قصيدة الشيخ في رثاء والده العلامة الكبير الحجة الشيخ عبد الغفار الانصاري طاب ثراه
أرثي بك الأخلاق والآدابا= يا مَن ثقلت على القلوب مُصابا
و ثقلتَ عند الله في ميزانه= وعظمتَ في يوم الجزاء ثوابا
وقبضتَ بالكف اليسار جنانَها= وأخذتَ بالكف اليمين كتابا
مُذ كنتَ لا تَذرُ المكارمَ قادراً= ما خاب مَنْ سَلَكَ العلى ما خابا
وخففتَ نحوَ المَكْرُمات كأنما= طيراً أراك يؤمُها طَلّابا
جبلا من الثقل الذي قد حزتَهُ= منها فكنتَ المُثقَلَ الوثّابا
ضدان قد جُمعا فَكانا واحدا= بالعابد الغفار قلتُ تحابا
ضدانِ راحا يبحثانِ عن الذي= يحويهما ولَهُ رِضاً قد آبا
أكرمْ بِمَنْ طَلَبَ العُلى في سَيرِهِ= أكرم بمن طلب العُلا فَأَصابا
ونعى بك الناعي المكارم يا أبي= يا ليتني قد كنت قبلُ ترابا
عجبا إلى تلك الجبال بما حوتْ= تخفى بأشبار هناك مآبا
هذي الجموع المُثكلات من الأذى= تنبيك عمّا نابها مذ غابا
تنبيك أي كرامة قد أمّها=ومدى المحبة في القلوب أصابا
ومدى اتساع مداه في أخلاقه=شمل الجميع بلطفه فَأطابا
ليس الرجال إذا رأيتَ مصابة= حتى الصغير رأيتَ فيه مُصابا
فترى الوجوم على الوجوه كآبةً= ثُكِلَ الجميع مشايخاً وشبابا
حتى النصارى واليهود تَجَمَّعوا= وسط الجموع استُقطِبوا استقطابا
والصابئون تراهمُ في وسطهمْ= قد أعربوا عن حزنهم إعرابا
لما نعى الناعي عُلاه إذا بِهِمْ= قِطَع إلى قطع تُضَمُ سحابا
والأرض من فيض الدموع نمتْ عُلاً= تلك الرعاية أنجبت إنجابا
من كل حدبٍ ينسلون كأنهم=طير يفرّ وقد أتى الأصحابا
وترى العدو مع العدو كأنما= هذا المقام أعادهم أحبابا
قم يا أبي حَيّ الجموع فما أتتْ= إلا إليك تريد منكَ جوابا
أتردها ؟ وهي التي إن أقبلت=يوما إليك تحيطها ترحابا
لا لم تُعَوّدْ أن تجئَ ولا ترى= منك البشاشة جيئة وذهابا
ما عُوِّدَت إلا الجواب ببسمة= ذهبتْ بها كلّ الهموم ذهابا
وتريهمُ ودا به لو وازنوا= تلك الجبال لما علته قبابا
جبل من الإحسان يُقبِل باسما= فيزيد شهدا فوهُها ورضاباعجبا
إلى تلك الجبال بثقلها= تأتي إليك تحسهنّ سحابا
قَبَس لكل المؤمنين بما حوتْ= ولكل شيطانٍ تريك شهابا
ويحس قلب الوافدين بِنَشوَةٍ=تنبي الفؤاد بأنه ما خابا
الوافدون عليه يوما إنهمْ=لا يشعرون بكونِهِمْ أغرابا
الوافدون عليه سلْهُمْ أيُّهُمْ= قد رُدّ مِن بعد المجئ مُخابا
فتزف بشراها إلى الدهر الذي=لازال يشكو من بنيه ذئابا
و بشارة في مقلتيك إلى الذي=لولا البشارة ما يقر لُبابا
مِن حاجة تهوى به في ساحق=لولا ك لم يَعرف لها أبوابا
تُبنى على كسر الضمير جميعُها= لولاك لم يَعْرِفْ لها إعرابا
تختار ما يُعطي الخجول شجاعة=وتَزيد ما يُعطي الضليل صوابا
تختار مِن وسط العقود أواسطا= وتفيض في قحط السنين سحابا
وحسُنتَ في كل الصفات وطالما= كان الخيال بمثلك الغلابا
تُعطي وتَمنح لا تمن على الفتى= ولرب مُعْطٍ يستحيل عذابا
ولَأنتَ مثل الطائعين إلى المُنى= ماذا تَمنَّى تَمتثِلْهُ مُجابا
حتى ولو ماء الحياة بكأسه=سيفيض منه ولو رآهُ غرابا
يا مَن منحتَ الكلَّ مِن أثمارِها=مِن دون مَنٍ قد يُزيل ثوابا
لا ترتجي إلا الإله وقُربَهُ= لا تبتغي من جاهها ألقابا
ومنحتَ حتى قيل انك حاتم= بل قيل جاوزت الكريم وطابا
إذ حاتم يُعطي الذي في كفه= إذ تستدين وتمنح الطلابا
فَلِمَنْ أقول بأنني متردد= وأخاف من هذا المديح حسابا ؟
