ألف بيت في وليد البيت (3)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
لرايتي في غدٍ ليثٌ إذا خمدت=نارُ الهياج فمنهُ العزمُ يوريها
كلٌّ تمنّى ولكنْ لا سبيلَ الى=نيلِ الأماني إذا ما الوهمُ يُنشيها
ولم يكن كفؤها الا أبو حسنٍ=لكنَّ في العينِ أدواءً يُعانيها
فمدَّ طه بكفيّهِ لهُ فَيَدٌ=فيها دواءٌ لعينِ الدين يشفيها
وفي يدٍ رايةٌ للفتحِ أودعه=عند الضَّنينِ بها بالنفس يُفديها
في وقعةٍ كان لولا حيدرٌ رجحتْ=كفُّ اليهودِ على كفٍّ تُقاويها
أبادَها حيث لا حصنٌ بمنجدِهِم=ولا الدروعُ من الآجالِ تُنجيها
ولو تدرَّعَتِ الأجبالَ زلزله=بأسٌ من الله لا يُبقي بَواقيها
بأسٌ كأنَّ المنايا وهي مُجدبةٌ=بالسائلاتِ من الأرواحِ يَسقيها
تعاهدا هو والصمصام أنْ يهب=عزَّ الحياةِ لمن بالرشدِ يُحييها
في كفِّ أروعَ لا تنبو ضريبتُهُ=عند النِّزالِ ولا تعدو مَراميها
سلوا هوازنَ إذ سارت كتائبُه=تبغي حُنيناً عسى تلقى أمانيها
من ساقَ جَروَلَها للموتِ؟ غيرُ فتىً=لو ناجزَ العُرْبَ حين البأسِ يُفنيها
من جدَّل العاصَ في الهيجا وحنضلةً=نجلَ الطليقِ غداةَ الغيّ يغريها
من رام خالَ أبي حفصٍ فخلَّفهُ ال=موتُ الوَحيُّ ضغوناً خامَ داجيها
حتى أبو حفصَ لم تسلمْ طويّتُهُ=وجمرةُ الثأرِ لا تخبو فتُذكيها
وآمن الناسُ والمختارُ يُخبرُهُ=وحيُ السماءِ بما تُخفي ليُنبيها
ولم يدعْ موقفاً الا وذكَّرهم=بفضلِ من كان مشكاةً لساريها
وفي تبوكٍ غداةَ الرومُ جحفلُه=بحرٌ تلهَّبُ من بأسِ عواليها
تريد إطفاءَ نورِ الله فانكشفت=بذلك النورِ أسرارٌ لواعيها
إذ خلَّفَ المصطفى من أهلهِ بطل=على المدينةِ يرعاها ويحميها
فتىً كهارونَ من موسى وعُدَّتُهٌ=إلا النبوّة ما يُزهي ترجّيها
والمرجفونَ أرادوا طمسَ منقبةٍ=قد شاء ربّ السما كالشمس يُبديها
بيضاءَ يفزع منها الليلُ منهزم=بلا قتالٍ ولكنْ من تساميها
أولاهُ أحمدُ ما لو أنَّ مكرُمَةً=أومتْ إلى الأرض لاخضرّتْ مَواميها
أفضى إليه بأسرارٍ تنوءُ به=شمُّ الرِّعانِ كطيِّ الطرسِ يطويها
وسدَّ في المسجدِ الأبوابَ أجمعَه=وبابُ حيدرَ حدَّ الفخرِ يُبقيها
يوحي إليهم بأنَّ البيتَ مسجدُهُ=وأنهُ من فِئامِ الناسِ زاكيها
وأنّه مسجدٌ حيٌّ تضيق به=دنيا الوجودِ فقد وافى ينقّيها
رمزُ السماءِ محالٌ أن يدنّسَهُ=ما يعتري الناسَ تطهيراً وتنزيها
ما كان ذلك من وحي الهوى مقةً=وإنما حكمةَ للهِ يُمضيها
آلتْ عليه بأنْ يُدني أبا حسنٍ=حتى يُميِّزَ قاليها وغاليها
عن عصبةٍ آمنت باللهِ واتَّبعت=هذا الوصيَّ فضجَّتْ من مآسيها
