ألف بيت في وليد البيت (6)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
وكنتَ تعلمُ إنْ بارَوا أبا حسنٍ=فليس يشفعُ ماضيها وماضيها
وعند ذاك ينالُ الحكمَ حيدرةٌ=وتغدو هاشمُ والدنيا بأيديها
وأنت حيٌّ وتأبى أنْ تؤمِّرَه=هلا يروقُكَ مَيْتاً أنْ تولّيها؟
وشرطُها سنّةُ الشيخينِ يدفَعُهُ=عنها فذاكَ مَعاذَ الله يُمضيها
أ مثلُهُ وزمامُ الدينِ في يدِهِ=خلافة الحقِّ بالبُطلان يَشْريها؟
ولم تكن شِرْعَةُ الرّحمن ناقصةً=وذلك الشرطُ إتماماً يوفّيها
ولم يكن طالباً ملكاً يتيهُ بهِ=على الرّعيةِ والاموالَ يَجبيها
ولم يكن همُّهُ عرشاً تزلزلُهُ=دَهْمُ الخطوبِ إذا جارت عواديها
لو كان ذاك فإنَّ الملكَ يضمنُهُ=قولٌ: قبلتُ، متى ما شاءَ يحكيها
وذاك عثمانُ ذوالنّورينِ ينطقُه=بلا حَريجَةِ من دينٍ تُماريها
فسار في سنّةِ الشيخينِ يرفِدُه=بسنّةٍ ثلَّثتْ ثاني أثافيها
وكان بالدين في عهدَيْهِما رَمَقٌ=من الحياةِ وبالأحكامِ يُجريها
فأصبح الدينُ والأحكامُ تندِبُهُ=بذائبِ القلبِ لمّا غاضَ جاريها
وأُطفئتْ طالعاتُ الذّكرِ وانكسفت=شمسُ الرّسالةِ فاظلمَّتْ نواحيها
وأقفرتْ أربُعٌ أقوَتْ منازلُه=من كلِّ نيِّرَةٍ بالأُنْسِ تَقريها
ونُكِّسَتْ رايةُ التوحيدِ وارتفعتْ=راياتُ هندٍ شموخاً في روابيها
أمست أميّةُ بالإسلامِ حاكمةً=والجاهليةُ قد عادت مآسيها
وصارعثمانُ يُعطي فوق مُنْيَتِه=فطالما الدينُ قد أودى أمانيها
وبات يقطعُ أرضَ الشامِ طاغيةً=وأرض مِصْرَ الى ثانٍ سيُهديها
وأصبح المالُ فيما بينهم دُوَل=أما البقاعُ فقد أمست مَغانيها
والمسلمون غدوا في ظلّهِ خَوَل=إنْ شاء يُسعدها أو شاء يُشقيها
تقتاتُ جوعاً وتُسقى كأْسَ ذِلَّتِه=وجمرةُ الجوعِ والإذلالِ تكويها
وللعُتاةِ كمروانٍ يقرّبهم=منهُ وخيرُ بُناةٍ الدينِ ينفيها
وللتُّقاةِ ثيابَ الذلِّ يُلبسُه=والفاسقينَ بإجلالٍ يردّيها
وللضلوعِ من الأصحابِ يخضِدُه=لو أنّها تُفتدى بالروحِ أَفديها
ومثلُ عمّارِ بين الناسِ يُقْذِعُهُ=وأمّهُ بعظيمِ الحَوْبِ يرميها
وإنْ شكت في بلاد الله شاكيةٌ=فإن مَنْ تشتكي منهُ سَيَجزيها
صلّى الوليدُ صلاةَ الصبحِ باطلة=بالنّاسِ فانذهلت من فعل واليها
واستبدل الحمدَ بالتشبيبِ مُدَّكِر=من الجواري رباباً إذ يغنّيها
وقد تقيّأ في المحراب من سَكَرٍ=إنّ الليالي بشُرْبِ الخمر يطويها
وغيرهُ من ولاةِ الجورِ ما صنعتْ=من الشنائِعِ ما يُعيي تقصّيها
عاثوا ذئاباً بأرضِ الله واتّخذو=خليفةَ الله رِدءاً من أعاديها
