حبيبٌ لا أغادرُهُ
سنة 2011
الحمدُ للهِ حمداً لا أغادرُهُ = والشكرُ للهِ لا منّاً أجاهرُهُ
ربي تباركَ من ربٍّ لهُ كرمٌ = على البريّةِ ما انفكَّتْ مواطرُهُ
سيلاً تحدّرَ بالإحسانِ منهمراً = بالبِشْرِ والسعدِ لا تُحصَى مصادرُهُ
لهُ من الفضلِ والإنعامِ سابقةٌ = ومِنْ تجاوُزِهِ الأوزارَ وافرُهُ
فظلَّ فيه يرجّي الخيرَ كافرُهُ = وزادَ في الخيرِ والعلياءِ شاكرُهُ
وكنتُ في بيتِهِ أرنو إلى شرفٍ = فضمَّني في صفوفِ المجدِ عامرُهُ
فلم يدعْ ليَ منْ خيرٍ أناظرُهُ = ولم يدعْ ليَ من شرٍّ أحاذرُهُ
فاسالْ فؤاديَ ما ينجيهِ من غضبٍ = يومَ الحسابِ إذا تُبْلَى سرائرُهُ
واسألْ جبينيَ عن نورٍ يلاحقُني = يتيهِ عشقاً بهِ كالصَبِّ ناظرُهُ
واسألْ معاتِبَتِي والوصلُ منقطعٌ = والدمعُ مرتجَعٌ تذكو مشاعرُهُ
تقولُ: ما لَكَ قدْ أنكرْتَ صُحْبَتَنا = وليسَ يصلحُ للمعروفِ ناكرُهُ
وقدْ تركْتَ ربوعَ الودِّ معتزلاً = عنِ الجميعِ وقد جُنَّتْ جآذرُهُ
قدْ كنتَ أبرعَ بحَّارٍ يسامرُني = وكنتَ أمرعَ بستانٍ أجاورُهُ
سلوتُ عن وصلِها أسمو إلى شرفٍ = وذبتُ فيمَنْ أحارَتْني مآثرُهُ
ظلٌّ تبلوَرَ فوقَ الماءَ واتَّسَقَتْ = بهِ النجومُ وزانَتْها أزاهرُهُ
تجري على مهَلٍ نشوى وقد نسجَتْ = من سحرِ طلعتِهِ دفئاً تعاقرُهُ
تنامُ في كفِّهِ إنْ لاحَ مبتسماً = وتستنيرُ متى ما شاءَ ساهرُهُ
تبيتُ مشدودةً إمّا يحاورُهُا = وفي التلألُؤِ والمسرى تحاورُهُ
كأنّني إذْ أجوزُ الكونَ مرتحلاً = في وصلِهِ وهوَ مسحورٌ وساحرُهُ
أمشي على هديِ ما خطَّتْ رواحلُهُ = ما ضلَّ من سارَ في دربٍ يسايرُهُ
كأنهُ البحرُ ممدودٌ ومتصلٌ = في السطحِ مائرُهُ والقاعُ زاخرُهُ
نذوقُ في فيضِهِ سرَّ الحياةِ ولا = نهونُ يوماً وقد شُدَّتْ أواصرُهُ
يبقى على العزِّ من يأتيهِ مؤتمناً = فالعمرُ واردُهُ والدهرُ صادرُهُ
هو السفينةُ للغرقى وقدْ صمدَتْ = مهمَا تعَالى مِنَ الطوفانِ طامرُهُ
وهو الملاذُ إذا حلَّ الظلامُ على = قلبِ المَخُوفِ متى دارَتْ دوائرُهُ
وهو الحبيبُ الذي أرنو لرؤيتِهِ = مهما فقدْتُ بها شلواً تطايرُهُ
ما كَلَّ زائرُهُ ما مَلَّ ناظرُهُ = ما ذلَّ ناصرُهُ ما ضلَّ شاعرُهُ
هو النشيدُ الذي في لحنِهِ رقصَتْ = أرواحُ شيعتِهِ عشقاً تشاطرُهُ
توافدَتْ ترتمي في حصنِهِ فبِهِ = تَلقَى الحياةَ وتُلْقِي ما تخامرُهُ
بهِ تروِّي زماناً جفَّ وابلُهُ = لكي يفوحَ من الآمالِ شاغرُهُ
تسبِّحُ اللهَ في كهفٍ بهِ سكنَتْ = هل تطمئنُّ قلوبٌ لا تذاكرُهُ
لو قطّعوا فيهِ أوصالي وما حمَلَتْ = وكشَّرَ الحقدُ خافيهِ وظاهرُهُ
واستأجروا مفتياً يرمي قنابلَهُ = على الطيورِ لترديها كواسرُهُ
