كِتابٌ مِنْ مَدينَةٍ
سنة 2013
قَلَمُ الرَّصاصِ بِصَفْحَتَيْكِ قَتيلُ،= وَعَلى السُّطورِ تَنَمْنُمٌ فَطُلولُ!
عانٍ، يَدُ المِبْراةِ تَسْلُبُ ثَوْبَهُ،= وَدَمًا يُفَجِّرُ ظُفْرُها المَصْقولُ!
عارٍ، وَتَصْرَخُ حَوْلَهُ الكَلِماتُ وَهْ=وَ عَلى الثَّرى، وَالهامِشُ التَّأويلُ!
وَيَبُثُّ أصْدَقَ نَغْمَةٍ مُنْسابَةٍ= لِلْخَلْقِ، عَلَّ بِها تُفيقُ عُقولُ
نامَتْ مَغيبَ الشَّمْسِ، أطْفَأتِ السِّرا=جَ عَلَى الجِدارِ، وَبابُها مَقْفولُ!
كَيْلا يَجيءَ بِذاتِ لَيْلٍ أدْهَمٍ= ضالٌّ، وَطالِبُ حاجَةٍ، وَرَسولُ!
نامَتْ، وَنادى كُلَّ كاتِبِ عَهْدِهِ،= لَكِنَّ مَنْ لَبَّى النِّداءَ قَليلُ!
أيْنَ الأشاوِسُ، أيْنَ أبْناءُ الحُرو=بِ، وَأيْنَ أنْصارٌ، وَأيْنَ قَبيلُ؟!
الكاتِبينَ العَهْدَ، وَالوافينَهُ،= وَالمُكْرِمينَ إذا أناخَ نَزيلُ!
الضَّارِبينَ الرُّمْحَ، مُقْتَلِعي الرُّؤو=سِ نَفَوْهُ، فَهْوَ مُشَرَّدٌ مَخْذولُ!
فَمَضى يَخُطُّ عَلى سُطورِكِ قِصَّةً،= تَحْوي الحَياةَ بِعُمْقِها، وَتَطولُ
وَأسَرَّ لِلألْوانِ، تَخْضِبُ رَقَّكِ،= حَمْراءَ تُصْبِحُ كُلُّها، فَتَسيلُ
نَحْوَ (الفُراتِ)، وَيا لَهُ مِنْ غُصَّةٍ؛= قَدْ كانَ فيهِ لِلإلهِ سَبيلُ
فَأحاطَهُ فِكْرُ الضَّلالَةِ فَجْأَةً،= وَالقَوْمُ أغْوى عَقْلَها التَّضْليلُ
فَأبى (الفُراتُ) تَفَكُّرًا في حالِهِ،= وَلِكُلِّ طاغٍ تابِعٌ وَذَليلُ!
يَبِسَتْ بِهِ الأفْواهُ، ضَجَّ بِها الصَّدى،= وَلَها يَئِنُّ الماءُ، وَهْوَ بَخيلُ!
دَكَّتْ شُكوكُ النَّفْسِ وَاسْتَشْرَتْ بِهِ،= وَغَدَتْ تُهِلُّ دُموعَهُنَّ نَخيلُ!
أيَظَلُّ عُطْشانًا وَجانِبَهُ (الفُرا=تُ)، أما جَرى في حَقِّهِ مَعْقولُ؟
قَدْ أنَّ، وَامْتَشَقَ الشَّقاءُ فُؤادَهُ،= وَالثَّغْرُ أعْيا مَرْشَفَيْهِ ذُبولُ
وَبَقى وَحيدًا، شاجِنًا، مُتَصَبِّرًا،= وَالصَّبْرُ عِنْدَ رِضا الإلهِ جَميلُ!
كَ(الكَعْبَةِ) السَّمْراءِ، يَوْمَ أتى لَها= بِالجَيْشِ (أبْرَهَةٌ)، وَصاحَ الفيلُ
هَجَموا عَلَيْهِ، وَقَبَّلَتْهُ حِجارَةٌ،= وَبَدا كَريهًا يَوْمَها التَّقْبيلُ!
وَهَوى صَريعًا، كانَ مُعْتَلِيَ الثَّرى،= وَبِصَدْرِهِ مُتَرَبِّعٌ (قابيلُ)!
أعْشى اخْتِلاجُ الرَّأسِ كُلَّ مَجَرَّةٍ،= وَالشَّمْسُ بَرْقَعَها الغِيابَ أُفولُ
وَكَأنَّني وَالشَّمْعُ فَوْقَكِ مُسْ=تَعِدٌّ لِاحْتِراقٍ إنْ يَشُبَّ فَتيلُ
فَيَصيحُ فَصْلٌ، مِثْلَ طِفْلٍ شاحِبٍ،= وَصُراخَ فاقِدَةٍ تَدُعُّ طُبولُ!
