ذكرى شهيد الطفّ
كاظم مكي حسن
ذكرى شهيد الطفِّ
كاظم مكّي حسن
دعته العلا فانصاع لا يرهبُ الخطبا=وآثر لقيا الموت واستسهل الصعبا
أبى غير أن يحيا عزيزاً أو الردى=ففاز بما يرجو وطابت له العقبى
وألقى على الدنيا دروسَ مكارمٍ=وشقَّ لمن يهوى ملاقاتها دربا
دع الشهب لا تحفل ببعد ارتفاعها=فقد فاق في عليائه الأنجم الشهبا
وخلَّ بناة المجد عنك بمعزلٍ=فما المجد إلا ما أقام وما ربّى
لقد شبَّ في حجر النبوَّة واستوى=وفي حجره أسمى الوفاء لقد شبّا
ومن كان طه جدَّه ووصيُّه=أباه خليقٌ أن يرى الفارس الندبا
ومن كانت الزهراء حاضنةً له=جدير به أن يرضع العطف والحبّا
هو المثل الأعلى لكلَّ فضيلة=لدى سلمه أو حين يعلنها حربا
رأى الحرب لما هبَّ بالبغى ربُّه=أعزَّ له شأنا ليحطم ذا الربّا
وشمّر للهيجاء ليثاً مجرَّداً=عزائمه واستقبل الطعن والضربا
وأمعن في البيداء يصحب فتيةً=أجلَّ الورى فضلاً وأروعهم ركبا
فما هبطوا في غير نصرةِ دينهم=وتأييده سهلاً ولا صعدوا هضبا
إلى أن أتوا أرض الطفوف فعطَّروا=بزاكي دماهم جوَّها الرحب والتربا
غداة تصدَّت عصبةُ الشرَّ والخنا=لتركب أتباع الهدى المركب الصعبا
وعاثت فساداً حين لم تلقِ رادعاً=وراحت كما شاء الهوى تنشر الرعبا
فظائع في طول البلاد وعرضها=فتملؤها سوءاً وتورثها جدبا
ففي جانب منها أقامت مجازراً=وفي جانب قد أحيت النهب والسلبا
ولم ترعَ للإسلام حقّاً وحرمةً=كما لم تراعِ في خلائفها العربا
أذلَّت رقاب المسلمين وكدَّرت=من الشرعة السمحاء موردها العذبا
ولو لم تكن حرباً على الله في الورى=لما ظلمت آل الرسول ذوي القربى
أطاعت يزيداً وهو بالبغي آمر=يرى حبَّ مَن والى إمام الهدى ذنبا
رأت فيه وهو الشرُّ قولاً وفعلةً=إمام هواها السيّد العادل الضربا
ومن مضحكات الدهر أن يحكم الورى=سفيه غدا في كل موبقةٍ صبّا
وأين من الإسلام في روح حكمه=فتىً فيه داء الفسق من أصله دبّا
تعوّد أن يسعى ويسقي وهمُّه=مدى عمره أن يألف اللهو واللعبا
أجل هو للباغي وكل منافق=إمام على نشر المخازي قد انكبّا
مطوراً تراه في محافل صيدِه=وحيناً تراه يجمع الغيد والشربا
إمام وأنواع المفاسد دينه=ومذهبه أن يزرع الغدر والخبّا
بطانته من كلِّ مَن ألف الخنا=وظلم الورى والدسّ والمكر والكذبا
ولا عجب فيما أتى من مظالمٍ=فآباؤه للظلم قد خلّفوا العَقْبا
وحسب يزيد سبَّة حرب أحمدٍ=بتجريعه أبناءه الغم والكربا
أراد لهم ذلَّ الحياة فأجمعوا=على حربه أو يدركوا حقهم كسبا
وهبُّوا إلى لقيا المنون كأنّهم=ضراغم هبَّت من مرابضها غضبى
كرام أبوا إلاّ الحياة عزيزة=وإلاّ انتصاراً يملأ الشرق والغربا
فما عرفوا طعم الخضوع لظالمٍ=وما أضجعوا منهم على ذلة جنبا
وما منهمُ من حاد عن طرق الهدى=وما فيهمُ من هام في نفسه عجبا
مضى الدهر مطويّاً ولم يلقَ مشبهاً=لهم في التفادي أو لأخلاقهم تربا
فلو أن شعباً سار في الأرض سيرهم=لأصبح في دنياه أكملها شعبا
وحين دعاهم للجهاد إمامهم=أتوه خفافاً يسرعون الخطى وثبا
وجاؤوه لا يرجون دنياً تضيمهم=يزاحم سربٌ منهمُ للردى سربا
يذودون عن حقَّ الحسين وصبرهم=على نكبات الحرب قد ذلَّل الحربا
إلى أن قضوا في حومةِ العزِّ والإبا=ضحايا جهاد أشغل الناس والكتبا
بنفسي أبيُّ الضيم غودر مفرداً=(وأصحابه قتلى وأمواله نهبى)
يزيد ابتهاجاً كلَّما ازداد محنةً=أو ازداد من لقيا منيَّته قربا
يشدُّ على أعدائه الكثر شدَّةً=تضعضع في أقواهمُ اللب والقلبا
ولم يثنه ثقلُ الحديد أو الظما=عن القوم يسقيهم مناياهم غصبا
وما حرّفته عن مناجزة العدى=جراحٌ قد انتابته تنخبه نخبا
يقاتلهم فرداً وليس له سوى=حسامٍ يرى في حدَّه الأهل والصحبا
تردّى من الإيمان درعاً حصينةً=وجرّد من إقدامه صارماً عضبا
عزائمُه جيش تضيق به الدنى=يُروَّع من أعدائه الجحفل اللجبا
وحسب الجهاد الحرَّ فخراً بسيّدٍ=غدا وحده لله خالقه حربا
وهبه قضى قتلاً فإنّ دماءَه=غدت لسقام الدين حين جرت طبّا
هنيئاً لطه أنَّ قتلَ ابنِ بنتِه=سيبقى وإن طال المدى يانعاً رطبا
ينادي إلى العلياءَ من يعشقونها=ألا فاز منهم من أجاب ومن لبّى
كاظم مكّي حسن البصرة