الوصلُ أبطش من يد الحرمانِ = لولاه لم يُعرف جوى الولهان
لا سامح الله الزمان فإنه = عند اللقا كالبرق للعميان
والدمعُ أقطع من حسامٍ باتر = إن كان توديعاً بلا استئذان
وأشد من نار الغضاةِ صبابةٌ = لا تجعل الأجفانَ كالأجفان
ليت الفراقَ يعيش ساعة عاشقٍ = لمس العناقَ فمس بالهذيان
أفنته دعوى الحب بين تجاذب ال = حسرى وبين تجاذب التحنان
وسقاه كأس العشق خمرة آيس = مُزجت بماء الغدر والعصيان
والصعب ليس بأن تعيش مكدراً = أو في تحمل بطشة الشجعان
لكن إذا حمي الغرام ولا ترى = بُدا سوى في الصمت والكتمان
أسلو وكيف لي السلو ومنطقي = لهج بذكره طيلة الأزمان
هبني سلوت فمن يغيب نسمة = عند الشروق تضج بالأشجان
أين الظعونُ وقد نظرت مسيرهم = قبل ابتدار العين بالهملان
رحلوا وقد سرقوا الفؤادَ وليتهم = سرقوا تُقىً ما فيه من وجدانِ
رحلوا وما تركوا الأثافي تنطفي = إلا وجمرتها تعض بناني
وتحكمت فيَّ الصروف لفقدهم = كتحكم الجوزاء في السرطان
يا وادياً بين العقيق وحاجرٍ = ألقيت فيه من الدموع القاني
أين الذين إذا أصبتُ بليةً = كانوا لها كالنار في السعدان
أبناء شيبة خير من وطأ الثرى = مأوى اليتيم وغوثة اللهفان
في السلم أعطف من أبٍ في ولده = وعلى الأعادي نفحة النيران
لا يعرف الوفاد رنة بابهم = أو كيف تبدو غربةُ الأوطان
دار الضيافة دارهم من جودها = لا تعرف المغني من الضيفان
قد أرهقوا من بَعدهم زهداً تقىً = فخراً عُلاً حلماً ورفعة شان
وفصاحة تذر الوحيد ملعثماً = وسماحة تذر ابن طي جاني
وشجاعة قد ثلمت أسيافهم = دون القنا من شدة التطعان
وصغيرهم ككبيرهم وكبيرهم = كفاه كف الواحد المنان
وبيمنهم رزق الورى ووجودهم = من سيّر الأفلاك في الأكوان
قوم على العلياء يعلو شأوهم = ونفوسهم ترقى على كيوان
حظ الفتى أباؤه وهم عُلاً = سادات مكة من بني عدنان
أبنا نزارَ ومن ذؤابة هاشم = من شيبة الحمد العظيم الشان
عقمت تجيء الأمهات بمثلهم = أنّى وأمهمُ ذرى الإيمان
أم الأئمة سر علم المصطفى = أصل الوجود وعلة الإمكان
هي قدرة الرحمن حكمته التي = فُطم المحب بها من النيران
عَجَزَ العقول العشر عن إدراكها = ويكلُّ رب الشعر في التبيان
جلت عن التشبيه مهجة أحمد = قل لي بربك هل له من ثان
هي حجة الله التي من دونها = ما كان يخلق سيد الأكوان
هي ليلة من ألف شهر فضلت = ولأجلها يتسابق الحدثان
هي آية التطهير ذو القربى ومن = لجلالها ذلت بنو نجران
ما كان أجر المصطفى إلا بها = وبذاك صرح محكم القرآن
ولصبرها الدين المؤثل نابض = لولاه لم يسمع دوي أذان
عش في محبتها تنل من فيضها = ما لا يطيق بحفظه الملكان
من أدم ما دون لا كفو لها = إلا علي خيرة الرحمن
رجل الكتيبة والكتاب وسيفه = يوم الضراب منصف الأبدان
ومفض أبكار الخطاب ومخرس = عيا جواب المصقع الرنان
تتبختر الألفاظ فيه كأنها = عقد ينازع في يد الصبيان
ما ارتج يوماً أو تلكأ مفحما = فالقوم دون مخاطَب الذؤبان
والسحب تسكب وابلاً أو ديمة = والأرض تحت مشيئة السحبان
ليث الثرى غوث الورى حتف العدى = مبدي الندى ضيغامة الفرسان
صبح الدجى لذوي الحجى شمس الضحى = قطب الرحى في ساحة الشجعان
وهو الفتى وأخو الفتى أوَ هل أتى = في حق غيره سورة الإنسان
ومجندل الأبطال في لهواتها = طاعون أهل الغي والأوثان
ما قدّروه ولا عتاب لمثلهم = إن العتاب يطيب منه الجاني
والناس لو بيعت بقدر عقولها = كانت تباع بأبخس الأثمان
أو كان مكنون النفوس مشاهد = أبصرتهم مسخاً من الجرذان
لا ترتجي خيرا بمن هي حكمت = ورضت بأمر فلانةٍ وفلان
إن كان لا يُرجى الحمار لإمرة = ما ترتجي ممن رضت بأتان!
