حَشْرُ الحُسَيْنِ
سنة 2015
هَبَطْتِ عَلَى حُزْنِي كَجَنَّةِ أَوْجَاعِ = فَكُنْتِ عَلَى وَصْفِي كَمَا أَبْدَعَ النَّاعِي
أَيَا كَرْبَلا .. يَرْتَاحُ قَلْبِي إِذَا بَكَى = وتُعشِبُ فِي خُلْدِ المُعَانَاةِ أَضْلاعِي
وَلَسْتُ أَرَى نَفْسِي بَكِيًّا بِحُرْقَةٍ = لِأَنَّ البُّكَا فِي الأَصْلِ ذَا نَهْرِيَ السَّاعِي
أَنَا نُسْخَةُ الطَّفِّ التِي مِنْ طِبَاعِهَا = تَشَكَّلْتُ فِي ذَاتِي وَكَيَّفْتُ أَوْضَاعِي
أَلَمْ تَكُ صَحْرَاءً؟! وَقَلْبِي مُصَحَّرٌ = وَقَدْ أَمْرَعَتْ وَاليَوْمَ مَوْعِدُ إِمْرَاعِي
أَلَمْ تَحْوِ نَهْرًا مِثْلَ بِئْرٍ مُعَطَّلٍ = فُرَاتًا بِهِ الإِرْوَاءُ مِهْنَةُ إِخْضَاعِ؟!
وَقَدْ كَانَ دَمْعِي بِئْرَ نَفْسٍ شَحِيْحَةٍ = فُرَاتِيَّةِ المَسْعَى بِأَسْوَإِ أَطْبَاعِ
فَفَجَّرَتِ البِئْرَ المُعَطَّلَ بَعْدَمَا = تَصَدَّعَتِ الأَحْزَانُ جُدْرَانَ إِقْلاعِ
إِلَى أَرْبَعِينَ الحَشْرِ .. بِدْءُ قِيَامَةٍ = نُشُورًا غَدَتْ قَصْدًا عَلَى شَكْلِ إِجْمَاعِ
ولا لَمْ تَكُنْ قَصْدًا بِيَومِ خُرْوجِنَا = مِنَ القَبْرِ .. بَلْ بَعْثًا لِذِلَّةِ إِهْطَاعِ
هَنَا زَحْفُنَا فِي عِزَّةٍ وَمَهَابَةٍ = شُمُوخٌ بِأَنَّ المَشْيَ سَحْبَةُ مِطْوَاعِ
نَسِيرُ بِقَصْدٍ .. وَالحُسَيْنُ مَصِيْرُنا = وَفِي ذَاتِ خَطِّ السَّيْرِ قِصَّةُ إِبْدَاعِ
فَلَمْ نَنْفَصِلْ يَوْمًا عَنِ السِّبْطِ لَحْظَةً = بِرَغْمِ ذُهُولِ الحَشْرِ فَالمَشْيُ ذا وَاعِيْ
ألا اقْصُدْ حُسَيْنًا .. إِنَّ أَقْدَامَ سَعْيِكُمْ = بِهَا مِنْ ثَبَاتِ الخَطْوِ خَبْطَةُ إِمْتَاعِ
غَبُارُكَ مِسْكٌ .. وَالخُطَى رُوْحُ خِفَّةٍ = فَخَطْوُكَ نَحْوَ القَبْرِ رَمْيَةُ مِقْلاعِ
وَذَلِكَ فِي حَشْرِ الحُسَيْنِ لَمُعْجِزٌ = كَأَنَّكَ تَطْوِي الكَوْنَ مِنْ سِحْرِ إِيقَاعِ
أَلا حَفِّزِ الخَطْوَ الذِي بِكَ زَائِرٌ = إِذَا اغْبَرَّ فَاعْلَمْ .. ذَاكَ مَشْهَدُ إِقْشَاعِ
تَبَانُ قِبَابٌ أَنْتَ بِالمَشْيِ قَدْحُهَا = ومِخْيَالُكَ البَاكِي لِصُورَتِهَا دَاعِي
قُبَيْلَ وُصُولٍ .. هَمُّهَا صَارَ مَوْصِلِي = أَخِفُّ عَلَى هَمِّي لِوَمْضَةِ إِشْعَاعِ
دُفُوعُ الخُطَى عِنْدِي .. لِأَنَّ لِقَبْرِهِ = يُجَادِلُ شَوْقِي الخَطْوَ دَفْعًا بِإِقْنَاعِ
وَذَا خَبَبُ الشَّوْقِ المُرَاكِضِ وَقْعُهُ = بِإِيْقَاعِ إِنْهَاكٍ لِيُطْرِبَ أَسْمَاعِي
أَنَا مُنْهَكٌ .. هَا قَدْ وَصَلْتُ مُتَاعِباً = بِهَا جَسَدِي فِي مُتْعَةٍ دُوْنَ إِشْبَاعِ
وَعِنْدَ ضِرِيحِ السِّبْطِ فِي عَفْوِ دَمْعَتِي = أَهَاطِلُ رُوْحِي .. وَهْيَ جَثْمَةُ إِرْبَاعِ
غَدَتْ كُتْلَةً مَرْبُوْعَةَ الحُزْنِ جُفِّفَتْ = تُسَاقِي عَطِيشًا مِنْ تَبَضُّعِ أَبْضَاعِي
فَلَسْتُ إِذَا نَدَّتْ عُيُوْنِي مُقَاوِمًا = تَصَارِيفَهَا .. فَالعَيْنُ مِنْ ثَدْي إِرْضَاعِي
