في رثاء البضعة الزهراء (4) الشيخ حسن القيسي البحراني
من ذاك يعذرني من الأيام=فيها طغى وجدي وزاد سقامي
أنا كلما حاولتُ منها مهرباً=جارت عليَّ بجيشها المقدامِ
والدهر يسعفها عليَّ فتنثني=تعدو عليَّ كعدوةِ الضرغامِ
ما للزمانِ بجورهِ وعنادهِ=كالذئب إذ يعدو على الأغنامِ
يقسو عليَّ قساوةً فتخالهُ=دينا يطالبني مدى الأعوامِ
ألأنني أرخي إليه جوانبي=وألينُ مثل تلاين الآجام؟
أم أن دهري تابع أبناءه=يجزون بالسوأى على الإنعامِ؟
هيهات لا تعجب لدهرك إن قسا=فالدهر شيمته طباع لئامِ
فالدهر لا تأمنه من خدع فلا=يرعى إليك الدهر أيَّ ذمامِ
أوما رأيت فعاله ببني الهدى=آل النبيِّ وصفوة العلّام
ولقد رمى قلب البتولة فاطمٍ=بمصائب ونوايب كسهامِ
فقدت أباها والشجاءُ أمضها=والهمُّ عاجلَ جسمَها بسقامِ
فإذا بها مما عراها من أسىً=وشجى تنوحُ له كنوح حمامِ
فترى المنازلَ وحشة من بعدهِ=ومقامه مستبدلا بظلامِ
بعد الضياءِ وبعد نور جبينهِ=وإذا به يبكي بطرفٍ دامي
لم أنسها إذ أقبلت لضريحه=ولقبره ذاك الضريح السامي
أخذت ترابَ القبر تنشق عطرَهُ=والدمع في الوجنات سيلٌ هامي
يا والدي ضيعتني أوحشتني=أثكلتني يا صفوة العلامِ
يا والدي انظر إليَّ حزينةً=أصمت فؤادي لوعة الآلامِ
مكسورة الأضلاع جسمي ناحلٌ=ومدامعي حمر تسيل دوامي
ملطومة عيني أحنُّ تألماً=منعت شجوني سلوتي ومنامي
يا والدي أمنن علي بنظرةٍ=تشفي بها قلبي من الأسقامِ
يا والدي جد بالجواب على التي=ربيتها في العز والإكرامِ
يا والدي يا خيرَ ذخرٍ كنتَ لي=يا والدي أنظر إلى أيتامي
أنظر طفالي أنت قد ربيتهم=في حجرك الميمونِ بالإنعامِ
عادوا يتامى بعد فقدك دمعهم=يجري على الخدين مثل غمامِ
الله ما أدهى مصابك فاطمٌ=ينهد منه شمام كل شمامِ
ثم الصلاةُ عليكِ ما شمسُ الضحى=قد بددت بالنور وجهَ ظلامِ