وأعظمُ الخطبِ عندي أنَّ كافرةً=بأنعُمِ اللهِ شمسَ اللطفِ تَنفيها
عن منزلٍ هي لولاهُ لما وردت=صَفْوَ الحياةِ وقد راقت لساقيها
وفاتها من رجوعِ الشمس منقبةٌ=في كلِّ يومٍ لها أفقٌ يُبيّيها
رُدَّتْ إليه وما رُدَّتْ إلى أحدٍ=إلا ليوشعَ إجلالاً لداعيها
وتلكمُ آيةٌ للحقِّ محكمةٌ=جليّةٌ والخصومُ اللدُّ ترويها
كآيةِ الطائرِ المشويِّ بالغةً=تُغني وإنْ سَمَدت عنها أعاديها
موتوا بغيضٍ وإلا فاهلكوا حسد=إذ ليس يكسفُ وجهَ الشمس هاجيها
هذي أميةُ هل نالت منابرُه=بالنَّيْلِ من حيدرٍ إحدى أمانيها؟
أم انها غودرت أدراجَ سافيةٍ=بسُبَّةٍ لم تزل فيكم مخازيها
ماذا نقِمتم؟ سوى ثأرٍ يصيح بكم=من آل مروانَ لا عادت لياليها
ذرهمْ يقولوا كما يحلو لهم سَفَه=ليس المقالُ عن الأفعال يغنيها
لو كان يغني لأغنت كلَّ سامعةٍ=(ذاتُ السلاسلِ) في ذكرى مغازيها
يوماً أبو بكر للراياتِ يقدمه=ولم يكن للوغى عهداً بمعطيها
يطوي الفِجاجَ إلى حربٍ وشاغلُهُ=كيف النجاةُ إذا دارت دواهيها؟
فعاد والخُسْرُ يحدوهُ وسائقُهُ=حبُّ السلامةِ تُغريه ويُغريها
فأرسل المصطفى من بعده عمر=لعلَّ بالنصرِ بعد الخُسْرِ يأتيها
وكان يعلم ما يأتي به عمرٌ=لكنَّ لله أحكاماً سيُجريها
ولا يُلامُ أخو تَيْمٍ وصاحبُهُ=على الفرار فحملُ السيف يُعييها
إنَّ السيوفَ مصوناتٌ بكفِّهِم=عن التبرُّجِ إنّ الحربَ تؤذيها
وفي التبرّجِ آياتٌ منزَّلَةٌ=حاشا لأمثالها الشيطانُ يُنسيها
لذاك عاد أبو حفصٍ بجحفلِهِ=إلى الرسول بأهوالٍ يُقاسيها
فأرتقَ الفَتْقَ أن نادى بحيدرةٍ=وهو المغيثُ إذا نادى مناديها
أنْ يا عليُّ أعِدْ للدينِ هيبتَهُ=فمن سِواك لها إنْ غُمَّ زاهيها؟
فقام حيدرُ وهو الليثُ منتفض=بهمّةٍ تُفزعُ الدنيا ومن فيها
وعاد بالنصرِ جَذلاناً وقد نزلت=(والعادياتُ) فيا بشرى لتاليها
وبشَّرتْ أحمداً بالفتحِ مُدركةً=به الرسالةُ آمالاً ترجّيها
وأيقن الشركُ أنْ لا عيشَ في دعةٍ=ما دام سيفُ الهدى بالشّهبِ يرميها
وفي براءةِ إيذانٌ بمهلكِهِ=وظُنَّ أنَّ أبا بكرٍ سيُمضيها
فسار بالناسِ علَّ الحظَّ يُسعفُهُ=وبالبراءةِ للطّاغينَ يُخزيها
لكنَّما الوحيُ قد وافى بناسخةٍ=من الإلهِ لهذا قال هاديها
أنْ لا يبلّغها إلا أنا وفتىً=منّي فحيدرةٌ عنّي يؤدّيها
كان النبيُّ على علمٍ فغايتُهُ=للمسلمينَ طريقَ الحقِّ يهديها
بأنَّ من بعدهِ لا كفءَ يخلفهُ=إلا عليٌّ وفي خمٍّ سيُنبيها
يومَ الغديرِ وحسبي فيه منقبةً=شابَ الزمانُ وما شابت نَواصيها
