عندما تبسَّمَ الهلالُ
سنة 2010
هلَّ الهلالُ مؤذِّناً لمحرمِ = بادٍ كثغرِ الضاحكِ المتبسمِ
فعجبتُ من هذا الهلالِ وأمرِهِ = ولِمَ التبسمُ في المصابِ الأعظمِ
فأجابني ضوءُ الهلالِ ونورُهُ ال = منسابُ مثلُ القطرِ فوقَ البرعمِ
هذي ظعونُ العاشقينَ توافدَتْ = صوبَ الطفوفِ بشوقِها المترنمِ
تمشي وتحفرُ في ترابِ دروبِها = كالقيدِ يحفرُ رسمَهُ في المعصمِ
فانظرْ لهذا الرسمِ أصبحَ منهجاً = يمشيهِ كلُّ مُولّهٍ ومتيّمِ
وانظرْ لبقعةِ كربلاء توسُّماً = فبها ستنظرُ آية َ المتوسِّمِ
وسلِ الحسينَ إذا وصلتَ ضريحَهُ = ونزلتَ ضيفاً في عرينِ الضيغمِ
هل هذهِ الأرضُ التي لم تروِها = إلا زكاةُ النحرِ من فيضِ الدمِ
وأديمُها وترابُها وصخورُها = هي من بقايا صدرِك َ المتهشمِ
هل هذهِ الأرضُ التي في حضنِها = تعلو الرماحُ برأسِكَ المتعممِ
هل هذهِ الأرضُ التي من بأسِها = فطموا رضيعكَ سيّدي بالأسهمِ
هل هذهِ الأرضُ التي نيرانُها = لم تبقينَّ إليكَ أيَ مخيمِ
وإذا وقفتَ على المقامِ تفكّراً = لتجولَ فيهِ بنظرةِ المستفهمِ
وقفَ الزمانُ بكربلاءَ مبجِّلاً = هذا الغريبُ الفاطميُّ الهاشمي
يبلى الزمانُ وليسَ يبلى عشقُ منْ = قهرَ الزمانَ بعشقِهِ المتقادمِ
فانظرْ لجدرانِ المقامِ كأنَّها = مبنيةٌ من صدرِهِ المتحطِّمِ
وكأنَّ شُبّاكَ الضريحِ مُعتّقٌ = ومُطرّزٌ من ثغرِهِ المُتثلّمِ
والقبة ُ الصفراءُ فوقَ ضريحِهِ = شمسٌ لقد وُضِعَتْ كفصِّ الخاتمِ
وانظرْ منارَتَهُ تُداعبُ كفُّها = رأسَ الغيومِ السابحاتِ الهُيَّمِ
إذ تستظلُّ بها الحمائمُ رهبةً = من أن يظلِّلُها جناحُ الهيثمِ
حتى المصابيحُ التي قد عُلِّقَتْ = فوقَ المقامِ تلألأَتْ كالأنجمِ
ستقولُ يا عجبَ الزمانِ لكربلا = أوَ لَمْ تكوني الأمس مثلَ جهنمِ
هُوَ ذا الحسينُ فأينَ من ساروا لهُ = ما بينَ مختصمٍ وبينَ مُزَاهِمِ
فأجابني التاريخُ ها هُمْ قد مَضَوا = ورفعتُ عنهُمْ رايةَ المستسلمِ
عبدوا يزيدَ ومالَهُ ومقامَهُ = والعابدونَ لغيِّهِ المُتصنّمِ
مضَتِ الجيوشُ وبُدِّدَتْ أعدادُها = وقصورُهُ بتصدُّعٍ وتهدمِ
أين الثرى من جسمِهِ ورميمِهِ = أم منْ يَجودُ بدمعةِ المترحِّمِ
قتلوا الحسينَ لعلَّهم لم يعلموا = وُلِدَ الحسينُ مجدّداً بمحرمِ
هو فُلْكُ نوحٍ حينما قد علّقوا = آمالَهم سَفَهاً بركنِ الظالمِ
اليومَ أمرُ اللهِ حلَّ وما لَهُمْ = عن أمرِهِ وعذابِهِ من عاصمِ
ثارَتْ دِماهُ كأنَّها بحرٌ وهُمْ = غرقوا بلُجّةِ موجِهِ المتلاطمِ
أبلاهُمُ التاريخُ حتّى أنهُ = فرعونُ موسى جسمُهُ لم يُعدَمِ
رأفَ الزمانُ بنا فما أبقى لهُمْ = أثراً يحزُّ بجرحِنا المتألِّمِ
هُوَ ذا الحسينُ أراهُ حيّاً واقفاً = وهو القتيلُ على رفاتِ الظالمِ
هُوَ ذا الصراط ُ المستقيمُ ومَنْ عل = يهِ يسيرُ بينَ مثبَّتٍ ومُدَمْدَمِ
والكوثرُ العذبُ الزلالُ ومَنْ إل = يهِ يسيرُ بينَ مؤخَّرٍ ومُقدَّمِ
حسبوا بقتلِكَ نصرَهم وتوهَّمُوا = ضحكَ الزمانُ لغفلةِ المتوهمِ
سقطَ القناعُ وبعدَهُ أسطورةَ ال = نصرِ المؤزَّرِ وهو محضُ مزاعمِ
