عجبي لصبرِكَ يا حسينُ
سنة 2012
أتنامُ يا جفني وسبطُ محمدٍ = قد حلَّ في أرضِ الطفوفِ مع العيالْ
تركَ المدينةَ مُرغماً في خِيفةٍ = وسَرَتْ قوافلُهُ بأصحابٍ وآلْ
قد أحدقتْ بهِمُ المنايا والبلا = فمضَوْا إلى موتِ الخلودِ بلا جدالْ
تعدو كلابُ أميةٍ من خلفِهم = إمّا مبايعةُ السفيهِ أو القتالْ
فأبى أبو الشهداءِ إلا عزةً = حتى بعرصةِ كربلا حطَّ الرحالْ
نصبَ الخيامَ إلى الصغارِ وللنسا = ودعا خيارَ رجالهِ نحوَ النِزالْ
فإذا بهِم يتسابقونَ إلى الوغى = بل للجنانِ ودمُّ منحرِهم يُسالْ
باعوا الحياةَ إلى الخلودِ، ونِعم ما = نصروا .. (حسيناً)، صحبة ٌنِعمَ الرجالْ
حتى إذا صُرعوا .. تقدّمَ أكبرٌ = يستأذنُ المولى الغريبَ إلى القتالْ
"أبتاهُ ، هذا الكفرُ جاءَ بجيشِهِ = يبغي الهلاكَ هنا، وذي البوغا سِجالْ
وأنا عليُّ بنُ الحسينِ ابنُ الذي = خاضَ الغمارَ وصالَ في الهيجا وجالْ"
لم تمضِ إلا ساعةٌ وإذا الذي = قد كانَ نورُ جمالِهِ مثلَ الهلالْ
حاطتْهُ آلُ أميةٍ بسهامِها = وسيوفِها حقداً فقطعّتْ الوصالْ
"قتلوكَ يا ولدي وإنّي لا أرى = بسواكَ للمختارِ أحمدَ مِنْ مثالْ
حاكيتَهُ خلقاً وقولاً، بل لقد = ماثلتَهُ في كلِّ محمودِ الخصالْ
ما عادَ لي عيشٌ عليٌّ بل ولا = أرضى بديلاً عنكَ من جاهٍ ومالْ"
رجعَ الحسينُ إلى الخيامِ وإذ بهِ = يلقى أخاهُ بضيقِ صدرٍ واكتئابْ
"أخي يا حسينُ أما ترى حالَ النسا = والرُضعَ العَطشى بشجوٍ وانتحابْ
فإذنْ أُخَيَّ إليَّ كيما آتِهِم = أسقيهِمُ بيديَّ من بَردِ الشرابْ"
حارَ الحسينُ ودمعةٌ في عينهِ = والقلبُ من عُظم المصائبِ في عتابْ
"عباسُ إن تمضِ فما لكَ عودةٌ = والماءُ يغدو للعطاشى كالسرابْ
فلتقضِ أطفالي وتبقى سالماً = عضُداً تساندُني ونقتسمُ الصّعابْ"
لكنَّ عباساً أفتَّ فؤادَهُ = نوحُ الصغارِ وقلبُه المهمومُ ذابْ
فمضى لشطِّ العلقميِّ وعزمُهُ = من فيضِ ماءِ النهرِ تمتلئُ القِرابْ
لكنَّ سهمَ الغدرِعاجلَهُ ، فلم = يرجعْ، وظنُّ سُكيْنة ٍ بالعمِّ خابْ
سقطَ اللواءُ وخرَّ كافلُ زينبٍ = وحسينُ أحنى ظهرَه هولُ المصابْ
فسعى إليه يُعاينُ القمرَ الذي = لم تُبقِ منه الباتراتُ سناً .. فغابْ
"أُ ُأُخَيَّ قد أشمتَّ بي الأعداءَ بل = أسلمتَ أطفالي ورحليَ للعذابْ
قد كانَ لي بكَ يا عضيدي هيبةٌ = والآنَ مالَ الركنُ ما منهُ انتصابْ"
لم يبقَ في الخيماتِ للمولى سوى = أطفالِه ونساءِ عترتهِ ، وشابْ
فإذا بشبلِ المجتبى متقدماً = نحوَ الحسينِ وبينَ كفَّيهِ كتابْ
"عماهُ، هذي من أخيكَ وصيةٌ = فلتقرَأَنْ ما جاءَ فيها من خطابْ"
