوني أقيلوني تُكافيها
أين الضمائرُ من عُتْبى فلا عَتَبٌ= بعد العَفاءِ ولا لَوْمٌ يُعافيها؟
وقائلٌ قال: ما لي يا أبا حسنٍ=أرى الإجابةَ قبل الفِكْرِ تُعطيها؟
فقال: علمي بها من غيرِ مسأَلَةٍ=مثلُ الأناملِ لا أحتاجُ أُحصيها
علمٌ عن المصطفى عن جبرئيلَ عن (ال)=اللهِ العظيمِ فأسرارٌ سأُبديها
لو كان فيكمْ لها أهلٌ وكيف بمن=ردّوا شهادتَهُ بالغيبِ يُنبيها؟
ماذا أقولُ بمن في مَدْحِهِ نزلت=آياتُ صدقٍ أمات الله مُخفيها
قد حاربته رجالٌ لا عديدَ له=علَّ المكارمَ عن معناه تُقصيها
وقاتلوا كلَّ من والاهُ واختلقو=لشانئيهِ فلم تنفعْ طواغيها
فراعَهُمْ أنهم في فعلهم ختمو=على معاليهِ أنْ لا شيءَ يُنسيها
تبقى مدى الدهرِ نبراساً تُضيءُ لن=درباً يُكابد وَقْدَ الجمرِ ماشيها
يرى بعينيهِ ما يندى الجبينُ له=من المهازلِ والبلوى تُقَّفيها
قد ضلَّ إثنانُ في معناهُ ذو مِقَةٍ=غالٍ وذو إِحَنٍ هيهاتَ يُطفيها
وشايعتهُ كرامٌ في المعادِ غد=من حوضِهِ الجَمِّ ماء الخلد يسقيها
بأنّهم لذمارِ المصطفى حفظو=إنَّ العهودَ بِبَذْلِ النفس تَحميها
عاشت عليّاً كما قال الرسولُ لهُ=أنتَ الصّراطُ من الأهوالِ تُنجيها
وكيف لا؟ ولنفسِ المصطفى مَثَلٌ=كان النبيُّ على التقوى يُربّيها
هذا عليٌّ ومُلْكُ الكونِ في يدِهِ=زهدٌ كساهُ من الأثوابِ باليها
لعلَّ في الأرضِ من لا قوتَ يُشبعُهُ=والجوعُ للنفسِ موتٌ ليس يُخطيها
يُزهي العُفاةَ وليُّ الأمرِ أفقرُهُم=على المكارِهِ والجُلّى يواسيها
نفسي الفداءُ لنعلٍ كان يخصفُه=وعنده من كنوزِ الأرض غاليها
يأتي على الألفِ في الهيجاءِ صارمُهُ=وألفُ ركعةِ في يومٍ يُصلّيها
شعارُهُ الجوعُ لا يُغنيهِ من سَغَبٍ=قوتٌ وليلتهُ بالذّكرِ يَطويها
على الصعيدِ أعارَ الليلَ وحشتَهُ=بِعَبْرةٍ تُحزنُ الثّكلى وتُشجيها
ترى السماءُ علاها يرتمي جَسَد=فتسكبُ العينُ من شجوٍ دراريها
نامت عيونٌ وأنفاسُ الورى هدأتْ=ونفسُهُ بلهيبِ الشّوقِ يوريها
تضجُّ في سمعِهِ نارٌ مُسَجّرةٌ=ونفحةٌ من رجاءِ الله تُطفيها
يتلو الكتابَ فتُبكيهِ تلاوتُهُ=وفقدُ أحمدَ للآياتِ يُبكيها
فيستريح إلى رؤيا تُسامرُهُ=برؤيةٍ من رسولِ الله مُهديها
يبثُّهُ همَّ ما يلقاهُ من مِحَنٍ=من أمّةٍ دينُها أضحى يُعانيها
فيبزغُ الفجرُ عن وجهٍ لهيبتِهِ=تعنوا الملوكُ حياءً من تجلّيها
وإنْ تبسّمَ تُغضي الشمسُ من خَجَلٍ=بَرْقُ الثنايا عن الإشراقِ يَكفيها
تجري السماحةُ في كفّيهِ سابقَةً=رأياً على شَمَمِ الإيثارِ يُجريها
لم تعرفِ التِّبْرَ حتى قال مادحُه=أنتِ فإنّكِ للعافينَ تُثريها
وإنْ تكلَّمَ فالإعجازُ مَنطقُهُ=والناسُ عن دُرَرِ الأصدافِ يُلهيها
يُهدي البلاغةَ من مكنونِهِ جُمَل=أَربابُها ببليغِ القولِ تُطريها
في كلِّ سَمْعِ لها من وَقْعِها نَغَمٌ=مُشْج لصادِحَةِ الآمالِ يُنسيها
بين الرجاءِ وبين الخوفِ سامعُه=فللذنوبِ قبولُ التَّوْبِ ماحيها
لا يبلغُ القَصْدَ من ألقى بخطبتِهِ=ولا يَجيءُ بِقِطْعٍ من أماليها
فَخْرُ البليغِ إذا عُدَّتْ مكارمُهُ=فإنّما لعليِّ الطُّهْرِ يُنميها
فقولُهُ دون قولِ الله فوق كل=مِ النّاسِ معجزةٌ تأْبى تَثنّيها