واستأزَرُوا عابدَ الطاغوتِ منسجراً = وجاءَ إبليسُ بالفتوى وآمرَهُ
وحوّلوا قبةَ الأنوارِ عن فلكٍ = بها يدورُ وفيها قرَّ سابرُهُ
لما لقوا بين ذرّاتي وأعْظُمِهَا = إلا الحسينَ حبيباً لا أغادرُهُ
تشعُّ بالخيرِ والنّعمى محاسِنُهُ = وتنزلُ الليلَ والسّكنى ضفائرُهُ
إن تلتقِ الأنسَ نفسي فهو مؤنسُها = أو دقَّ ناقوسُ قلبي فهوَ ناقرُهُ
بهِ سَمَوْتُ على الدنيا وما وسعَتْ = وطُفْتُ منْ حيثُ ما طافَتْ بشائرُهُ
الباسطُ الكفِّ مِنْ تحتِ الكساءِ إلى = كفِّ المحبينَ والسلوى تذافرُهُ
والمسكرُ الناسِ من حلمٍ ومن أدبٍ = والناشرُ الجودِ لا تخفى جواهرُهُ
والطاويُ الكشحِ للمسكينِ معتكفاً = والمطعمِ العبدِ إمّا ضَنَّ آسرُهُ
والكاظمُ الغيظِ عن قومٍ إذا جهلُوا = والمنزلُ الموتِ إمّا ثارَ ثائرُهُ
والفارسُ الأوحدُ الصنديدُ، ما صمدَتْ = لهُ الأسودُ إذا شُدَّتْ أظافرُهُ
هو الكميُّ الذي مازالَ منتفضاً = ومن عرينِ بني الكرّارِ خادرُهُ
مازالَ في جنةِ الرضوانِ سيّدَها = وفي الدُّنا ترتقي دوماً مفاخرُهُ
هو الحسينُ ومَنْ مثلُ الحسينِ حمىً = عندَ الوطيسِ إذا حلّتْ فواقرُهُ
الضاربُ الصفحِ إلا في الضِّرابِ فلا = يطيلُ في عمرِ قتّالٍ يناورُهُ
النازعُ الحقِّ من أنيابِ غاصبِهِ = والمرتدي في اللّظى قلباً وشاهرُهُ
يصيحُ هيهاتَ منّا أنْ نَذِلَّ ولم = نذُقْ مِنَ الصبرِ ما الرحمنُ عاذرُهُ
فقارَعَ الجبتَ والطاغوتَ محتسباً = وقلَّ إلّا مِنَ العبّاسِ ناصرُهُ
فباتَ في الحلِّ والتأريخِ فارسَها = وظلَّ في غضبِ الجبّارِ واترُهُ
يُشيدُ بالبطلِ العبّاسِ شاعرُهُ = كما يغرّدُ في البستانِ طائرُهُ
ما أنجبَتْ حرّةٌ شمساً ولا قمراً = كناصرِ السبطِ ما أحلى غدائرَهُ
كأنّما فالقُ الإصباحِ أوقدَهٌ = في الأرضِ فهو ضياها وهو ساترُهُ
إنْ قابَلَ الناسَ جاءَ النورُ يسبقُهُ = وإن مضى فسكونُ الليلِ دابرُهُ
طوبى لروحِكِ يا أمَّ البنينَ ويا = رمزَ الحنينِ ويا درساً نثابرُهُ
لقدْ رفعتِ من الأقمار أربعةً = ومنْ وليدِكِ هذا جلَّ ناشرُهُ
لكنَّ قومَكِ يا أمَّ البنينَ أتوا = مِنَ الوليدِ عجاباً لا أخاترُهُ
فها هوَ الوالدُ الكرارُ أولهَهُ = منْ جسمِهِ الغضِّ باديهِ وضامرُهُ
يقبِّلُ العينَ والكفينِ مرتجعاً = ويحمدُ اللهَ ما شعَّتْ مناحرُهُ
وها هو المجتبي والمجتبى علمٌ = جلَّتْ مآثرُهُ قلَّتْ نظائرُهُ
يرنو إلى الطفلِ حتى خِلْتُ أنَّهُما = بينَ الرياحينِ مفتونٌ وآسرُهُ
وها هو السيّدُ السبطُ الشهيدُ بهِ = كالمستهامِ يناغيهِ يساررُهُ
يحنو على ما بدا من حُسْنِ طلعتِهِ = ويرشفُ الراحَ ممّا فاحَ ثامرُهُ
ما أجملَ الطفلَ في كفِّ الحسينِ وفي = حِجْرِ الحسينِ زماناً لا يغادرُهُ