"أبُنيَّ إن أنتمْ نزلتُم كربلا = وأحاطَتِ البلوى بعمِّكَ والمصابْ
ورأيتَهُ بينَ الأضاحي ناعياً = يدعو أما من دافعٍ عنا وذابّ
فانصرْهُ يا ولدي وعِفْ دنيا الفنا = وارمِ بجسمِكَ للسيوفِ ولِلحِرابْ
أجِّلْ زفافَكَ للجنانِ غداً، وقُمْ = والبسْ رداءَ الموتِ ، لا حلوَ الثيابْ"
" فإذنْ لي يا عماهُ أبرزُ بينَهُم = ما عادَ لي عيشٌ ومثلُكَ في اغترابْ"
فإذا العريسُ على الترابِ معفرٌّ = ودمُ الوريدِ على الكفوفِ له خضابْ
ما كادَ يمسحُ دمعَهُ حتى أتَتْ = تشكو مُولولةً وتنتحبُ الربابْ
يا زينبُ هذا الرضيعُ خذيهِ قد = جفَّ اللسانُ من الظما وحشاهُ ذابْ
ما عدتُ أملكُ غيرَ دمعاتي التي = مُذ عاينَتْهُ العينُ منّي في انسكابْ
فأتَتْ بهِ أمُّ المصائبِ للذي = حارَتْ بصبرِ فؤادهِ أمُّ الكتابْ
أخي يا حسينُ، الطفلُ يذوي بينَنا = والرأسُ منّي يا بنَ أمّي اليومَ شابْ
فاحملْهُ نحوَ القومِ وانظرْ رأيَهُم = فلعلَّ فيهِم مسلماً يتلوالكتابْ
فأتى به سبطُ النبيِّ أمامَهم = فغشى جيوشَ الكفرِ هرْجٌ واضطرابْ
فدعاهمُ الشيطانُ لبّوا سُؤلَهُ، = وإذا بحرملةٍ بنبلتِهِ أجابْ
فأصابَ نحرَ الطفلِ بين ذراعِهِ = فكأنّهُ قلباً لوالدِهِ أصابْ
فرمى الشهيدُ بكفِّهِ نحوَ السما = ودعا بهم كمَداً وقد عزَّ الخطابْ
"إن كانَ ذنبٌ للكبارِ وجُنحةٌ = أفهل على الأطفالِ لومٌ أو عتابْ؟
تعساً لشِرذمةٍ تُصَيِّرُ شافعاً = للعالمينَ لها خصيماً في الحسابْ"
عجبي لصبرِكَ يا حسينُ ولهفتي = أوَ هل يفيكَ الدّمُ مني لو يُسالْ؟
أوَ هل تُرَّويكَ الدموعُ بمقلتي = أم هل تفيكَ الروحُ منّي والعيالْ؟
أوَ هل أؤدّي حقَّ شخصِكَ سيّدي = واللهُ يعلمُ أنَّ ذا مني مُحالْ
لكنَّ لي أملاً بجودِكَ إنْ أنا = ذقتُ المنونَ وحانَ يومُ الارتحالْ
وخلوتُ في لحدي وجيءَ بمنكرٍ = ونكيرَ وابتدآ حسابيَ والسؤالْ
وعلمتُ أن لا نفعَ من عملي ولا = كلِّ الذي أحببتُ من أهلٍ ومالْ
وأتى الحسابُ وقامَ كلُّ مشفَّع ٍ = يدعو بشيعتِهِ إذا ما الخطبُ هالْ
وبقيتُ وحدي أرقبُ الحشرَ الذي = لا بيعَ فيه ولا حميمَ ولا خِلالْ
ورأيتُ ركبَكَ مقبلاً ضمَّ الأُولىَ = هاموا بحبِّكَ وارتجوْا منكَ الوصالْ
فاكتبني يا مولاي منهُم إنّني = لولا شفاعتُكم ستُهلكُني الفِعالْ
اِقبلْ مسيئاً غارقاً في ذنبِهِ = لكنّهُ بِكُمُ احتمى يا خيرَ آلْ
يا بنَ الرسولِ ولي حوائجُ جمةٌ = وبجاهِ قدسِكَ عند ذي العليا تُنالْ
فانظرْ بعينِكَ لي وبلغّني الذي = يهوى الفؤادُ وفّرجِ الكَُربَ الثقالْ
يا سيدي ولكلِّ صاحبِ حاجةٍ = أدعو الإلهَ بحقِّكُمْ أن تُستنال