شعراء أهل البيت عليهم السلام - الشقي

عــــدد الأبـيـات
0
عدد المشاهدات
1909
نــوع القصيدة
فصحى
مــشــــاركـــة مـــن
تاريخ الإضافة
08/12/2011
وقـــت الإضــافــة
3:42 مساءً

الشقي

"شقي شارك في الحرب ضد سيد الشهداء فخسر الدنيا والآخرة".

قصة قصيرة السيدجعفر الفرزدق الديري:

مكان الروح ليس هنا. تقلّبت على الجمر، كطائر ترك أنثاه للضياع وهرب الى البعيد. لا تلوميني يا بثين. كنت كمن سقط من عل. كانت عيناك تبتسمان، ترتجفان، وأنا أحاول اللحاق بهما.

بثين... هل حاولت أن تنظري من سطح الدار الى البعيد. عيناك هذا الحلم الشارد أكبر مما وصلت اليه. انه مدى لا نهاية له. أما أنا فسؤال أكثر ما تطلع إليه أن يبعث بي اليك.

أفلت نجوم الليل ولا أزال بمكاني. أتطلع الى النخلة الوحيدة، فأحسّ وكأن رئتيّ تتمزقان، وأساورك الفضية في جيبي تكاد تتحول الى نمل أبيض. حتى القرط الذي أهديتك إياه! لايزال يشمخ في صمت، متحديا عيني، مترسما سبيل من سبقني.

بثين... لا تحسبيني وليا تاه في زحمة الكفار. كنت كقارب لجأ للشاطيء صباحا، فقذفته الريح الى جزيرة لا رمل فيها. أية رائحة معتمة أوصلتني إلى شجر لا ورق فيه، والى موت متخثّر مثل نافورة لا ماء فيها. أية مرآة نبذت ضوءا في الغسق فاختلجت كمن يئد ابنته في التراب.

بثين... مال بي المكان وحركني موج لا نهاية له. كنت أحد عشرة سلكوا الطريق نفسه، وتوهموا النجاة.

كانت الطفلة التي حلمنا بها، تتراءى لي مثل غزالة تنتظر من يسرقها. أي روح تبدت من خلال الشفق، فدفعت بي الى مكان الجان؟. أي عنق أبيض تفجر بالدم أغراني أن أتنكب الطريق؟. رأيتهم ينتهبون الأرض يبحثون عن أول من سلك الطريق (الحسين). تراءيت مثل خيمة ترتفع الى السماء ثم تهوي. التقطتك عندها فوجدت في كفي مالا كثيرا، أستر به عورتي. وأداهن به ما تبقى من أيامي.

بثين... كنا جلوسا نعاقر الخمرة. نكاد نتمزق مثل موت يأخذ فرحه من عيون الغيد. كانت وجوه من معي تشبه من سلك البحر دون ربان. أما أنا فكنت أخفي وجهي عن عصابة كانت الثقوب في أجسام أصحابها قد ساحت على الأرض، وملأت المكان وتسرّبت الى خارج الدار. كانوا يلهون بانتظار الموت. كانت آذانهم مثل جمرة أيقظت من نومها للتو. ذكرتني برائحة ابن آوى حين ينقلب الى ذئب. حين رأيتهم يتباهون بقتل أول من سلك الطريق (الحسين). كانوا يضحكون وكانت مردة سود تتراقص حولهم. وحين أمسك الحارث.. أواه يا بثين.. بفتيلة المصباح كي يشعل النار، أطبقت عليه النار، فررنا منه، فاندفع الى خارج الخيمة. جرينا وراءه، ألقينا عليه كل ما لدينا عل النار ترفق به، ألقى بنفسه في البئر، لكن النار لم تنطفأ، حتى طفى على سطح الماء جثة هامدة!.

بثين... أعيذك أن تتسربلي بريح لا راية لها. سأظل أبكي حتى ينخلع وجهي عن جسم لا يشبهني. رحلت كل خيامهم، وبقيت لوحدي. لا مكان لي أجلس فيه، ظللت واقفا حتى تفسخت رجلاي، واشتعل جسمي دودا بدأ يأكل ما تبقى من حلمي. حتى أطل علي في صحراء لا نهاية لها. أخذني الى أرض كل أشيائها حمراء. ارتفع بي الى سماء تكاد تذبح أبنائها. كنت أرى النار تفتح فاها. ارتضيت أن أظل في السماء يأكل أضلاعي البرد. تسليت بذلك عن أن يلقى بي في النار، لكنه أسقطني. حاولت التشبث به دون فائدة. ألفيت جسمي يتحول شيئا فشيء الى لا شيء. كنت أصرخ دون أن يسعفني أحد. كنت أناديك ولم تسعفيني. كنت أتأمل في كفيّ وهما تتحولان الى ضباب، لكنك لم تساعديني.

حين استيقظت أحسست وكأني غول دون نار تخرج من فيه. خرجت ففر الناس مني، كانت صرخاتي تفزعهم. كانوا يشاهدون اثنين يجريان، واحد الى اليمين وآخر الى الشمال. كان رأس ينهدل على كتفي، وآخر أمسكه بيدي. هربت فوجدتني أدخل في النفق نفسه. ارتفع الى سقف السماء ثم يلقى بي الى النار.

بثين... ما أصعب أن أرحل عن زمن كنت فيه طفلا لا يعي من الحياة شيئا. ماذا لو رأيتني الآن، أكنت تشتاقين إلي كما يتعذب هذا الجانب من قلبي؟! أكنت تشترين بقية الحلم الغارب وراء الليل بساعة أشتريها بما تبقي لدي من عمر؟! ماذا لو رأيت وجها أوجعته النبوءة فأمسى تتدافع فيه الصحاوى؟ أكنت تقبليني كما يتمزق هذا الوجه؟!.

تمت
Testing