بينَ الصَّحْوِ والرُّؤْيَا
سنة 2017
تنسابُ ذكراكَ بينَ الصَّحْوِ والرُّؤْيَا = حتَّى تُقَطِّرَ بي ما يُشْبِهُ الوَحْيَا
شيءٌ مِنَ العَالَمِ العُلْوِيِّ يُومئُ لي: = فجئتُ مِنْ حيثُ لا أدرى لهُ سَعْيَا
حتَّى التقيتُكَ في مسرَى مخيّلةٍ = كأنّني رُحْتُ أجري خارجَ الدّنيا
أنتَ الذي عَلَّمَتْنِي مُقلتَاكَ رؤًى = يا أنتَ يا .. لمْ تَمُتْ إلا لكي تَحْيَا
ها أنتَ تختزنُ التاريخَ في دَمِكَ ال = وَهَّاجِ، تَسْتَثْمِرُ الأضْوَاءَ والفَيَّا
يا مَنْ رَمَيْتَ لأعلى المُنْتَهَى بصرًا = تقدَّسْتْ نظرةٌ لم تخطِئِ الرَّمْيَا
وقلتَ للطفَّ: كوني للسماءِ يدًا = فأصبحتْ في معانِيها اليَدَ العُلْيَا
وهكذا أبدعَ الباري مُنَمْنَمَةً = كانَتْ إرادتُكَ العُظْمَى لها وَشْيَا
أنتَ (الحسينُ) أمِ الكونُ الذي زَخَرَتْ = أطيافُهُ، فاحتواني ساعةَ اللُّقيا ؟
يا مَنْ حَلَلْتَ بجسمي باتحادِ هوًى = ملءَ الزّجاجِ .. فُرَاتًا سَائِغًا رَيَّا
الدهرُ يطمعُ في أغلى لآلِئِنا = وأنتَ تحفظُها ما بينَ جَفْنيَّا
حُرّيَّتي بكَ ما لاحَتْ مسافَتُها = إلا وأبصْرتُ في أبعادِهَا الظَّبْيَا
ولا تَلَفَّتُّ إلا وارتمَى قَدَرٌ = رأيتُهُ بدماءِ الحقِّ مَطْلِيَّا
قَبَسْتُ مِنْ سيرةِ الأحرارِ نافلةً = واخترتُ مِنْ ياسمينِ العشقِ لي زِيَّا
لي فيكَ ما أشتهي: مِنْ سرِّ قافيةٍ = يهزُّهَا الوَجْدُ، حتَّى اسَّاقَطَتْ نَعْيَا
لي فيكَ ما أجَّلَتْهُ الأمنياتُ إلى = مستقبلٍ كانَ خلفَ الشّمسِ مَخْفِيَّا
لي غربةٌ خارجَ المعنى، تحاصرُني = مَنْ ذا يُشاطرُني في كُرْبَتي النأيَا ؟
كأنّني (طَرْفَةُ بْنُ العبدِ) مغتربًا = ما بينَ مَوْجَيْنِ: مِنْ موتٍ ومِنْ مَحْيَا
في لحظةٍ مَا .. أسمِّي (كربلا) لغتي = مِنْ أبْجَدِيَّتِهَا أستشرفُ الوَعْيَا
وأستعيرُ اتِّقَادِي مِنْ معاجِمِهَا = في كلِّ مفردةٍ أوْرَتْ دمي وَرْيَا
ولمْ يَلُحْ كوكبٌ أعلى مَجَرَّتِهَا = إلا قطفتُ بهِ مِنْ نورِهِ الجَنْيَا
هذا أنا: سادنُ الذكرى، وما تَعِبَتْ = عينُ الوفاءِ التي ترعَى الهَوَى رَعْيَا
أهواكَ قَدْرَ الذي في الكونِ مِنْ سَعَةٍ = وإن تضاءَلَ هذا القلبُ، واسْتَحْيَا
وكُلَّمَا صُغْتُ في معناكَ مَلْحَمَةً = رَجَعْتُ حتَّى كأنِّي لمْ أقُلْ شَيَّا
كلُّ الجِرَاحاتِ تُنْسَى كُلَّمَا عَبَرَتْ = ولمْ يَكُنْ جُرْحُ (عاشوراءَ) مَنْسِيَّا
كيفَ استحالَتْ خِيامُ الطُّهْرِ مِجْمَرَةً ؟؟ = وكيفَ أصبحَ ماءُ النَّهْرِ مَسْبِيَّا ؟؟
في حينِ تَعْزِفُ لحنَ الشمسِ منهمرًا = كانتْ جيوشُ الأعَادِي الصُّمَّ والعُمْيَا
مشَى لكَ الدَّهْرُ عِرْفَانًا؛ ولا عجبٌ = إنْ جئتُ كالدَّهْرِ مِنْ أقصَى الجَوَى مَشْيَا
وملءُ مِزْوَدَتِي في غايَتِي شَغَفٌ = ولَهْفَةٌ نَضَجَتْ في مُهْجَتِي غَلْيَا
خُذْ ما تشاءُ؛ فكُلِّي في غرامِكَ، خُذْ = صدري كدرعٍ يَقِيكَ السَّهْمَ والبَغْيَا
وخُذْ ذِرَاعَيَّ رُمْحَينِ، اسْتَعِنْ بِهِمَا = وإنْ ظَمِئْتَ؛ فقلبي قِرْبَةُ السُّقْيَا
ما كنتُ أبكيكَ وَحْدِي في مُكَابَدَةٍ = فقد بكى (آدمٌ) ما بينَ جَنْبَيَّا
إنِّي سَمِعْتُ صَدَى الأضلاعِ مُنْكَسِرًا = كالضَّوْءِ منكسرًا في ماءِ عَيْنَيَّا
الطفُّ تمنحنُي (عُشْبَ الخُلُودِ) إذا = أبْحَرْتُ أطوي مسافاتِ المَدَى طَيَّا
هِيَ التي جَعَلْتْنِي ذاتَ فلسفةٍ = أُبْدِي إذا انطلقَتْ كينونتي – رَأْيَا
ما كانَ رأسُكَ إلا مِثْلَ بوصلةٍ = تشيرُ للهِ؛ حتَّى نبلغَ الهَدْيَا
رأسٌ بهِ تَتَجَلَّى الأنبياءُ معًا = كَمَا أفاضَ السَّنَا مِنْ رأسِهِ (يَحْيَى)
مِنْ ألفِ حَتْفٍ، وأشلاءٍ مُقَطَّعَةٍ = مازلتَ كاللغْزِ عَنْ أسرارِهِ أعْيَا
ولم أزلْ في مِهَادِ الذكرياتِ، أرَى = ذكراكَ تنسابُ بينَ الصَّحْوِ والرُّؤْيَا
حتَّى أَفَقْتُ على صوتٍ يهزُّ دَمِي: = قُمْ أكْمِلِ الطَّفَّ في أفلاكِهَا هَيَّا