خطبة الحسين عليهالسلام قبل المعركة
الجزء الخامس: الإمام الحسين بن علي عليهالسلام
ثمَّ امتطى ناقَتهُ ونادى= يا قومَنا لا تركَبوا العِنادا
فلتسْمَعُوا نصيحتي وقَولي= كيفَ يحلُّ عَطَشي وقَتلي
قالَ : دَعوُني لبلادٍ أرحَلُ= فلستُ ممنْ بالهوانِ يَقبلُ
وإنْ أبيتُم فاجمعُوا أمرَكُم= وأقبلوا فإنّني مُصمِّمُ
وسمعَتْ نساؤُه المَقالا= فأعْوَلتْ مِنْ خَلفهِ إعوالا
لكنّهُ ظلَّ بليغاً يخطبُ= محذّراً فيهم لما يُرتَكبُ
يقولُ : لا تغرّكم دنياكُم= فقدْ نسيتُم في الهوى أُخراكُمُ
وقدْ جمعتُم جمعَكم لأمرِ= أسخطتُم الله بهذا الكفرِ
بئسَ العبيدُ أنتمُ منْ قومِ= إبليسُ غرّكمْ بهذا اليومِ
بُعداً لقوم خالَفْوا الكتابا= وحاربوا العترةَ والاصحابا
قال : انسُبوني مَنْ أنا ثمّ ارجِعُوا= وعاتِبوا أنفسَكُم وقرِّعُوا
ألستُ سبطَ أحمدِ المختارِ= وابنَ وصيّهِ الفتى الكرّارِ
وحمزةُ الشهيدُ عمٌّ لأبي= وجعفرُ الطيار مجلي الكُرَبِ
أما سمعتُم قولةَ الرسولِ= المصطفى الطهرِ أبي البتولِ
فيَّ وفي أخي العظيمِ المِنّهْ= هُم سيّدا شبابِ أهلِ الجنَّهْ
واللهِ ما كذبتُ فيكم مرَّهْ= منذُ عَرفتُ ضرّهُ وشرَّهُ
قالَ : سلُوا مِنْ « جابرِ الأنصاري »= وأنسَ الخادمَ للمختارِ
ومِنْ « أبي سعيد الخدريّ »= وزيد بنِ أرقمِ المكِّيّ
إنهمْ قدْ سمعوا ما قالا= منَ النبيِّ ذلكَ المقالا
فقال « شمرٌ » : أعبدُ الله على= حرف اذا عرفتُ ما قدْ نقلا
فردَّهُ « حَبيبٌ » أنت صادقُ= فيما تقولُ انكَ المنافقُ
فإنْ شككتمْ بالّذي أقولُ= وبالّذي قدْ قالَهُ الرسولُ
أتُنكرونَ أنني ابنُ فاطمَهْ= بضعةِ أحمدِ الطهورِ العالِمَهْ
أتَطلبوني بقتيل قُتِلا= أمْ تَطلبوني بتُراث اُكِلا
فأخَذوا لا ينطقونَ شيّا= كأنّما لم يدعُ فيهم حَيّا
فقالَ : هلْ نسيتمُ الرسائلا= وقولَكُم أقبِلْ إِلَيْنا عاجِلا
فأَنكرَ القومُ الحديثَ الواقِعا= وردّدوا لابدَّ أنْ تُبايعا
فقالَ : لا واللهِ لا أُعطيكمُ= يَدي كما الذليلُ أو أستسْلِمُ
ولا أفِرُّ كالعبيدِ خوفا= هيهاتَ واللهِ وهزَّ السيفا
وأقبلَ القومُ اليهِ « كالدِّبا »= غطُّوا الفَلاةَ مَشرِقاً ومَغرِبا (1)
فأوقدَ الحسينُ حولَ الخِيَمِ= ناراً لكي يَحمي بناتِ الكرمِ
فصاحَ بعضُهم تعجَّلْتَ القَضا= رَدَّ الحسينُ أنتَ أولى باللَّظى
فرفعَ الحسينُ كفّاً للسَّما= فلفَّتِ النيرانُ ذاك المجرِما