يديرُ عينيهِ في عينِ الحسينِ وفي = نحرِ الحسينِ فما تعني مناظرُهُ
ما بالُ طفلِكِ يا أمَّ البنينَ فقَدْ = أبكى الزهورَ وما رفَّتْ محاجرُهُ
باللهِ ردِّي أَمِنْ عيبٍ بخِلْقتِهِ = فكيفَ والفرقدُ العالي يجاورُهُ
وكيفَ والشمسُ خرَّت كي يباركَها = والكائناتُ لهُ تترَى تسامرُهُ
والمكرماتُ تنامَى عنْ شمائِلِهَ = كالطودِ لا يرتقيهِ مَنْ يكابرُهُ
الرابطُ الجأشِ في حزمٍ على صغرٍ = ماذا سيُحدِثُ إمّا اشتدَّ كاسرُهُ
ما عسَّ في قارعِ الكفّارِ منسدلاً = إلا تهاوَتْ على البَيْدَا مغافرُهُ
ما زارَ جيشاً تعاديهِ بواترُهُ = إلا تولّى تؤاخيهِ مقابرُهُ
في كفِّهِ سجّرَ الجبارُ هاويةً = وراكمَتْ بأسَها فيهِ عشائرُهُ
وزينبٌ شدّها من بينِ إخوتِها = لهُ من الودِّ ما تخفى بصائرُهُ
ولم تزلْ زينبُ الحوراءُ تطلبُهُ = إلى الوفاءِ فلا تكبو مشاعرُهُ
حتى أتى الشاطئَ الغربيَّ مرتجزاً: = أروي الحسينَ ولا تظمى حرائرُهُ
والعلقميُّ بهِ الحياتُ فارعةٌ = وفي بطونِ مناياها فواغرُهُ
والسلسبيلُ بهِ يجري وقدْ ولَغَتْ = فيهِ الكلابُ وأقصى الريحَ ناجرُهُ
والأرضُ لاهبةٌ والنخلُ كالحةٌ = وفي الجوارِ من الجاريِّ فاترُهُ
والمارقونَ أتوا والناكثونَ جثوا = والقاسطونَ قضوا ما اللهُ حاضرُهُ
والشركُ أطلقَ في الميدانِ قارعَهُ = واستنفرَتْ كالثرى عدّاً عساكرُهُ
جيشاً لهُ من شِرارِ الجنِّ رادفةٌ = وللسُّهَى مِنْ أياديهِ حناجرُهُ
فاستحصلَ القمرُ العالي إجازتَهُ = وانسلَّ للأرضِ تحذوهُ زماجرُهُ
وأقحمَ المُهْرَ كالزلزالِ بينَهُمُ = حتى بدَتْ في نواصيهِمْ حوافرُهُ
وخيّمَ الموتُ والآجالُ شاخصةٌ = وجالَ في ركَبِ الشجعانِ ذاعرُهُ
وأظلمَ الأفقُ من وقعِ الضِّرابِ وهم = تحتَ الحرابِ وثكلاهُمْ تهاترُهُ
ولم يزلْ فيهِمُ يجني الرؤوسَ ولم = يزَلْ يمنِّيهِ ربي ما يخامرُهُ
فأبدلَ البارئُ الكفّينِ أجنحةً = واسترجعَ المحجرَ المكسورَ جابرُهُ
ولم تزلْ رايةُ العبّاسِ خافقةً = صفراءَ في موجِها عزّتْ محاورُهُ
ساءَتْ وجوهُ بني صهيونَ وانتصبَتْ = على الجنوبِ فأعيَتْهُمْ منابرُهُ
وقد سقاها أبو هادي مفاجأةً = ذلَّتْ لها من حصونِ الشركِ ساعرُهُ
وأرسلوا رابعَ الأجيالَ فانتشرَتْ = على القُرَى حيثما حلّوا مقابرُهُ
لاغروَ مِنْ سيّدٍ يغذُو بسالتَهُ = مِنَ الحسينِ وفي العبّاسِ غابرُهُ
فكفُّهُ من يدِ العبّاسِ ركَّبَها = والسبطُ قائدُهُ واللهُ ناصرُهُ
هو المفاجأةُ الكبرى وقدْ قربَتْ = بها تَغيّرُ في الوادي مصائرُهُ
وجالت الراية العظمى مراقبة = ما بعد بعد ، وقد هبّت بوادرُهُ
يؤمُّهُا القائمُ المهديُّ منتصراً = وتكتسي باللّقا كحلاً نواظرُهُ