ما حالُ قومي غداةَ البين لا بانوا
الشيخ أحمد البلادي
ما حالُ قومي غداةَ البين لا بانوا=ولا عفى رَبعُهم واستوحشَ البانُ
ولا أصابتهمُ عينُ الحسود ولا=ليتَ الحسودَ وليت الواش لا كانوا
ساروا فصار فؤادي في طِلابِهُم=لأنهم لفؤاد الصبِّ جِنحان
ما إن سرى ضعنهم إلا سرت مُهَجي=واستطونتها من الهجران نيران
ولا عنِ العينِ شمسٌ منمُ غربَت=إلا وهز في سُويد القلب سُكانُ
شقُّوا بشقَّتِهم قلبي فليس لهم=عليه لو هامَ وجداً قطُّ سلطان
إن حاولوا قطع وصلي فالفؤاد له=بهم زيادةُ وصلٍ أينَ ما كانوا
عليكَ يا منزلاً بالمُنحنى شجني=طولَ الزَّمان وكلّ الدهر أشجان
قد كُنتُ مأنوسَ قومٍ غاب شاهدهم=فتلك أوطانهم للبُوم أوطانث
لا أبعد الله أربابَ القلوب ولا=جرَت عليها من الأحزان أردان
قومٌ لهم من أثيل المجدِ كم وُضِعت=فوق الرؤوس على الخرصان تيجان
آل الرسولِ ومَن في شأنِ شأنهمُ=كم قام عند ذوِي التحقيقِ برهان
أنوارُ غرَّتِهم في طيّ طُرَّتهم=لهم مِن الله تقديسٌ وسبحان
لله من موقفٍ بالطف أوردَهم=حَوضَ الحِمام فصاحي القومُ سكرانُ
كم أحرموا للمنايا فيه واغتسلوا=من النحور وسافي الترب أكفان
وفيه كم عُفِّرَت من غرَّةٍ ولكم=قد أُرغِمت فيه آنافٌ وأذقانُ
وكم ثوى فيه بدرٌ خرَّ من فَلكٍ=له تخرُّ من الأفلاك أركان
مثلُ الحسين قضى ظامٍ ومن عجبٍ=الاء في راحتيه وهو ظمآن
ما نحطَّ عن سرجه إلا وسبَّحَت الأ=ملاك حزناً وناحَ الإنس والجان
ولا تنكَّبَ عن مِرقاةِ مِنَبرِهِ=إلا بكت مريمٌ حزناً وعمران
ولا هوى بدرُه إلا تنثرَ من=عُقد الثريَّا له دُرٌ ومرجان
ولا على صدرِهِ الزَّاكي جُي حَنَقاً=إلا رَثاه أبو ذر وسلمان
ولا اشتكى عطشاً أو نال من المٍ=إلا وحَنَّ حنينَ الورق عدنان
ولا تأوَّهَ لما حُزَّ مَنحرُهُ=إلا وللرُّوح بالتهليل إعلان
ولا اُطِلَّ له فوق التراب دمٌ=إلا جرَت من ذوي الأعيان أعيان
ولا أقيم له رأسٌ برأسِ قَنىً=إلا أقمن العزى حورٌ ووِلدان
ولا على صدره الجردُ العتقاقُ جرت=إلا وللأرض في الزلزال إمعان
ولا قضى مَيِّتاً إلا وفاطمةُ الزَّ=هرا وَأحمدُ في الأحزانِ سِيَّان
تدعو به يا قتيلاً ما له دِيَةٌ=تُدانُ يوماً به بكرٌ وهَمدان
ويا مصاباً بجرحٍ لا دواءَ له=حتَّى أقرّ له بالعجز لقمان
يا واحد الدهر أصبحتَ الوحيدَ و=محزورَ الوريد عليك الدهر حزنان
يا قطبَ دائرة الإيجاد خلفكَ لا=كان الوجود ولا في الكن إمكان
ثويتَ يا قمراً بالطف كان له=على الحوادث إشراق ولمعان
وغبتَ يا فرقداً ما زلتُ أرصده=هل غاب أم لم يغب فالفكر حيران
بل يا ذبيحاً مسجّاً لا حِرَاكَ به=كأنَّه في جنان الخلد وَسنان
يُغشى عليه فلم يسمع لداعيةٍ=كأنه بمدام السيف سكران
وزينبٌ معها في الدور قائلةٌ=مات الحسين فما لي عنه سلوان
أُخي هل عادَ عيدي أو طَرا طربي=وأنت ثاوٍ بأرض الطفّ عُريان
أُخيَّ ما جزتُ قبراً أنتَ ساكنه=إلا استهل من الأجفان هتان
يا ميتاً أبلت الغبراء جثَّتَهُ=أقامَ فرداً وما في الموت إخوان
ويا غريباً بأكناف الطفوف قضى=وما له في نواحي الأرض جيران
ويا سلبياً معرّاً لن يُلَفَّ له=كما جرت عادة الأموات جثمان
مرمَّلاً بدمٍ ما غسّلوه ولا=صلَّت عليه صلاة الميت خلان
يا ابنَ الغطارفة الأشراف من مضرٍ=ومَن هُمُ لأصول الدين تبيان
لولا تألقُ نورٍ من ميامنكم=لما اهتدى لسبيل الحق إنسان
لِ أحمدٍ جرُمٌ أصبحنَ في حرمٍ=عليه من أثر التعظيم عنوان
ما أكبرَ الذنبَ لولا عذرُ فاعِله=ما كان للناس عند الله غفران
فاسمع فَديتكض عن ذنبي وعن جُرُمي=إن طال بي مَوقفٌ أو خفَّ ميزان
إلى معاليك قد هذبت مرثَيةً=لا نقصَ فيها وفرَضُ النقص نقصان
سقى ثراك الغوادي مزنُها وعلى=نفيس نفسك تسليمٌ ورضوان
ما ظلَّ ركب الدجى وانجاب عن شفقٍ=به يَأمُّ إلى جدواك ركبان