وَصَغيرَةٍ هَرَبَتْ لِحِضْنِ وَلِيِّها،= فَرَأتْ ضُلوعًا رَضَّهُنَّ خُيولُ!
هَذي تُنادي: "وا أباهُ"، وَتِلْكَ تَصْ=فَعُ خَدَّها، وَبِهِ التُّرابَ تُهيلُ
وَمُخَدَّراتٍ لَمْ تُلامِسْ خَدَّهُنْ =نَ الرِّيحُ، يَنْظُرُ وَجْهَهُنَّ عَميلُ!
وَمُكَبَّلٍ أعْنى الحَديدُ عِظامَهُ اتْ=تَهَموهُ بِالإجْرامِ، وَهْوَ عَليلُ!
ظَنُّوا "سَيُخْفونَ الحَقيقَةَ يَوْمَها،= وَالدَّهْرُ في قَلْبِ الأُمورِ كَفيلُ"!
دُفِنَتْ بِكِ الأقْلامُ، فَانْتَفَضَتْ لَها= مِنْ كُلِّ قُطْرٍ زُمْرَةٌ، وَفُلولُ
كانوا بِخَطِّ اللهِ، وَحَّدَ جَمْعَهُمْ،= وَبِهِمْ يُكَبِّرُ سَيْفُهُ المَسْلولُ
تَطَّايَرُ الأوْراقُ، تَصْبَغُ بِالمَدى= هيْهاتَهُ، وَكَأنَّها التَّنْزيلُ!
في كُلِّ عامٍ يَسْتَجِدُّ نِداؤُهُ= وَفَريقُ مَنْ لَبُّوا النِّدا المَأهولُ
كُنَّا صِغارًا، وَ(الحُسَيْنُ) بِقَلْبِنا= بَطَلٌ، نُشَدُّ لِذِكْرِهِ وَنَميلُ
ها نَحْنُ نَكْبَرُ، وَ(الحُسَينُ) بِقَلْبِنا= رَمْزٌ يُضيءُ كَأنَّهُ القِنْديلُ!
ما إنْ يُسِنَّ الجيلُ، تَنْبُتْ بَذْرَةٌ= مِنْ عُمْقِ فِكْرَتِها يُمَدُّ الجيلُ
فَلَكَمْ دِيارٍ بِ(الحُسَيْنِ) تَصَلَّبَتْ= وَزَها مَكانٌ أجْدَبٌ، وَخَميلُ!
وَتَكُرُّ بِالصَرَخاتِ (غَزَّةُ) ثَوْرَةً= وَمِنَ (الجَنوبِ) (السَّيِّدُ) المَأمولُ!
هَزَمَ (الصَّهايِنَةَ) اللِّئامَ إباؤُهُمْ= وَتَعانَقَ (القُرآنُ وَالإنْجيلُ)!
يَسْتَلْهِمونَ مِنَ الجُدودِ حِكايَةً= ما كانَ مِنْها نُسْخَةٌ وَمَثيلُ
مَعْنى الإباءِ عَلى تُرابِكِ واضِحٌ= وَعَلَيْكِ مَجْدٌ خالِدٌ وَأثيلُ
عَفَتِ السِّنونَ، بَقيتِ سَيِّدَةَ الزَّما=نِ، بِكَفِّها أرَجٌ، وَقيلَ هَديلُ!
وَيَجيءُ عَرْشَكِ مُعْسِرٌ، وَمُنَعَّمٌ= وَ(المُرْتَضى)، مَعَ (أحْمَدٍ جِبْريلُ)
وَبِكِ تُعيدُ بُكاءَها مَكْلومَةٌ،= وَتَصيحُ: "وا وَلَداهُ" فيكِ (بَتولُ)
قَدْ ضاقَ صَدْري، لَسْتُ أحْتَمِلُ الفِرا=قَ، فَقِصْرُهُ في الاِشْتِياقِ طَويلُ!
قَدْ كُنْتِ (يُوسُفَ)، وَادَّكَرْتُ بِأدْمُعي= (يَعْقوبَ)، فَانْتَحَبَتْ لَنا (راحيلُ)!
في كُلِّ عامٍ، كُنْتِ وَحْدَكِ غايَتي= وَيَشُدُّني لَكِ (كَرْبَلاءُ) رَحيلُ!