خذْ عهدَ مالكِ فالسُّوّاسُ لو لزمتْ=ما جاء فيه لوفّت حقَّ باريها
ولا تُشيدُ عروشاً من أضالعِن=ووِرْدُها من دماءِ الشعبِ قانيها
تُمسي وتُصبح للصُّلبانِ عابدةً=ورنَّةُ السَّوطِ والآهاتُ تُصبيها
ولو وَعَتْ ساعةً ما قال حيدرةٌ=لأسهرتْ ليلَها كَلأً لمَرعيها
تبقى كجوهرِهِ فرداً يحارُ بِه=غَوْصُ العقولِ بأنْ يُحصي لئاليها
أعطى فأغنى ولم توردْ عطيّتُهُ=ماءَ الوجوهِ ولم تُخْلِقْ تواليها
أكتبْ على الأرضِ إمّا جئتَ في طلبٍ=مخافةً أنْ يَمَسّ الذلُّ عافيها
هذا شعارُ عليٍّ في مواهبِهِ=وهذه سُوَرُ القرآنِ تُمليها
في السرِّ والجهرِ من آلاءِهِ سُوَرٌ=كسورةِ الدّهرِ مَرّ الدهرِ نُنشيها
له صفاتٌ من الأضدادِ قد جُمِعَتْ=في جوهرٍ لصفاتِ الله تحكيها
تبقى كجوهرِهِ فرداً يحارُ بهِ=غَوْصُ العقولِ بأنْ يُحصي لئاليها
أَثنى عليه كتابُ الله مُمتدِح=ذاتاً بها الحمدُ قد تمّت مَثانيها
وخصَّهُ أحمدٌ بالمدحِ مُنشغل=عمّن سواهُ من الأصحابِ تَنْبيها
لكنّ عائشَ والمختارُ يُسمِعُه=تلك المدائحَ ضِغْناً لا تُباليها
لم ترعَوِ عن قتالِ المرتضى فغدت=للنائراتِ بقوسِ الغدرِ ترميها
وهي العليمةُ إنْ سارت ستنبحُه=كلابُ حوأبِ للحمراءِ تُرثيها
سارت ولم ترعَ للقرآن آيتَهُ=ولن تقرَّ ونارُ الحقد تكويها
تسائلت: ما اسمُ هذي الأرضِ؟ قيلَ له=فأدركت أنّ طه كان يَعنيها
وأنّها لعهودِ المصطفى نكثَتْ=وطالما كان حفظَ العهد يوصيها
وناصَبت من له بالفضلِ قد شهدت=واليومَ في حربِهِ الشيطانُ يُغويها
وحولَها معشرٌ صانوا حلائِلَهُمْ=وأبرزوها فأرضتْ مُستبيحيها
ولستُ أعجبُ منهم بل عجبتُ له=كيف استساغت هلاكاً في ذراريها؟
ماذا دعاها لحربٍ غيرِ مُجديةٍ؟=وللكتائب نحو الموت تزجيها
هل كان للأمرِ كالماضينَ مُغتصباً؟=كلا فشوراهُ لا شورى تُباريها
أم أنّها تنظرُ الإسلامَ في خطرٍ=من فتنةٍ ليس يُبقيهِ تَماديها؟
فأخرجت من بَنيها كلَّ ذي تِرَةٍ=عزُّ الأماني وقد خابت تَلافيها
قل لي بربّكَ ماذا بين عائشةٍ=وبين عثمانَ لولا النَّكْثُ يُغريها؟
فالناسُ قد بايعت طوعاً فقائدهُمْ=أولى بذا الأمرِ فلتخسأ أمانيها
لِمْ لا تُحاججُ بِدْءَ الأمر حيدرةً؟=لعلّه لحقيقِ الحقِّ يَهديها
فالحقُّ في حكمهِ طوعٌ لبغيتِهِ=لا الحيفُ يعمرُها لا العدلُ يُبليها
لو شاء حيدرُ أنْ يقتصَّ من أحدٍ=بدْءاً بعائشَ أهلَ الغدر يُفنيها
فهيَ التي لقميصِ المصطفى رفعت=في حربها نعثلاً مذ صار يُزويها
واليومَ تحمل ضدَّ المرتضى قُمُص=ملطخاتٍ بعارِ من تجنّيها
لو نال طلحةُ جدوى قتلِ نعثله=أو الزبيرُ لجرَّتْ ثوبَها تِيها
لكنْ عليٌّ جنى أَثمارَ دوحتِه=وما جنت غيرَ آثامٍ تُقاضيها
وما استشارَ فليس الرأْيُ يُنقُصُهُ=إنْ رامَ أمراً ولا للخُبْرِ راجيها
وكم تمنَّوا يولّيها فما حَضِي=بإمرَةٍ كان للأبرارِ يصفيها
وكان يعلم ما تُخفي سرائرُهُمْ=وعُمْرَةُ الغدر قد بانت بَوانيها
سارت إلى البصرةِ المشؤومُ طالعُه=أمُّ الدُّهَيْمِ لحربٍ ليس تغنيها
وسار حيدرُ في جيشٍ لهُ لَجِبٍ=برايةٍ يومَ بدرٍ كان راعيها
وناشدَ القومَ حُكْمَ الله وامتثلو=طريقةً لعن القرآنُ مُرسيها
ما كان حيدرُ يخشى وَقْعَ صولَتِهم=لكنّه شاء من غَيٍّ يُنَجّيها