وَفِي حُبِّ هَذَا الهَاشِمِيِّ فَدَمْعُهَا = إِذَا مَا تَبَدَّى فَهْوَ مِنْ بَعْضِ أَطْماعِي
أَنَا مُصْلَتُ الدَّمْعَاتِ لا مُسْتَخِيرُهَا = وَإِنْ كَانَ عَفْوُ الدَّمْعِ لَمْعَةَ إِيدَاعِ
بِهَا يَخْزِنُ المَحْرُوْمُ حِرْمَانَ قَلْبِهِ = وَيُبْرِمُ بِالحِرْمَانِ حَالِبَ إِضْرَاعِ
نَعَمْ .. أَنَا مَحْرُوْمٌ مِنَ الدَّمْعِ يَقْظَةً = وَغَيْبُوبَةٌ دَمْعِي لِذَنْبٍ بِإِقْذَاعِ
بَكَيْتُ كَمَنْقُوعٍ بِمَاءٍ إِذَا طَمَى = يَظُنُّ طَمَى عَيْنَيْهِ لَحْظَةَ إِتْرَاعِ
فَأَوْجَاعُهُ ابْتُلَّتْ بِأَقْسَى مَشَاهِدٍ = لِذِكْرَى حُسَيْنٍ .. وَهْيَ عِلَّةُ إِدْمَاعِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَرْفُ البُّكَاءِ لِرُزْئِهِ = فَبَعْضُ ابْتِدَاعٍ مِنْ تَكَسُّبِ إِفْجَاعِ
لَصِيْقٌ بِنَقْعِ الحُزْنِ فِي سُحْتِ زَادِنَا = فَذِي نُدْبَةُ الإِسْفَافِ تَخْرُجُ مِنْ قَاعِ
سَأَبْكِي حُسَيْنًا دُوْنَ عِلَّةِ ذَاتِنَا = فَإِدْخَالُهَا فِي ذَاتِهِ حَشْوُ أَتْبَاعِ
حَرَارَةُ رُزْءٍ لِلْحُسَيْنِ .. ضَرَامُهَا = يُغَطِّي دُهُورَ العِشْقِ مِنْ دُونِ إِفْزَاعِ
وَلا كَذِبٍ بِاسْمِ المَنَاحَاتِ جَالِدٍ = مَشَاعِرَنا .. لَسْنَا مَشَاعِرَ إِقْطَاعِ
لِعَفْوِ حُسَيْنٍ .. سَالَ دَمْعِي بِعَفْوِهِ = وَرَقَّ فُؤَادِي وَارْتَخَتْ كُلُّ أَضْلاعِي
بَكَيْتُ لَهُ إِذْ عَفَّرَ القَوْمُ جِسْمَهُ = وَجِسْمِي صَحِيحٌ لاكْتِنَازٍ وَإِرْتَاعِ
بَكَيْتُ لَهُ إِذْ رَضَّتِ الخَيْلُ صَدْرَهُ = وَصَدْرِيَ عَبٌّ مَاسِكٌ ضِلْعَ مُرْتَاعِ
بَكَيْتُ لَهُ إِذْ هَبَّرَ الشِّمْرُ نَحْرَهُ = وَنَحْرِيَ لا سَيْفٌ عَلَيْهِ لِإِخْنَاعِ
بَكَيْتُ لِأَنَّ السِّبْطَ رُوْحُ مُحَمَّدٍ = وَذَاتٌ لَهُ مَا بَيْنَ بَاغٍ وَطَمَّاعِ
وَذَلِكَ يَكْفِي كَي يُلازِمَنَا البُكَا = وَفِي مِحْنَةِ التَّارِيخِ دَمْعَةُ إِرْجَاعِي
وَحَشْرٌ لَنَا فِي الأَرْبَعِينَ لِقَلَّةٍ = لَهُ انْتَصَرَتْ .. تَعْوِيْضُ نَقْصٍ وَإِدْقَاعِ
وَمَشْيًا لَهُ عَمَّنْ تَخَلَّفَ دُونَهُ = وَلَوْ نَقْطَعُ الدُّنْيَا .. فَنَحْنُ بِلا بَاعِ
مَشَيْنَا وَأَقْسَى الحَادِثَاتِ تَحُوطُنَا = لَنَا أَسْرَعَتْ لَمَّا مَشَيْنَا بِإِسْرَاعِ
كَذَا طَوَّحَتْ لَمَّا نُطَوِّحُ عِنْدَهُ = كَتَطْوِيحِ سَيْفٍ وَهْوَ يَعْلُو لِإِرْكَاعِ
وَمَنْ ذَا يَرَى حَشْرَ الحُسَيْنِ وَيَشْتَكِي = وَلَوْ كَانَ مَحْمُومًا بِطُوفَانِ أَوْجَاعِ
سَنَزْحَفُ زَحْفَ الفَاتِحِينَ وَنَنْتَشِي = مِنَ الزَّحْفِ .. هَذِي قُدْرَةُ اللهِ والدَّاعِي
دَعَانَا لِهَذَا اليَوْمِ يَنْفَخُ رُوحَهُ = بِنَا لِيُرِينَا مَا الحُسَيْنُ؟! مَنِ السَّاعِي؟!
فَلَسْنَا بِمَتْرُوكِينَ لِلدَّهْرِ غِيلَةً = وَيَرْبُو بِنَا الإِحْيَاءُ إِذْ رَبُّكَ الرَّاعِي