أكذوبةَ النصرِ التي ليسَتْ سوى = نصرٍ تحقَّقَ في خيالِ الواهمِ
مرَّتْ بمرفأِ كربلاءَ وأبحرَتْ = سفنُ السنينِ بحزنِها المتراكمِ
واليومَ قد بزغَ الضياءُ لتنجلي = شمسُ الحقيقةِ بعدَ دهرٍ غائمِ
فاستيقظَتْ كلُّ الشعوبِ وشاهدَتْ = يا كربلا لِمَنِ انتصارُكِ ينتمي
وقفَتْ على أوهامِهِمْ كلُّ الشع = وبِ وخاطَبتْهُمْ يا عبيدَ الدرهمِ
اليومَ من عضَّ الأناملَ حسرةً = لا تنفعنّكَ عضّةُ المتندمِ
عجباً فإنَّ القاتلينَ إليهِ قد = هُزِموا وإنَّ قتيلَهم لم يُهزمِ
الحقُ يُعلي أهلَهُ بسمائِهِ = والجُرمُ يُقبَرُ فيهِ ذكرُ المجرمِ
كَلْمى تمرُّ بيَ السنينُ وأمتطي = الأحلامَ دونَ عنانِها والألجمِ
وأجولُ في فَلَكِ الفجيعةِ سابحاً = كالعقلِ يسبحُ في فضاءِ الحالمِ
يومَ الحصادِ بعاشرٍ ماذا عسى = غيرَ الدموعِ حصادُها في موسمي
بكتِ العيونُ عليكَ فيضاً من دمٍ = والشيبُ أشرقَ بعدَ ليلٍ مظلمِ
وعجزتُ من حزني أبوحُ وأشتكي = فجعلتُ حسْراتي لسان َ تكلُّمي
ولقد رسمتُكَ والطفوفَ بلوحةٍ = ويدي بها عشقي، وقلبي مرسمي
فأحلتُ رمضاءَ الطفوفِ جنائناً = وكسوتُ عاري جسمِكَ المتهشمِ
وجعلتُ ماءَ النهرِ ينبعُ دافقاً = من بينِ كفِّكَ كالرحيقِ البلسمِ
ونزعتُ أهدابي وفيكَ زرعتُها = ورداً بموقعِ نابتاتِ الأسهمِ
أرجعتُ خنصرَكَ التي بُتِرتْ وقد = طوّقتُها يا سيدي بالخاتمِ
ورويتُ طفلكَ سيدي ورسمتُ في = وجناتهِ إشراقةَ المتبسِّمِ
وجعلتُ نيرانَ الخيامِ جنائناً = من وحيِ بابلَ صُغْتُها كالمعْلَمِ
وجعلتُ حولَكَ منْ تشاءُ من الورى = فيها ابتداءً بالرسولِ الأكرمِ
ومسحتُ من أرضِ الفجيعةِ سيدي = كلَّ الجيوشِ وكلَّ عاتٍ مجرمِ
ورسمتُ أصحابَ الحسينِ تجمَّعُوا = مثلَ السماءِ تزيَّنَتْ بالأنجمِ
وجعلتُ عباساً يجولُ برايةٍ = والكلُّ مبتهجٌ بعرسِ القاسمِ
لكنْ عجزتُ بأنْ أواريَ وطأةَ ال = شمرِ اللئيمِ على المقامِ الأحرمِ
يا مُلهمَ الأجيالِ وحْياً فارتقَتْ = طرقَ السماءِ على براقِ المُلهِم ِ
ومحّررَ الأجيالِ من أقيادِها = وخنوعِها وركوعِها للغاشمِ
أيقظْتَ أفئدةَ الورى من نومِها = دهراً بكهفِ الجهلِ دونَ تبرُّم ِ
وبعثتَ في موتى القلوب ِ تكرُّماً = روحَ الإباءِ بنحرِكَ المُتَكرّم ِ
يا منبعَ الحرية ِ الحمراءِ يا = كهفاً تلوذُ بهِ النحورُ وتحتمي
يا مرفأَ الأحرارِ تلكَ مراكبُ ال = عشاقِ عندَ رصيفِ عشقِكَ ترتمي
أحسينُ يا عشقي الأصيلُ وإنّني = عبدٌ إليكَ فأنتَ حقُّ معلمي
علّمتَني أنّ الكرامةَ تُشترى = بدمٍ لمن قد باعَها بالدرهمِ
علّمتَني أن الدماءَ حضارةٌ = تبقى وصرحُ مُريقِها بتهدُّمِ
علّمتَني أنّ المناحرَ سيدي = جُعِلتْ كرامتُها بسيفِ الظالمِ
علّمتَني أنّ الرؤوسَ إذا اعتلَتْ = رمحاً عَلَتْ فخراً رؤوسَ العالمِ
فلتعلمِ الدنيا بأنَّ حضارتي = في كربلاءَ وعيدُها بمحرَّمِ
يا كعبةَ العشّاقِ أنتَ حضارتي = أبداً وفيضُ دماكَ أمسى زمزمي
دمُكَ المدادُ وما رأيتُ حضارةً = أقلامُها كَتَبتْ بحبرٍ من دمِ