لأجمل من يوم العناق التعانق = وأشأم من يوم الفراق التفارق
وأحلى من الماذيِّ ريقُك رشفه = وصدّك يا عقلي على المر فائقُ
وأغلا من الحلمِ الذي في محله = فؤادك في يوم خلا منه عاشق
وإن لم أكن أهلاً لوصلك ساعةً = فليس عظيماً تُبادَ الخلائقُ
توهم من ظن الهنا سرجَ سابحٍ = وربعك موفور وقلبُكَ خافقُ
وخير جليس – ما توهمتُ – ماجدٌ = لك يوم من دون الأنام يرافق
وشرُّ الورى من بعدي الناس كلُّهم = إذا لم نكن طوعاً هواك نوافق
ومن يعطَ عقلاً كنته بل وشغله = وما العقل لولا أن تجاريه حاذق
وقدتَ من الأخلاق كل عصيبةٍ = خلا ساعة المسرى لقلبي سارقُ
وإن العطايا لا تضيق على الندى = ولكنه من جودك الغمر ضائق
ولو جدلاً شاهدت منك فظاظةً = فإنك في كل بقلبي عالقُ
ولو جئت آثاماً وحاشاك لُمّة = لأصبحت الآثام برّاً يلاحق
هجرت نوادي العالمين لوجهه = فوجه الذي أهوى عن الله ناطق
إذا لم يدعك الحب شلواً مبضعاً = فلا تدعي يوماً بأنك وامق
فواهٍ إذا ما فرّق الموت بيننا = ويا ليت شعري من إلى القبر سابق
وأفدح من فقد الأخ العيش بعدهُ = وحسبك أن تحيا وأنت مفارق
فلا كالنوى في فهم خلٍّ مشاهدٍ = هواه وما سهمُ الردى عنه مارق
ولا كرسول البين إن كان صادقاً = وإنه في شرع الهوى لمنافق
ولا كوصال قد تُيقن صرمه = ينوب عن التوديع فيه الترامق
ولا كأخ ما قرب الطست تائقاً = ولكن يوم البين للبين تائق
فلم أدرِ ما التوديع قبل وداعه = ولم أدر قبل البين ما البين سائق
عناقٌ وتوديع ودمع وغشية = وذاك غراب البين للبين ناعق
فيا ساعد الله الحسين بفقده = أخاً ما له يوم الإخاء مساوق
وكلّاً شكا سماً ولم أدر قبله = بأن أخا المضنى من السقم ذائق
وحق له غماً يموت ولوعة = فما العيش من بعد الأحبة رائق
وما الشوق من بعد الفراق وإنما = إذا أوشكت أن تستباح العلائق
وما قيمة الدنيا وقيمة أهلها = إذا لم يكن فيها مشوق وشائق
وإن كان في يوم الفراق تشاؤم = لأشأم من يوم الفراق التفارق
فكيف يكون الصبر ويلي وويحه = إذا عرف من تهوى على الدهر عابق
سقى الله قبراً بالبقيع محله = وصلى عليه الله ما ذر شارق
سقى الله قبراً كان من قبل نعشه = عليه السهام الغائرات تراشقُ
صغت أمرها من بغلة فُك قيدها = فسبحان إذ أصغى إلى البغل ناطق
فحاطت به من هاشم خير عصبة = نمتها من العليا كرامٌ عواتقُ
فكان لعمر الحسن كالبدر نيّراً = يحوط به نجم من السعد بارقُ
وكلٌّ حكى نار الكليم فؤادُه = وما إن تجلى نعشه فهو صاعقُ
ولو أن يعقوباً رأى بعض ما رأى = بنو هاشمٍ في فقده ما يشاهقُ
وشق على الإحسان والفضل والندى = تفارق رغم الأنف من لا يفارَقُ
تنفس منه الصبح لا عن تبلج = ولكن لما يلقى من الدمع شارق
فعسعس وجه الصبح من بعد فقدهِ = وحطَّ على الدنيا مدى الدهر غاسقُ
فيا غالباً للطم شدي وشمري = وللنوح والتسكاب بالله سابقُ
ولا تعجلوا في دفنه إن دفنه = لقلب بنات الوحي لا شك فاتق
وما إن تواروا نعشه القبر لبثوا = لتقضي عليه من بكاها الخلائق
أهيلوا عليه من ثرى المجد ذروه = فإنه والأمجاد خل وعاشق
ولا تهرقوا إلا من القلب ماءه = فليس سوى ماء المجامع لائق
فتى كان إشراق الزمان بوجهه = وصبح محياه لذا الليل ماحق
وقارٌ يعيق الدهر عن نيل همه = ولولاه قل لي من لذا الدهر عائق
وما الغول والعنقاء وهم كفقرنا = وفرط الندى في كفه متدافق
ولو زكريا شاهد اليوم عزمه = لما وهنت أو شبن منه المفارق
ولو أن بلقيساً رأت بعض حسنه = على فورها بلقيس كانت توافق
وإن عبيد الحُسن صيدٌ على الورى وعبدٌ لغير ابن البتولة آبق
فيا راكب الوجناء ما مس خفّها = حصى الأرض إلا كان منه يبارق
تزيّد بهاً عدواً وأدلج مسيرها = بيوم به عزت تقاد الأيانق
وسر نحو كوفان وأخبر أميرها = بأن بنيه قد دهتها البوائق
فما بين مسموم تمزّق كبده = وبين صريع حاصرته الفيالق
ينادي إلا من ناصرٍ فأجبنه = من القوم أرماحٌ وبيضٌ بوارق
فجمّع من رمل الطفوف وسادة = وكانت له حدَّ الظباة النمارقُ
ويرمق تلك الصائحات وإنه = عليمٌ بأن الشمر فيهن سائق
ويسترن بالأيدي وجوهاً لطالما = لها الصون ستر والخدور السرادق
فيا صاحب الثأر الذي طال بعده = متى يشتفي صدر من البعد ضائق
ويشحذ سيف يوم أحدٍ وخيبر = لهامات أبناء النوابغ فالق
تفجرها شعواء في كل غارة = وتخفق من فوق الجيوش البيارق
وتعلي هتافاً يا لثارات فاطمٍ = وما بعد صوت الرعد إلا الصواعق