قد راقها سوقاً تُقاد بدرة = ويرى الذباب البعر نظم جمان
لا عيب إن أمَّوا بجارية فقد = صلوا بلى بإمامة السكران
قد أمَّروا فيهم يزيد ونصبوا = أمر الخلافة في يدي مروان
المانعين الجار عن تضييفهم = والمنفقين العرض للضيفان
والدافعين الضيم عن وجه الخنا = حتى غدا من جملة الأخدان
والمطعمين السحت من كد الرشى = والمشربين السم للظمآن
حاكوا الخساسة كابراً عن كابر = وبها تردوا بردة الشيطان
وليومنا هندٌ تمزق أكبداً = وسميةٌ تلد ابنها بأمان
ويعيش مروان بدار محمدٍ = لكن بزي النسك والعرفان
أسفي على عمروٍ يفر معيراً = ويفر زيدُ بعزة وتفاني
وسقيفة كانت تدار بخلسةٍ = صارت تدار ضحىً بلا كتمان
والناس باعت دينها لعقولها = والعقل باع الدين بالمجان
أين الألى شروا الضلالة بالذي = لله يخطب شفرةَ المران
لم يرضَ مَهراً غير فلذة كبده = وكذا تكون خطوبة الأقران
فمضى إليه فؤاده مستأذناً = لله قلبٌ ساعة استئذان!
ناداه مهلاً يا شبيه محمدٍ = خُلُقاً وخلقاً واتضاح بيان
أتظن غيرك للحيا أحياني = أو أن غيرك للحمام دعاني
وأبيك ما لأبيك بعدك عيشةٌ = والليل لا أرعاه بل يرعاني
قل لي فديتك كيف أسلو وطالما = لي في وجودك نجعة الظمآن
كيف ارتضيت بأن تبيت مهنأً = وأظل من ألم الفراق أعاني
ولَفَقدُ إلفٍ كان صُحبةَ ساعةٍ = مردٍ فكيف بصحبة الأزمان
لا جرم إن أهمي الدموع تناثراً = إن البكاء يليق للفتيانِ
ودعتني وتركت قلبي حائراً = بين الصفوف وصيحة النسوان
وبرزتَ لا أدري أشخصك بارزٌ = أم أنني من كنت في الميدانِ
وأخذت تعدو في جوادك مسرعاً = ما كان ذاك أشد من خفقاني
لله سيفك والسيوف معادن = تزهو بقبضة كاسر الأجفان
وبطشت فيهم بطشة السَّبُعِ الذي = قد فزَّزته سوائم القطعان
أذكرتهم ماضيَّ جدك فيهم = وفرارهم يوم التقى الجمعانِ
أَبُنيَّ أبلغ عن أبيك تحية = لمحمدٍ عطشى من العطشان
ما إن سُقيت بكأسه أبلغه ما = صنعت أمية في بني عدنان
أبلغه حين تكاثروا زمراً على = قتل ابن بنت نبيهم بتفاني
لله ملقىً والرماح تنوشه = فتكَ الشعاع ركائب السحبان
لم تهدَ نفسه ساعة حتى غدت = للأعوجية حلبة الميدان
قد خط للموت الكريم أصوله = وأشاد عزاً ثابت الأركان
من رام نيلَ المجد راق له الفدا = والصعب ليس لديه بالحسبان