لقد طغا الجور حتى قام ثائرُهُمْ=بثورةٍ عدلُها للأرض يُحييها
توحّدتْ ضدَّ عثمانٍ لتخلعَهُ=وعائشٌ لسيوفِ القومِ تَنضيها
هذي ثيابُ رسولِ الله ما بُليَتْ=ونعثلٌ سنّةَ المختارِ يُبْليها
إلا اقتلوا نعثلاً وافنوا ضلالتَهُ=فإنه كافرٌ في شرعِ باريها
وطلحةٌ وزبيرٌ دون أمّهِم=يدعون والناس للدعوى تُلبّيها
فصار نعثلُ بين القوم مُنخذِل=يرجو أميّةَ لكن خاب راجيها
وكاتب الشامَ علَّ الشامَ تُسعِفُهُ=فما استجابَتْ ولم ينفعْهُ طاغيها
ورُغْمَ ما ذاق منه الطهرُ حيدرةٌ=من المصائبِ ما تُصمي دواهيها
قد كان يوسعُهُ بذلاً نصيحتَهُ=وقبلَهُ كان للشيخين يُسديها
لكنّ عثمانَ يُدمي قلبَ ناصِحِهِ=وغلظةٌ عند مروانٍ يُداريها
والأمرُ والنهيُ من مروانَ أمرُهُم=فابك الرعيّةَ أنْ مروانُ راعيها
لابن الطّريدِ غدا عثمانُ منصرف=سَلْسَ القِيادِ كما يهوى مُداجيها
حتى أتتهُ من الجبّارِ قاصمةٌ=من الطغاةِ قريباتٌ مَراميها
والمسلمون رأوا في حيدرٍ عَلَم=الى الشريعة كالمختار يَهديها
هيهاتَ والله لا تُرضيهِ بيعتُهُمْ=حتى يقرّ من الأمواجِ عاتيها
وتسكنُ الأنفسُ الغضبى لتعقدَه=لمن تراهُ من الجُلّى يُوقّيها
وأيقن الناسُ أنْ لا نهجَ يحملهُمْ=على الطريقةِ إلا حكم حاميها
ذاك الذي عرفتهُ الناسُ أوسعَه=علماً وأوَّلها لله تأليها
فعنده علمُ طه فهو وارثُهُ=وليس شيطانُها عنه سيُلهيها
مدّوا الأكفَّ الى كفٍّ تُعيد لهم=ذكرى الغديرِ وما تحوي معانيها
وكيف خانوا عهودَ الله وانقلبو=بعد الرسولِ وأَمْوا الغيَّ والتيها
ونفسُ حيدرَ تجلو عنهم كُرَب=كما جَلَتْ في قديمِ الدّهر داجيها
رأى الجراحَ بجسمِ الدينِ بالغةً=وأَعيُنَ الحقِّ في نزفٍ تواسيها
وليس إلاهُ من طَبٍّ وما هلكت=نفسٌ وصيُّ رسولِ الله آسيها
فراحَ يشملُها برّاً ويوسعُه=لطفاً فيُنعمها عيناً ويُشفيها
وللرسالةِ إذ جفّت أراكتُه=بالمُغدِقاتِ من الأنواءِ يسقيها
زان الخلافةَ إذ جاءته طائعَةً=فانصاعَ يرفِدُها فخراً ويُعليها
وأوقد العدلَ مشكاةً فلا طمعٌ=ولا دهاءٌ ولا غِشٌّ يُغشّيها
ولن يقيمَ هدى القرآن ذو طمعٍ=ومن يصانعُ أو يخشى مُداجيها
لذاك ثار كما ثارَ النبيُّ على=دعائِمِ الجَوْرِ فانهدَّت أواخيها
إلا دعامةُ شركٍ لا يزلزلُه=إلا القضاءُ وها قد شاء يُبقيها
قامت على حكمةِ الشيخين مذ خشي=مكائداً من أبي سفيانَ تأتيها
وقولةٌ منه للفاروقِ حيدرةٍ=لو شئتَ أملؤُها خيلاً بَواديها
كفيلةٌ بالذي يطويهِ من إِحَنٍ=ظنّاً بحيدرَ أن يُبدي تناسيها
