تجلّياتُ الطفِّ في جسدٍ منهَكٍ
سنة 2011
يا شاطئَ الوجدِ خانَ القلبَ زورقُهُ = ولم يعُدْ غيرُهُ للحزنِ أُطلقُهُ
لي دمعةٌ كلّما فارَتْ على جهةٍ = يرسو بها زورقي المكسورِ تُغرقُهُ
لمَّا تفتَّحَ بابُ (العاشِر) اندلقَتْ = وقد أقامَتْ سنينَ العمرِ تطرقُهُ
بي مثلُ جيشٍ بأرضِ الطفِّ روَّعها = جيشٌ على الخد جرارٌ أُرقرقُهُ
وفي فؤاديَ خدرٌ لا يزالُ لظًى = مَنْ أشعلَ النارَ في الخيماتِ يحرقُهُ
وبينَ جفنيَ ماءٌ لم أكنْ أبدًا = لو لم تُصَبْ قربةُ (العباس) أهرقُهُ
أنا مخاضُ دموعٍ أُجهِضَتْ عَنَتًا = قد كانَتِ الطفُّ بالأرزاءِ تَطلَقُهُ
في كلِّ ناحيةٍ منّي نما غصُنٌ = لمّا يزَلْ دمعُ (عاشوراءَ) يُورقُهُ
تصوغُني (الطفُّ) حتى لم أعدْ أحدًا = غيرَ الذي هذهِ الأرزاءُ تخلقُهُ
هنا (الطفوفُ) تجلَّتْ في ثرى جسدي = في كلِّ عضوٍ شهيدٌ ظلَّ يُقلقُهُ
هنا أصيبَ (عليُّ بنُ الحسينِ)وقد = كان الحسينُ على جفْنَيَّ يرمقُهُ
تموّجَتْ كربلا وجداً على جسدي = لمّا مضى السبطُ من خدّيهِ يلصقُهُ
كلُّ الكواكبِ قد خرّتْ هنا وهنا = يؤمُّها القمرُ المفضوخُ مفرقُهُ
لمّا هوى دونما كفًّ قذفتُ لهُ = روحي إلى هذهِ الرمضاءِ تسبقُهُ
هنا الحسينُ وحيدًا ظلَّ في رئتي = إذا تصعّدَ فيَّ الحزنُ أشهقُهُ
ما الْتمَّ جيشٌ على العطشانِ في جسدي = إلا سِعَتْ كلُّ أعضائي تُفرِّقُهُ
لم ينعقدْ كبدي إلا ليحرسَهُ = يذودُ عنهُ زماناً راحَ يرشقُهُ
لولا (المثلّثُ) لم يقتصَّ مِنْ كبدي = لَمَا انتهى لحشا المولى يمزّقُهُ
هنا توزّعَ سبطُ المصطفى وعَوَتْ = فيَّ الرياحُ على جسمٍ تطوقُهُ
ما زارني أحدٌ لما غفا بدمي = إلا الذي مرَّ بي في الليلِ يسرقُهُ
هنا دفنتُ حسيناً بعدما عجزَتْ = أن تمنعَ الخيلَ روحي يومَ تسحقُهُ
يا واصلاً في الفدا أقصى العطاءِ وَمَنْ = مُدَّتْ إلى مطمحِ العُشّاقِ أعدقُهُ
لم يكذبِ الموتُ إلا حينما اعترضَتْ = منكَ الجراحاتُ .. خانَ الموتَ منطقُهُ
قد كنتَ وحدَكَ لمّا سلَّ أسيُفَهُ = ولم يكُنْ غيرُ هذا النزفِ تمشقُهُ
هم وزّعوكَ ولكنْ في القلوبِ فما = ضرَّ البغاةُ أبا الأحرارِ لو فقُهُوا
أشرقْتَ في كلِّ قلبٍ كالصباحِ وما = مرَّ الردى في فؤادٍ أنتَ تُشرقُهُ
ما كانَ يجري على وجهِ الحياةِ دمٌ = لو لم تُروَّ بما أعطيتَ أعرقُهُ
هناكَ أنتَ على جدبِ الحياة يدٌ = أنّى يمدُّ الفدا كفّيهِ تغدقُهُ
ما كانَ أكرمَ مِنْ جرحٍ عرجتَ بهِ = ولا جراح أخيكِ الفاضَ مفرقُهُ
أعطى الوجودَ يديهِ وانثنى أسِفًا = مُذْ جفَّ من كفِّهِ ما كانَ ينفقُهُ
ما أبدعَ الجسدَ المجروحَ في نغمٍ = عن الفداءِ على الدنيا يموسقُهُ
قد كانَ أصدقَ راوٍ وهو منجرحٌ = لم يفتأِ الملأُ الأعلى يوثِّقُهُ
إنّ الحديثَ الذي يصغي الزمانُ لهُ = هو الحديثُ الذي ما زالَ يدفقُهُ
ما كانَ أصدقَ مِنْ جرحٍ أبانَ بهِ = وأصدقُ القول في مبناهُ أعمقُهُ
إنّ الجراحاتِ إنْ قالَتْ فقدْ صدَقَتْ = يا رُبَّ أخرسَ بذَّ الكونَ منطقُهُ
تعوي الرياحُ ولا صوتٌ هناكَ سوى = صوتِ الحقيقةِ من أشْلاكِ تُطلقُهُ
مدَّتْ هناكَ لَكَ العشاقُ أيديَها = في محشرٍ تاهَ في الأزمانِ رونقُهُ
لمّا انفتحْتَ على جرحٍ فتحْتَ لها = البابَ الذي ليسَ يقوى الظُلم يغلقُهُ
يا أيّها العبقُ المبذورُ في دمِنا = لا بدَّ كي تفرُعَ الأرواحُ تنشقُهُ
هذا أنا العاشقُ المفتونُ يتعبُهُ = طولُ السُّرى والحنينُ الغمرُ يرهقُهُ
بيني وبينَكَ آلافُ الغيومِ إذا = ما أرعَدَ الشوقُ روحي رُحْتُ أبرقُهُ
تقودُني نحوَكَ الأرزاقُ أطلبُها = وأنت أكبرُ ما في الدهرِ أُرزَقُهُ