حوارٌ مَعَ الهلالِ
سنة 2017
تراءَى هِلالُ الكونِ عندَ طُلوعِهِ = كئيبًا يُعزّي في السماواتِ أنجُما
وناحتْ رِياحُ العَصفِ تَبكِي بحُرقةٍ = فقلتُ لنفسي إنَّما الخيرُ أُعدِما
وإنّ جبينَ العرشِ قد خرَّ فاعْرِفي = لماذا عيونُ الكونِ أبدَتْ تجهُّما
متى تسطعُ الأنوارُ فوقَ ربُوعِنا = لمَ الصبحُ يأبى بالفضاءِ تقَدُّما؟
لِمَ اسْوَدَّ ترنيمُ الضّياءِ بحُمرَةٍ؟ = فيسكرُ مِنْ دمعِي الأريجُ إذا هَمَى
سألتُ الهلالَ المُنطفي: أينَ بدرُنا؟ = فَمِنْ عشرِ أيّامٍ سَرَتْ ما تبسّما
وما خطبُ قلبي إذْ يغصُّ بِلَوعةٍ؟ = وكيفَ كَلامِي في سَناكَ تلعثما؟
وكَمْ مِنْ سؤالٍ يا هلالُ بجُعبتي = ولنْ أنتهي إِنْ أبتدئْ سائلًا: لِمَا؟
سألتُكَ باللهِ العظيمِ بأنْ أجِبْ = حرامٌ عليكَ الصّمتُ، فانطِقْ لأعلَمَا
أجابَ بشجوٍ خافِتٍ: تلكَ كربلا = وذا يَومُ عاشوراءَ يُحْيُونَ بِالسَّما
وهذا الحسينُ السِّبْطُ نَفسُ مُحمَّدٍ = فتبكي السّما فقدًا وتَذْرِفُ أَنجُما
فيا أهلَ أَرضٍ هل تُقيمون ذِكرَهُ؟ = أقيمُوا... أقيمُوا في عزائِهِ مَأتَما
أجبتُهُ: واللهِ الحُسينُ شهيدُنا = نعيشُ على ذكراهُ كي نبذلَ الدِّما
وإنّ حُسينًا ذاكَ مصدرُ عزِّنا= وحبُّه ذا شَرطٌ لأُصبحَ مُسلِما
فلا ينقضي حبُّ الحسينِ بنبضِنا = وما كانَ إيحاءُ الولاءِ لِيُكتَمَا
وعذري بأنْ أخفيتُ عِلمي بِشأنِهِ = لعلّكَ تَروي مَا بَدا لكَ مُؤلِما
فمِنْ قمحِ عاشُوراءَ خُبزي ومشرَبي = فلا الجوعُ بي ضيفٌ ولا زارَني الظَّما
عَزاها مُقيمٌ في الصّميمِ ووقْعُها = يحيلُ الفؤادَ الصّلبَ صخرًا مهشَّما
فأيُّ حَديدٍ سُلّ بَغْيًا لذبحِهِ = وما ذابَ فيهِ احتِرامًا وأحجَما
ولكنّها واللهِ أفئدةٌ قَسَتْ = فما بَصُرَتْ نفسٌ تَسَرْبَلها العَمَى
فشِمرٌ يَحُزُّ الرأسَ مُعتَمِدًا على = الذي أغْلَقَتْ ذلُّ المعاصي لَهُ فَمَا
أمثلُ حُسينٍ تُستَباحُ دِماؤُهُ = ولا يستحيلُ البدرُ كالليلِ مُظلِما؟
ألا فاحتَجِبْ يا بدرُ لا تُبدِ طلعةً = وَقُمْ واصْبَغِ الأفلاكَ أَسودَ مُعتما
وإنْ غِبْتَ عنَي يا هلالُ فلا تُطِلْ = وخلِّ المَرايا تبعثُ النورَ للحِمَى
نَعَمْ ذا هلالُ الحزنِ فجرُ محرّمٍ = فيا ليتَهُ كانَ الهلالُ محرَّما