فيستجيبَ لعاتٍ لم يَدَعْ فِتَن=إلا وسار لها وَخْداً ليوريها
فأشغلوهُ بملكِ الشامِ وارتحلو=وخلّفوا بعدهم عثمانَ يُرسيها
دعامةً زعزعت عرشَ الهدى ورَمَتْ=بسهمِها فعلا في الأرضِ عاتيها
ما أخطر الجهلَ والطغيانَ لو جمع=في أمةٍ أنكرت أسمى مَباديها
ولم تزل أرسُمٌ للزيغِ شاخصةً=وليس ثمَّةَ إيمانٌ يُعَفّيها
قالوا له: لو تُخلّي عن معاويةٍ=وملكِهِ الشامَ لا تعجلْ بطاغيها
فقال: إنْ تضمنوا عيشي. وهل ضمنو=أنْ لا يقيم على غدرٍ معاويها؟
قالوا: الدّهاءُ فقال: الشرعُ يمقته=قالوا: السياسةُ قال: الحقُّ يغنيها
والله يشهد أنّي لم أخُنْ أحد=منكمْ وما كنت للسلطان أبغيها
قالوا: فلن تستطيعَ الحكمَ في بشرٍ=شتّى مشاربُها حتى تُصافيها
فقال: حسبيَ حكمُ الحقِّ ما بقيت=بقيّةُ اللهِ أو موتٌ يوافيها
فسار يصدعُ بالآياتٍ مُحكمةً=كما النبيّ على الأسماعِ يُلقيها
مجدداً من معاني الذكر ما درست=وما توارى عن الألبابِ باديها
وعاش في الناسِ أتقاها وأزهدَه=وبالسويّةِ مالَ الله يُعطيها
والناسُ في حكمهِ باتوا سواسيةً=وليس يجحفُ حقّاً في مَواليها
وأكرمُ الناس أدناها لخالقِه=بذاك جاء الهدى من عند باريها
وأنّهم إخوة ٌفي الله ما سلمت=صِدْقُ النوايا وذا القرآن يَحكيها
وليس في نهجهِ ما قاله عُمَرٌ=(والروحُ قد بلغت منها تَراقيها)
(لا تُكثروا من مَواليكم فإنّ لهم=مطامِعاً بَسَماتُ الضّعفِ تُخفيها)
ولست أعلم ما يعني به عمرٌ؟=إذ كان أحمدُ في حقٍّ يُساويها
هل نستحلّ دماءً أم نشرّدهم=بعد الشهادةِ أم ماذا يرى فيها؟
وهل سيذعن إن شاء الإلهُ فتىً=من الأعاجمِ تعييناً يوليها؟
هذا عليٌّ وحكمُ الله في يدِهِ=بسنّةِ العدلِ والإحسانِ يقضيها
(فما القويُّ قويّاً رغم عزته=عند الخصومةِ والفاروقُ قاضيها)
(وما الضعيفُ ضعيفاً بعد حجّتِهِ=وإن تخاصمَ واليها وراعيها)
وليس تأخذهُ في الله لائمةٌ=ولم يكن واهِناً يخشى تصدّيها
فمن كعدلِ عليٍّ أو يوازنُهُ=علماً ويشبهُهُ سَمْتاً بهاديها؟
لا عدل من غير (علمٍ يستعينُ بهِ=على قضاءِ حقوقٍ) ضيمَ راجيها
علمُ الكتابِ لديهِ حاضرٌ فإذ=أفتى فإنّ كتابَ الله يُفتيها
وقولةٌ قالها كالذّكرِ معجزةً=يعنو لها الدهرُ تعظيماً لملقيها
نادى سلوني أريكم كلَّ خافيةٍ=من الأمور وأَهديكم لنائيها
إنّ السماءَ وما تحويه من طُرُقٍ=أضعافُ أضعافُ ما تحوي أراضيها
وإنني لعلى علمٍ بأجمعِه=وما سوايَ عليمٌ بالذي فيها
سلوا عن الذكر ما من آيةٍ نزلت=إلا وأنبأْتُكم أَسرارَ خافيها