وأخاف أني لو ذكرت مآثرا= أنَّ الغريب يَظنُّني كذابا
مَعْ أنني مهما أقول مقصر=أين السها والحاملات ترابا ؟
أين الحرير على النعيم وأهله= من كل مَن بليت هناك ثيابا ؟
ما كان مَن مَدَحَ السحابَ مبالِغا=كلا ولا مَن يمدح الأطيابا
فَسلِ العراق ودجلة عن مائه=ودع الجميع فما يقول كِذابا
فهو الذي أدرى به مِنْ غيره=فسل القريب ودع لِذا الأغرابا
فَلِدجلةً طعمُ الفرات وكلها= تعطيكَ مِن طيب البلاد لُبابا
أرهقتَ ظهري إذ كسرتَ قوائمي= فَنَهضتُ من ثقل المصاب مُعابا
لا أستطيع تحملا في داخلي=وأريد من فرط المصاب صوابا
أين المؤمل يا حسين أقولها= من لب قلب من أسى قد ذابا
ها قد تجمع في فؤادي كلما=أخشاه من هذي الحياة حرابا
أبوابه نزفت دماءا كلها=وكأنما قد أصبحت مرزابا
أأبي وما أحلى صدى قولي أبي= لا ليس إلا عندها أتصابى
الله أعلم ما يثير بداخلي= من ذكريات ٍ قد تُعيدُ شبابا
أترى مَدى هذا الكلام وبُعْدَهُ= فبه ستصفيك الحياة شرابا
وبه ستكتشف الحياة وسرها= ونسيمها يبدو به جذابا
فأبي وأمي والحياة هنا أبي= والسر أمي إن نطقتُ صوابا
فأبي وأمي الرافعانِ إلى السما=سببا يزيد من الهدى أسبابا
وأبي و أمي المُجليان على المدى= مِن قلبنا مهما يكون ضبابا
وأبي وأمي البانيان عقيدة= في القلب تزداد المدى إغرابا
وأبي وأمي منهما نسب نمى= ويَزيدنا بِهِمُ العُلى أنسابا
وأبي وأمي المطعمان لنا الغذا=بولاء مَنْ في حبه قد ذابا
العابدون المخلَصون كما هُمُ= حقاً أقول الطاهرون ثيابا
وأبي وأمي الوافِدانِ على الذي= إنا له وإليهِ قابا قابا
في كل عِرْقٍ منهما تسبيحة=لو رُتلتْ فوق الرميم لَآبا
أصعبْ به من موقف يوما إذا= ناديتُ يا أبتي وخبتُ جوابا
خَشُنَتَ ولمّا زاد في مأساتها= هذا المصاب بقتْ تلحّ غُلابا
فأصاخ لي النعش الذي قد ضمّه= فوق الأنامل إذ علا وَ أجابا
كل ابن أنثى عالما أو جاهلاً= قد كان لا يأتي الهدى مُرتابا
لابد أن يطأ التراب بخده=حتى و إن كفر الفتى أو تابا
من بعد طولٍ للسنين بما حوتْ= غابوا بهاتيك القبور غيابا
لعبت على الوجه اللطيف نميلةٌ ٌ= وأتتْ على ذاك الجمال فَذابا
وَإذا بقى الجسم الممدد ساعةً= هجم الذباب , فّمّنْ يقيهِ ذبابا ؟؟
لا تعجَبنْ فالجسم ماض للثرى=والروح تصعد... أين ؟ لستُ مُجابا
أٌنظر إلى تلك القبور وكن بها= في لحظة و ارفعْ بذاك حجابا
فهنا قبور ضُمَّ فيهنّ العدى= وهنا قبور ضمَّتِ الأحبابا
والقبر جنب القبر يصرخ بالذي= يحتال أين المالِكون لُبابا ؟
فَجميعنا نحوَ القبور مصيرنا= إنّا إليها الصائرون ترابا
وستنتهي كل الحياة لِكونِها= خُلِقَتْ كذالك فَلْتَكُنْ توّابا
وتحس أن العمر راح جميعه=مهما أقمتَ وعشت , راح سرابا
إما تكون الجنة المأوى إذا= عمّرته بالمكرمات وكنت فيه مثابا
أو تُحرَقنّ بنارها وشنارها= وتزاد في يوم الجزاءِ عذابا
فاعمل لِيومِكَ صادِقاً متنسكا=واسلك سبيل الطيبينَ شرابا
بمحمدٍ تأتي الإلهَ وآلِهِ= أبوابِهِ لا تُخطِأِ الأبوابا
فَهُمُ إلى اللهِ الوسيلةُ فابتغي= تلك الوسيلة لا تكنْ مرتابا
متمسكا بهمُ وبالنور الذي=جاء الرسول به فكان كتابا
كن فائزا بالمكرمات وكن بها= والمؤمنين ولن تكون مُخابا
متقابلين على الأسرة في غد ٍ=والحور في جنّاتِهِمْ أترابا
ولَهُمْ بها ما يشتهون وهم بها=متنعمون لهم بها ما طابا