قتلى الطف
ديوان الشيخ محسن أبو الحب
لقد كان عنك الهم يا قلب غاربا= فكم تمتري منه الخلوف الحوالبا
تقحمت أهوال الهوى وإتخذتها= مذاهب لا ترضى سواها مذاهبا
فلما طعمت المر منه قذفته= ووليت عنه بادي العجز هاربا
تحمل ثقال الحب فهي خفايف= على أهلها أو لا فدعهن جانبا
عذرت ألألى ماتوا به أنا لا أرى= لأكثرهم فيما جنوه معائبا
غذوه حشاشات النفوس مطاعما= وأسقوه حبات القلوب مشاربا
يلبون كالحجاج أثناء بيته= وما فيهم من يشتكي الوجد لاغبا
يعدهم أهل السفاه سفاهة= وكانوا حلوما كالجبال رواسبا
فلا تعتبر ما قاله الناس فيهم= فلست أرى في الناس للرشد طالبا
يقولون ما لا يعلمون ولا أرى= أدلهم إلا عن النهج ناكبا
وإن شئت فكر في الزمان وأهله= فلست أرى إلا سليبا وسالبا
وإن شئت جربهم فإنك واجد= أشدهم حرصا على الصدق كاذبا
وأوفاهم عقلا إذا قال جاهلا= وأصوبهم رأيا إذا جد لاعبا
لقد عمر الشيطان فيهم رباعه= وكن لأيدي الحادثات نهائبا
مضى مثلا في الناس عرقوب قبلنا= ولو كان حيا كان أسمى مواهبا
ألم يكفهم أن جاءهم خير مرسل= فلم يلق منهم سامعا أو مجاوبا
زمانا أطاعوه ومذ مات ألحقوا= به ولده من بعده وألأقاربا
فكم من دماء أوردوها رماحهم= وكم من لحوم أطعموها القواضبا
وكم من حريم أبرزوها حواسرا= وكان لها مستحفظ الوحي حاجبا
لهم في مجاني كربلاء مراقد= فكانت سما مجد وكانوا كواكبا
فكم من ملب للملائك حولها= وآخر يدعو واحسيناه نادبا
لكل قتيل طالب بدمائه= وفما بال قتلى الطف لم تلف طالبا
كأن كليبا يوم ثار مهلهل= به كان أعلى من حسين مناصبا
كذا طامنت للذل أقران هاشم= وعهدي بها لم تلو للذل جانبا
عليّ عزيز أن أطيل عتابها= وما سمعت يوما لعمري معاتبا
ولكنها يوم الحسين أصابها= بنائبة جرت عليها النوائبا
رأت لحسين ناشبا في قبيلها= فكانت لهذا دون ذاك عصائبا
أجل حسينا عن بكائي وإنما= بكائي أصحابا له واقاربا
مصائبهم كثر إذا ما عددتها= ولكن يوم الطف أدهى مصائبا
لهم فيه أقمار توارت وأنجم= طلعن ولم يطلعن إلا غواربا
إذا إنتدبوا للحرب كانوا قساورا= أو إنتدبوا في الجدب كانوا سحائبا
أشد على نفسي إذا ما ذكرتهم= مماتهم عطشى القلوب سواغبا
ملاعبهم ما بين مشتبك القنا= كفى المجد أهليه بذاك ملاعبا
لكل قبيل طيب غير أنهم= إذا ذكروا كانوا جميعا أطائبا
تخالهم أبناء أم ووالد= صفاء وإن كانوا جميعا أجانبا
ووألله ما كلت ضرابا سيوفهم= ولا سئمت أيمانهم أن تضاربا
فيا ليت في ألأيام لا كان يومهم= ويا ليت أني لم أكن عنه غائبا
وما للفرات لم يغر بعد موتهم= ولم يضح مجرى مائه العذب ناضبا
أمثل حسين يحبس الماء دونه= وما البحر إلا بعض ما كان واهبا
هل الغزو إلا سنة نبوية= يغاز بها من حارب ألله ناصبا
فما بال آل الوحي تغزى وتغتدى= بيوتهم للظالمين نهائبا
أكان يزيد للنبي مسالما؟= وكان حسين للنبي محاربا
وهل كان ثأر للنبي على إبنه؟= فجاء به منتوج هند مطالبا
سيجثو لها يوم الحساب مخاصما= ويغدو لها دون ألأنام محاسبا
يقول إنصفوني أي ذنب جنيته= إليكم أهذا كنت منكم مراقبا
ألم أكن فيكم كالموقي بنفسه= بنيه سهام النائبات الصوائبا
وكنت كمرتاد العشيرة لم يكن= ليخبر أهليه بما إرتاد كاذبا
ثيابكم صبغ الوشايع من دمي= صبغتم فكنتم لابسيها معائبا
ستشهد لي أسيافكم ورماحكم= ليوشك إن ساءلتها أن تجاوبا
صرفت افاعي الدهر عنكم فكنتم= علي أفاعي بعدها وعقاربا
غدرتم بهم كي تقتلوا ولتبلغوا= بقتلهم عند إبن هند مآربا
تريدون أن أرضى وربي ساخط= ومثلكم من يسخط ألله شاغبا
قتلتم حسينا وإستبيتم حريمه= وأيتمتم أطفاله والربائبا
حملتم رؤوسا كالكواكب وضحا= وأودعتم أشلاءهن المتاربا
فهلا دفنتم بعضها أو جميعها= وهلا أقمتم عندهن التواربا
لكم في قذار أسوة غير أنكم= أزدتم على ما جاء في غرائبا
ركبتم من ألأخطار ما لم يكن لها= قذار ولا قابيل من قبل راكبا