لمْ ينجبِ الدّهرُ صِنواً في شمائِلِهِ=يُحيي النفوسَ وكأسَ الحقِّ يَسقيها
يستلُّهُ الحقُّ سيفاً دون وطأتِهِ=محقُ الضلالةِ إنْ هبَّتْ سَوافيها
يوماً دعا فيه طاها الناسَ قاطبةً=وماجتْ الأرضُ من أمرٍ يوافيها
أمرٌ من الله قرآناً تنزَّلَهُ=والوحيُ مستبشرٌ للآي تاليها
يا أيّها المصطفى بلِّغْ بمُحْكَمةٍ=وإنْ أبَيْتَ فما صدّقتَ موحيها
بَلِّغْ كفاكَ إلهُ العرشِ شِرْذِمَةً=عَوْدُ الجهالةِ من أغلى أمانيها
واللهُ يعصِمُ من قومٍ رَضَوا بَدَل=عن الكتابِ بِغَيٍّ لا يُجافيها
فقامَ أحمدُ يتلو قولَ بارئِهِ=لو كان ينفعُها ما قال باريها
يعلو على منبرٍ يرقاهُ حيدرةٌ=والبيدُ بالنّاسِ قد غُصَّتْ فيافيها
يا أيّها الناسُ إنّي قد دُعيتُ إلى=ضيافةِ الله من ذا لا يُلبّيها؟
ألستُ أولى بكمْ منكمْ بانفسكم؟=قالوا: بلى والذي أصفاك نفديها
وقال ما قال من وعظٍ ومن عِبَر=في خطبةٍ يأخذُ الأسماعَ ما فيها
وردَّدَ القولَ في أمرٍ به افتُتِنَتْ=مرضى النفوسِ فخابتْ في مساعيها
واستبشرتْ أنفسٌ بالله مؤمنةٌ=وحصحصَ الحقُّ لما قال هاديها
من كنتُ مولاهُ فالمولى أبو حسنٍ=بعدي عليكم بلا فصلٍ أُوليها
خلافةُ اللهِ عهدٌ لا يجوزُ على=من كان ظالمَ أنْ يرقى مَراقيها
عهدٌ من الله لا نفسي تُراودني=ولا اتّباعُ الهوى يوماً بمغريها
فبايعَ النّاسُ آلافاً مؤلّفَةً=تزفُّ للمرتضى أسمى تهانيها
فمدَّ للعهدِ كفّاً طالما زَهقتْ=بها نفوسٌ إلى قومٍ ليُحييها
كفٌّ سوى الجودِ والصمصامِ ما عرِفَتْ=حياطةُ الدّينِ من إحدى أياديها
وأكملَ اللهُ في ذا اليومِ شِرْعَتَهُ=وأتممَ النّعمةَ الكبرى بمَهديها
و(اليومَ أكملتُ...) لمّا بايعوا دحضت=دعوى المُريبِ إذا ما الزيغُ يوحيها
وإنَّ من بعدها حقَّ العذابُ على=من سوَّلتْ نفسُهُ بالإفْكِ يرميها
إن كان جهراً وإن سراً سواسيةٌ=إنَّ العذابَ عذابَ الله آتيها
جاء ابن نَضْرٍ الى المختار يسألُهُ=إن كان من ربّهِ أم كان تمويها
نصُّ الخلافةِ والهادي يؤكّدهُ=وأنها عن لسان الوحي يُمليها
فقال: إنّك قلتَ الصومُ مفترَضٌ=ثم الصلاةُ وها طوعاً نصلّيها
ثم الزكاةُ وحجُّ البيتِ واجبةٌ=ثم الجهاد فروضاً لستُ ناسيها
إن كان من عندك اللهمّ قد نزلت=فامطرْ علينا فإني اليومَ آبيها
فعجَّلً اللهُ بالقومِ الألى نكرو=وفي السعيرِ غداً في الحشر يصليها
(وقولةٌ لعليٍّ قالها عمرٌ)=تُغني البلاغةَ ما تحوي معانيها
بَخٍ بَخٍ صرتَ مولانا وقائدن=وعلةٌ في الحشى ما كان يُبديها
تُرى لهاشمَ دون الخلقِ بارئُه=بعد النبوّةِ عزَّ المُلْكِ يؤتيها؟